لغــز أشــرف مــروان ( 2 )
يروى المؤرخ العسكرى الإسرائيلى أهارون بريجمان فى كتابه تاريخ إسرائيل الذى صدر فى لندن واقعة أخرى أكدت ثقة المخابرات الإسرائيلية فيما يبلغها به الجاسوس المصرى «زوج الابنة».
ففى فبراير 73 ضلت طائرة ركاب ليبية طريقها بسبب عاصفة فاقتربت من إسرائيل، وخشى الإسرائيليون أن تكون الطائرة متوجهة لضرب مفاعل ديمونة فى صحراء النقب فأسقطوها وقتل كل من فيها وعددهم 108 وكان من بينهم وزير الخارجية الليبى صالح بوياسر..
وثار العقيد القذافى وحمّل برج المراقبة المصرى المسئولية عن انحراف الطائرة وطالب الرئيس السادات بالرد على إسرائيل بإسقاط طائرة إسرائيلية، لكن السادات خشى أن يتسبب أى عمل انتقامى فى اندلاع حرب شاملة مبكرة ويؤدى ذلك إلى إفساد خططه للحرب التى لم يعدّ لها منذ سنوات، فتظاهر بالتجاوب مع القذافى وعهد إلى « زوج الابنة» بإعداد خطة هجوم انتقامى، فاقترح «زوج الابنة» أن يقوم فريق من خمسة فلسطينيين بضرب طائرة ركاب إسرائيلية أثناء إقلاعها من مطار روما بصاروخ محمول على الكتف، وقام «زوج الابنة» بإبلاغ الإسرائليين بالخطة، فانتهى الأمر باعتقال الفلسطينيين الخمسة فى إيطاليا قبل تنفيذ العملية بالتعاون بين الموساد وأجهزة الأمن الإيطالية.
ويقول الكتاب إن ثلاثة أهداف تحققت لمصر من هذه العملية: تفادت إشعال حرب شاملة مبكرة.. وحافظت على علاقتها مع ليبيا.. وكسبت ثقة الموساد فى «زوج الابنة».
وفى كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل «مبارك وزمانه» أن ما نشر عن تحقيقات اللجنة التى شكلتها رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير للتحقيق فى أسباب «التقصير» الذى تسبب فى هزيمة إسرائيل فى حرب 73 ورأس هذه اللجنة القاضى «أجرانات» كيف كان الخلاف بين الجنرال زفى زامير رئيس الموساد الذى أصر على أنه قد وصلت إليه خطط ومواقيت الهجوم من مصدر مصرى موثوق لكن رئيس المخابرات العسكرية- الجنرال إيلى زاعيرا - أصر على التشكيك فى مصدر هذه المعلومات ودليله على ذلك أن المصدر المصرى أبلغ إسرائيل بأن الهجوم فى الساعة السادسة مساء بينما وقع الهجوم فى الساعة الثانية بعد الظهر. وهذا الاختلاف أدى إلى تأخر إعلان التعبئة العامة فى إسرائيل.. ومن تحقيقات اللجان المتعددة التى شكلت فى إسرائيل لبحث التقصير الذى حدث فى الجيش على الرغم من وجود معلومات حددت يوم الهجوم، ظهر اسم الدكتور أشرف مروان. وأحدث إذاعة الاسم ضجة داخل إسرائيل عن المسئولية عن كشف الاسم وفيه فضح و إضرار بصديق إسرائيل سوف يجعل آخرين يترددون فى التعامل مع الموساد بعد ذلك، وكان الجنرال زائيرا رئيس المخابرات العسكرية مصمما على أن هذا «العميل» كان عميلا مزدوجا لمصر أيضا ولذلك كان فى حل من الإشارة إلى اسمه.
???
فى إسرائيل من رأى أن الجاسوس المصرى كان جاسوسا يعمل لصالح إسرائيل فقط ، وفيها من رأى أنه كان جاسوسا مزدوجا يعمل لصالح مصر أيضا. ولكن ظهرت مؤخرا مقتطفات من مذكرات الرئيس السابق حسنى مبارك نشرتها صحيفة روز اليوسف اليومية وقالت إن مبارك باعها لدار نشر بريطانية بعشرة ملايين دولار ونشرت صورة الشيك بالاسم والمبلغ وأن دار النشر باعت هذه المذكرات إلى دار نشر كندية بعد تسريب أجزاء منها وحصلت على أربعة عشر مليونا ولم يصدر تكذيب لما نشرته روز اليوسف فى مصر أو فى بريطانيا أو فى كندا. ويقول مبارك فيها إن يوم الثلاثاء الموافق 27 مارس 2007 كان كارثة علنية لأشرف مروان، ففى هذا اليوم أصدر القاضى «تيودور أور» حكما من المحكمة الإسرائيلية العليا كشف فيه للعالم بشكل رسمى أن أشرف مروان كان جاسوسا لإسرائيل فى قضية كانت منذ عام 2004 بين الجنرال تسفى زامير رئيس جهاز الموساد خلال حرب أكتوبر 73 وهو آخر من قابل أشرف مروان مساء يوم 5 أكتوبر 73 فى لندن ومعة ضابطان كبيران سابقا من المخابرات الحربية الإسرائيلية هما عاموس جلبوع ويوسف لنجوتسكى كانا قد عملا تحت قيادة الجنرال إيلى زاعيرا رئيس جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية خلال أكتوبر 73 وكانا قد رفعا قضية اتهموا فيها الجنرال زاعيرا بتعريض أسرار الأمن القومى الإسرائيلى للخطر، وعرضا حياة العميل «بابل» وهو لقب أشرف مروان فى الموساد، وذلك بأن أذاع الجنرال زاعيرا اسم مروان على الملأ وعن عمد فى حلقة برنامج حوارى تليفزيونى مع المذيع الإسرائيلى الشهير دان مارجاليت، وقد تمت إقالة الجنرال زاعيرا بسبب هزيمة إسرائيل ولا يزال حتى يومنا هذا يتهم مروان بأنه كان سبب هزيمة إسرائيل فى الحرب.
???
ويقول الأستاذ هيكل فى كتابه إن الوثائق التى وصلت إليه عن التحقيقات فى موضوع العميل «بابل» أو «زوج الابنة» أو «الدكتور» فيها صور لعشرات الوثائق السرية فى الرئاسة المصرية، وكأن رئاسة المخابرات الإسرائيلية كانت تقرأ أوراق الرئاسة المصرية «على راحتها».
أما الخلاف فى موعد الهجوم الذى أبلغ إلى المخابرات الإسرائيلية فقد كان بالفعل قد تقرر فى الساعة السادسة مساء حتى يوم 2 أكتوبر، ثم وقع خلاف بين الفريق أحمد إسماعيل وزير الدفاع المصرى اللواء يوسف شكور قائد الجيش السورى.. القيادة المصرية كانت تفضل بدء الهجوم فى السادسة مساء لكى تستفيد من مجىء الليل كى يحمى عمليات المهندسين فى بناء الجسور، أما القيادات السورية فكانت تفضل الساعة السادسة صباحا لكى تستعين بأشعة الشمس فى مواجهة الدبابات الإسرائيلية على هضبة الجولان. ولما استحكم الخلاف سافر الفريق أحمد إسماعيل إلى دمشق سرا صباح الثلاثاء 2 أكتوبر وتدخل الرئيس حافظ الأسد وتوصل مع القائدين إلى حل وسط وهو اختيار الساعة الثانية بعد الظهر موعدا للهجوم..
هذا التغيير فى موعد الهجوم لم يعلم به أشرف مروان لأنه كان قد سافر إلى ليبيا عن طريق أوروبا يوم 2 أكتوبر لكى يخطر القذافى بأن المعركة ستبدأ ويخطره بموعد الهجوم فى السادسة مساء ولم يكن فى مصر عندما تعيرت ساعة الصفر.هل كان أشرف مروان جاسوسا لإسرائيل يمدها بأسرار الأمن القومى المصرى، أو كان عميلا مزدوجا يمدها بأسرار حقيقية ليتمكن من تنفيذ خطة الخداع الاستراتيجى ويضللها بموعد الهجوم بعد الموعد الحقيقى بست ساعات وتكون هذه هى الضربة القاضية.
فى لقاء أخير بين الأستاذ هيكل وأشرف مروان قال له مروان: هل تصدق أن زوج بنت جمال عبد الناصر يمكن أن يكون جاسوسا؟!.
لغز محير نستكمل المحاولة لفهمه بقدر ما نستطيع.