إدمان الكراهية لأمريكا!
أصبح هذا السؤال يتردد يوميا على ألسنة كبار المسئولين وفى كتابات كبار المحللين فى الولايات المتحدة: لماذا يكره العالم أمريكا؟ ولماذا يكره المسلمون والعرب أمريكا أكثر؟
وتعودت إجابات الأمريكيين.. الرئيس بوش قال: لأنهم يكرهون تقدمنا وحريتنا. ونائبه ديك تشينى قال: لأنهم يكرهون ثروتنا والرخاء الذى نتمتع به. ووزير الدفاع رامسفيلد قال: لأنهم يكرهون قوتنا، وكذلك فإن الدول القديمة التى أصابتها الشيخوخة مثل دول أوروبا العجوز تكره الفتوة والحيوية والشباب فى أمريكا. وبعض المحللين قالوا: إن استخدام أمريكا القوة العسكرية ولهجة الرئيس بوش المليئة بالغطرسة هى سبب الكراهية والخوف معا. وبعضهم الآخر قال إن أمريكا-فى ظل الإدارة الحالية- لا تكف عن تهديد الدول، وإضافة دولة جديدة إلى القائمة التى تضعها وفقا لما تراه وتعتبرها دولا راعية للإرهاب وتفرض عليها الحصار. والأوربيون مجمعون على أن أمريكا أصبحت دولة تمارس الأعمال التى تفرض العقوبات بسببها على الدول الأخرى، مثل عدم احترام الشرعية والقانون الدولى، وانتهاك حقوق الإنسان، والانسحاب من الاتفاقات والمعاهدات، والاستهانة بالحلفاء والأصدقاء، والسعى إلى الانفراد بالقرار وبالعمل فى الشئون الدولية، ومحاولة إنشاء إمبراطورية يمتد نفوذها إلى أنحاء العالم، والتوسع فى إنشاء القواعد العسكرية فى قارات العالم الخمس وفى البحار والمحيطات، والسيطرة على الفضاء بأقمار التجسس، وبالإضافة إلى ذلك فهى المسئولة عن الأزمة الرأسمالية العالمية والانحراف بالعولمة.
أما فى مصر فقد عبر الرئيس مبارك عن رأى المصريين والعرب حين قال مؤخرا إن موقف الولايات المتحدة من القضية الفلسطينية هو السبب الرئيسى لكراهية العرب والمسلمين لأمريكا، وإذا تحركت بجدية وساعدت على إقامة السلام العادل بحق فسوف تنتهى نصف مشاعر الكراهية، وبالطبع فإن ما تفعله أمريكا فى العراق وتهديداتها لسوريا والسودان.. من الأسباب المهمة للكراهية.
وفى رأى مايكل براون المدير التنفيذى لمنظمة شركاء السلام أن الرئيس بوش لا يتلقى الرسالة التى يبعث بها العالم إليه بدعوته ليكون صانع السلام فى الشرق الأوسط، والرسالة تقول إن القضية هى الاحتلال.. الاحتلال.. الاحتلال. لكن الرئيس بوش- مع ذلك- يردد بأن القضية هى الديمقراطية للفلسطينيين. وقد رفض الاستماع صراحة إلى رسالة العالم وقال فى زيارته لكندا الشهر الماضى (إن تحقيق السلام فى الأراضى المقدسة ليس مسألة ضغط على هذا الجانب أو ذاك بشأن الحدود أو المستوطنات، فقد حاولنا هذا التوجه ولم يحقق نجاحا، وعلينا عند التفاوض على تفاصيل السلام أن نركز على قلب المسألة وهو الحاجة إلى الديمقراطية للفلسطينيين). ويقول مايكل براون: إن خريطة الطريق تنص على تجميد المستوطنات ولم يضغط الرئيس بوش على تنفيذ هذا الشق، وإذا لم يقدم بوش للفلسطينيين بعض الأمل فى العدل الأمريكى فإنه يدفعهم إلى اليأس من جدوى المفاوضات، والعرب يشاهدون أن الإذعان الأمريكى العلنى لخطط شارون قد بلغ درجة لم تحدث أبدا من قبل، وليس مقبولا أن يبدو الرئيس الأمريكى غير مدرك للقيم الأمريكية التى تتمثل فى العدالة وحقوق الإنسان والحرية للشعوب والأفراد، ويظهر عدم الاكتراث بمعاناة الشعب الفلسطينى.. وعلى الرئيس بوش أن يدرك أن الفلسطينيين لو أقاموا أفضل ديمقراطية فى العالم فلن يكونوا أحرارا، والديمقراطية لن تنهى الاحتلال والاستيلاء على أرضهم.. فالقضية هى كيفية عدم الخضوع للاحتلال. وإذا كانت حجة شارون وبوش فى وجود عرفات أنه ليس شريكا للسلام فما هى الحجة اليوم والقيادة الفلسطينية الجديدة تمد يدها وتعلن استعدادها للمشاركة فى تحقيق السلام وليس لها شروط سوى أن يكون السلام عادلا.
يقول مايكل براون إن تحقيق السلام فى الشرق الأوسط يتطلب قيادة قوية من رئيس أمريكى مستعد لاتخاذ موقف عادل ومتوازن، فيطالب بإنهاء العنف الفلسطينى، وفى نفس الوقت يطالب إسرائيل بإنهاء الاحتلال، والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، وأن تكون لديه الشجاعة للتصدى لمشكلة مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين طردوا من أرضهم وبيوتهم خلال 56 عاما. وينتهى مايكل براون إلى أن الرئيس بوش حتى اليوم يفتقد الشجاعة لمصارحة حلفائنا الإسرائيليين بالحقائق الصعبة ويكتفى بالضغط على الشعب الفلسطينى فقط، دون أن يطالب إسرائيل بتنفيذ التزاماتها، وليست هذه قيادة أخلاقية (!)
ومنذ أيام قال وزير الخارجية الأمريكى: إن العالم الإسلامى بعد أن رأى (الكرم الأمريكى) والقيم الأمريكية على أرض الواقع بالمساعدات لضحايا (تسونامى) قد يصبح أقل عداء لأمريكا). وعلق على ذلك كاتب أمريكى بقوله: إن إدارة بوش مشغولة بمواصلة الإدارة السيئة للحرب التى شنتها فى العراق وكان أداؤها محزنا، ومن الأفضل أن تتحرك الإدارة الأمريكية فى الاتجاه الصحيح قبل أن يتحول المسلمون والعرب إلى إدمان الكراهية لأمريكا ويصعب العلاج!