أرجوك أن تقرأ هذا الكتاب
إذا أردت أن تفهم الإسلام على حقيقته، وإذا أردت أن تجادل المتشددين والمتطرفين، أرجوك أن تقرأ هذا الكتاب، ليس لأنه من إصدارات دار المعارف، وإنما لأنه رسالة مؤيدة بالأدلة القاطـعة على سماحة الإسلام.
الكتاب عنوانه: (الحرية الدينية فى الإســلام) ومؤلفـه شيخنا الراحل الشيخ عبد المتعال الصعيدى، وهو من شيوخ الأزهر المجددين، ويجيب الكتاب عن سؤال: ما هو موقف الإسلام مع من اختار الكفر، وأراد الخروج عن دين الإسلام إلى دين آخر، هل يقام عليه الحد كما هو شائع؟ وما هو السند الشرعى لما هو شائع فى الثقافة الشعبية عن (حد الردة).
وقبل أن تقرأ الكتاب أرجوك أن تعرف قصة هذا الكتاب.
فقد وقع هذا الكتاب فى يدى مصادفة بعد رحيل مؤلفه. جاءنى ابنه يعرض علىّ إعادة طبعه لكى ينتفع به من يدافع عن الإسلام فى مواجهة الهجمة الشرسة فى الخارج والداخل.. وبعد أن قرأت الكتاب رأيت أن أستطلع رأى الأزهر فيه، وأحال الإمام الأكبر شيخ الأزهر الكتاب إلى عالم جليل من علماء الأزهر هو الدكتور محمد رجب بيومى عضو مجمع البحوث الإسلامية فجاء فى تقريره عنه: إن مؤلف الكتاب جاء برأى جديد وذكر أدلته الأصولية، وفرق كبير بين كتاب يؤلفه غير متخصص وغير خبير بمسائل الفقه والأصول والعقيدة، وكتاب يؤلفه عالم كبير قضى عمره الطويل فى رحاب الأزهر طالبا نابها، وكان الأول على فرقته فى امتحان العالمية، ومدرسا بالمعاهد والكليات، وكاتبا فى المجلات الإسلامية وأرقاها مجلة الأزهر الشريف، فهذا أستاذ إذا جاء برأى جديد ذكر أدلته الأصولية، فلنا حينئذ أن نستمع إليه، وأن نعارض ما يتجه إليه إذا اتضحت أسباب المعارضة.
وقد ألف الأستاذ عبد المتعال الصعيدى كتابه لينتهى إلى أن المرتد لا يُقتل، وهو رأى جديد بالنسبة لما عُلم وتقرر، وقد استند إلى أدلة رآها ترجح وجهة نظره ذكرها بإيضاح وتحليل، ثم نشر الكتاب فى الطبعة الأولى فأحدث انتباها غير عادى، وتصدى لنقده عالم كبير من علماء الأزهر هو الأستاذ عيسى منون عضو جماعة كبار العلماء وشيخ كليتى الشريعة والأصول بجامعة الأزهر، تصدى لنقده فى مجلة الأزهر فى عددين متواليين. ورد الأستاذ عبد المتعال الصعيدى على ما قاله معارضه فأصدر الطبعة الثانية، وفيها كل ما قاله الأستاذ عيسى منون نقدا للكتاب، ثم رد الأستاذ عبد المتعال الصعيدى على النقد، ليثبت وجهة نظره. إذن فالكتاب يعرض الوجهة المقررة المعروضة بأدلتها كما كتبها الشيخ عيسى منون فيعطى القارئ خلاصة وافية لكل ما قال الفقهاء فى هذا المجال، وأضاف الدكتور محمد رجب بيومى: (إن هذا مما يحمد للأستاذ عبد المتعال الصعيدى حيث لم يشأ أن يُغرر على القارئ برأى جديد دون أن يرجع إلى ما قيل عنه من قبل، كما يعرض صفحات كثيرة كتبها ابن حزم فى كتابه (الإحكام فى أصول الأحكام) وكلها تخالف اجتهاده، ورد عليها، وهو بما نقل عن الأستاذ عيسى منون والإمام ابن حزم قد كشف الوجهة المخالفة لرأيه كشفا ساطعا بحيث لا يحتاج قارئ إلى الرجوع إلى مصادر أخرى.
وقال أستاذنا الدكتور محمد رجب بيومى إن هذا الكتاب حوار يوضح وجهتى نظر مختلفتين، وذكر ما يؤيد كل وجهة نظر ولم يحاول إنكار الرأى السائد وعرضه نقلا عن أصحابه، فكان من حقه أن ينتهى إلى رأى له أدلته. والاجتهاد لمن كان فى درجته العلمية حق مشروع، ولنا أن نخالف وجهته بالدليل، ولكن ليس لنا أن نصادر اجتهادا استند فيه صاحبه إلى أدلة عقلية ونقلية تقبل النقاش. وقد قرر الإمام محمود شلتوت فى كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) إلى ما انتهى إليه الأستاذ الصعيدى تماما دون خلاف، فقال ما نصه: (الاعتداء على الدين بالردة يكون بإنكار ما عُلم من الدين بالضرورة وارتكاب ما يدل على الاستخفاف والتكذيب، وجاء فى القرآن عن هذه الجريمة: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة (217) والآية لا تتضمن أكثر من حبوط العمل، والجزاء الأخروى بالخلود فى النار، أما العقاب الدنيوى لهذه الجناية، وهو القتل فيثبته الفقهاء بحديث يروى عن ابن عباس (من بدل دينه فاقتلوه) وقد تناول العلماء هذا الحديث بالبحث من عدة جهات: هل المراد من بدل دينه من المسلمين فقط، أو يشمل من تنصر بعد أن كان يهوديا؟ وهل يشمل هذا الرجل والمرأة أو هو خاص بالرجل، والمرأة لا تقتل بالردة؟ وهل يقتل المرتد فورا أو يستتاب؟ وهل الاستتابة لها أجل، أو ليس لها أجل فيستتاب أبدا؟ ثم قال الشيخ شلتوت: قد تتغير وجهة النظر فى هذه المسألة إذا لوحظ أن كثيرا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبت بأحاديث الآحاد، وأن الكفر ليس مبيحا للدم، وأن المبيح للدم هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن فى كثير من الآيات تأبى الإكراه على الدين، فقد قال تعالى: (لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى) البقرة (256) وقال: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس (99) والأستاذ الصعيدى لم يقل فى كتابه الحافل أكثر مما قال الأستاذ محمود شلتوت فى كتابه الذى طبع عدة طبعات ذائعة، وكان مقررا على طلبة كلية الحقوق بجامعة القاهرة لسنوات. إذن فإن الإتيان بالجديد من عالم متخصص شىء طبيعى.
هذا هو التقرير الذى عرض على مجمع البحوث الإسلامية وصدر القرار بطبعه ونشره.
وكان الشيخ الصعيدى متوقعا للخلاف حول رأيه، ولذلك بدأ فى المقدمة بقوله: الحمد لله الذى فتح باب الاجتهاد فى الدين لأهل الاجتهاد، ولم يجعل الجمود سنة فى الدين ولا فى العلم، بل فتح باب التجديد فيهما على مصراعيه لكل إمام مجتهد، وجعل لكل قرن من القرون مجددين يبعثهم فيه، لينهضوا فى الدين والعلم، ولا يقفوا فيهما بالجمود عن مسايرة الظروف والأحوال، ولا يحولوا دون انطلاق العقل فى البحث.
هذا الكتاب يستحق أن يترجم إلى أكثر من لغة ليعرف العالم أن الإسلام دين يحترم حرية الإنسان وحقه فى الاختيار، للإنسان الحق فى أن يؤمن بالإسلام، وله الحق فى أن يكفر به، وهذا الحق مقرر بالنص الصريح فى كتاب الله. ولابد أن نضع فى اعتبارنا أن الإكراه فى الدين، والقول بأن عقوبة المرتد هى القتل ستؤدى إلى أن يظهر الإنسان الإيمان وفى قلبه الكفر، وبذلك يكون فى صفوف المسلمين منافقون لا يؤمنون به عن يقين واقتناع، وهؤلاء ضررهم أكثر من نفعهم.
يقول الشيخ الصعيدى. إن حرية الاعتقاد أن يكون للإنسان الحق فى اختيار الدين، ولا يكون لغيره الحق فى إكراهه على ما يعتقده بأية وسيلة من وسائل الإكراه، وإنما يكون له حق دعوته إليه بالإقناع بدليل العقل، أو بالترغيب فى ثواب الآخرة، والتخويف من عقابها، ويستشهد الشيخ الصعيدى على الحرية الدينية فى الإسلام بالعديد من الآيات مثل: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) فصلت (46) و (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن) النحل (125) – و(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم) العنكبوت (46) و: (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) القصص (56) و: (ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس (99). و(لا إكراه فى الدين) البقرة (256) وقال الإمام محمد عبده فى تفسير هذه الآية. إنه كان شائعا فى بعض الملل حمل الناس على الدخول فى دينهم بالإكراه. وهذه مسألة ألصق بالسياسة منها بالدين، لأن الإيمان هو إذعان النفس، ويستحيل أن يكون إذعاناً بالإكراه، ولذلك قال تعالى: (قد تبين الرشد من الغى) بعد قوله: (لا إكراه فى الدين). وقال: (.. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..) الكهف (29).
يقول الأستاذ الصعيدى: لا خلاف فى أن الاختيار شرط فى صحة كل تكليف، لأن إكراه إنسان على اعتناق دين لا يؤمن به يزيده كرها لهذا الدين، لأن فيه سلباً لحريته، والحرية عند الإنسان أثمن شىء فى دنياه.
أرجوك أن تقرأ هذا الكتاب، ولن أمل من تكرار الحديث عنه حتى يأخذ حقه من المناقشة وأعتقد أنك بعد قراءته تستطيع عرض حقيقة الإسلام على أنه دين الحرية والتسامح، وهذا ما حدث لى عندما كنت فى صحبة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطـاوى فى حوار فى ألمانيا، وقال لنا أحد المستشرقين الألمان: إن الإسلام مصيدة، من يدخلها تفرحون به ومن يخرج منها تقتلونه، وكان الرد بأن هذا ليس هو الإسلام.. الإسلام هو الحرية.. من شاء فليؤمن.. ومن شاء فليكفر.. وخالق الناس هو الذى سيحاسب الناس على عقائدهم، وما فى ضمائرهم وقلوبهم.. الخالق وحده هو الذى يحاسب وليس البشر.. وكانت أدلة الشيخ الصعيدى كفيلة بإسكات المتهمين للإسلام بالباطل