انطباعات عن لقاء مع الرئيس
كان حوار الرئيس مبارك مع المثقفين نموذجا للحوار الديمقراطـى بحق.. وكان اللقاء حميما.. بعيدا عن البروتوكول والرسميات.. قال كل منا ما يريد دون تحفظـات.. واتسع صدر الرئيس لكل الآراء التى عكست التعددية فى الفكر والاختلافات فى الرؤى.
دار الحوار حول قضايا الحاضر وتصورات المستقبل، وكان الرئيس صريحا وواضحا، قال إننا نواجه مشاكل، ونحن قادرون على التغلب عليها، فليست هذه أول مرة نواجه فيها مشاكل اقتصادية، وبالإرادة والتخطيط الجيد، ومشاركة الشعب فى تحمل بعض الصعوبات استطـعنا أن نجتاز كل مشكلة ونعود إلى مسيرة التنمية وتحسين مستويات معيشة المواطنين. ولابد أن يظل فى حساباتنا أننا جزء من العالم، نتأثر بما يجرى فيه ولا نستطيع أن نعيش وحدنا فى جزيرة معزولة عن المؤثرات الخارجية.. والعالم الآن يواجه أزمات اقتصادية ويعانى من ارتفاع الأسعار، ولا يمكن أن نتفادى انعكاس ذلك علينا، ونحن نستورد الكثير من احتياجاتنا من الغذاء والمعدات والآلات وقطع الغيار، ونحن الآن فى مرحلة تشجيع الاستثمارات المصرية والعربية والأجنبية، ونحن نتقدم بدليل أن معدل التنمية كان 3% وأصبح 4.3% وسنصل إلى 5% أو 6% فى وقت قريب.
واضح أن الاستثمارات والتنمية وفتح مجالات عمل جديدة هى الشاغل الأكبر للرئيس ولذلك قال فى بداية الحوار: لقد زرت جميع دول العالم تقريبا أكثر من مرة، وكان هدفى فى كل زيارة فتح الطريق لزيادة العلاقات التجارية، وبالتالى زيادة الصادرات المصرية، وزيادة الاستثمارات فى مجالات متعددة وخاصة المجالات كثيفة العمالة.
وفى الحوارات كرر الرئيس أكثر من مرة: فكروا معى، كيف سيكون حال مصر والمصريين بعد عشر سنوات أو بعد عشرين سنة.. والزيادة السكانية مليون و 200 ألف نسمة كل سنة، ومع تحسين الرعاية الصحية وانخفاض وفيات المواليد وزيادة متوسط الأعمار سوف يصبح تعداد المصريين مائة مليون ثم مائة وعشرين مليونا، فكيف سيكون حالهم إذا كنا نعانى ونحن 72 مليونا؟
والدلائل تبشر بتحسن الأحوال الاقتصادية.. مؤشرات سوق الأوراق المالية فى صعود.. قيمة الدولار انخفضت.. بدأت بعض المشروعات الجديدة تعطى ثمارها.. مشروع توشكى على وشك أن تنتهى فيه عمليات الإنشاء الأساسية وبدأت عمليات الاستزراع.. وشرق العوينات.. وسيناء.. مشروعات السياحة تزداد وتتوسع.. مشروعات صناعية جديدة على وشك الانتهاء من بنائها.. مشروع تسييل الغاز فى ميناء دمياط على وشك البدء فى العمل وهو مشروع عملاق.. ميناء السخنة الجديد.. وتجديد ميناء دمياط بأحدث الأجهزة.. والطرق السريعة ومشروعات الإسكان الجديدة.. البناء والتقدم فى كل مكان وفى كل مجال، ويكفى أن نتذكر أن عدد المدارس عام 1982 كان أقل من 7 آلاف مدرسة، اليوم أصبح لدينا 37 ألف مدرسة ويجرى بناء 8 آلاف مدرسة جديدة.. وكان عدد طلبة المدارس 7 ملايين وأصبح العدد 16 مليونا.. ومثل هذا يحدث فى المستشفيات والوحدات الصحية.. مؤشرات التقدم كثيرة لمن يريد أن يرى الحقيقة..
ورعاية محدودى الدخل هدف أساسى للحكم، التعليم المجانى باق ولا يمكن المساس به.. العلاج المجانى وعلى نفقة الدولة باق وسوف يزداد.. تحسين المواصلات دون زيادة فى أسعارها أمر لا رجعة فيه.. الدعم المباشر وغير المباشر وصل إلى 100 مليار جنيه ولا تفكير فى المساس به.. التأمينات والمعاشات تزداد تكلفتها على الدولة ولا تفكير فى المساس بها.. ميزانية التعليم تقترب من 30 مليار جنيه.. أجور الموظفين تزيد على 35 مليارًا هذا العام.. وهناك خطوات لتحسين أحوال الموظفين عن طريق خفض الضرائب ووضع نظام جديد للترقيات.. إلخ )
ونصل إلى القضايا السياسية:
*البعض لا يجد حديثا إلا عن تعديل الدستور، ومن قال إن ذلك غير وارد.؟ تعديل الدستور وارد.. بل هو أمر ضرورى.. مع تطور الحياة السياسية والاقتصادية لابد من إعادة النظر فى الدستور.. لا خلاف على ذلك.. الخلاف فى التوقيت.. الأقلية ترى أن تعديل الدستور مسألة سهلة يكفى ورقة وقلم وكتابة مادة واحد.. مادة اثنين.. واستفتاء.. وينتهى الأمر.. تعديل الدستور ليس سهلا.. الدستور هو القانون الأساسى الذى يحدد نظام الحكم والنظام الاقتصادى وسلطات الدولة وحقوق وواجبات المواطن.. الدستور لا يحتمل التغيير كل سنة أو كل سنتين.. أهم سمات الدستور أنه دائم لسنوات ليست قليلة.. ولذلك لابد من أن يستغرق الإعداد له وقتا كافيا.. ولابد من الاستعانة بخبراء وأساتذة القانون الدستورى ليدرسوا دساتير العالم المتقدم..ويناقشوا ما يصلح وما لا يصلح لنا منها.. ويحددوا ما يحتاج إلى تعديل وما لا يحتاج إلى تعديل.. وعلى الذين يتحدثون عن تعديل الدستور فى يوم وليلة أن يرجعوا إلى الأعمال التحضيرية للدساتير السابقة ابتداء من دستور 1923 ليعرفوا كم من العقول اجتمعت، وكم من الوقت استغرقت.
وكل رأى حول ما يمكن أن يضاف أو يحذف من الدستور الحالى سيكون مفيدا، وإلى أن تتبلور هذه الآراء، ويكون الوقت مناسبا داخليا وخارجيا، وتتوافر الضمانات بأن هذا التعديل سيكون نابعا من ضمير المصريين ومعبرا عن إرادتهم.
والمفكرون تشغلهم الحرية دائما، ويطالبون بالمزيد من الحريات.. وبضمانات أكثر لممارسة الحريات وهذا حقهم.. بل هو واجبهم.. ولا يمكن إنكار ما تحقق.. التجاهل أو الجحود شىء لا يليق بالمثقفين.. حرية الصحافة وصلت إلى درجة لم يسبق لها مثيل حتى أن البعض أصبح متخوفا من عواقب الانفلات والتجاوزات والانحراف من دائرة النقد إلى دائرة التجريح وانتهاك حرمات الناس والإهانة وتوجيه الاتهام وتلويث كرامة الشرفاء دون دليل ودون قبول لمبدأ المحاسبة.. وحتى دون التزام بميثاق الشرف.. وقانون إلغاء الحبس فى قضايا الرأى فى الطريق إلى مجلس الشعب.
والقضاء فى مصر له كل ضمانات الاستقلال والقانون له السيادة الملطقة على الجميع.
ومصر دولة مؤسسات تمارس سلطاتها كاملة، ونظام الحكم يحترم هذه المؤسسات وينزل على إرادتها.
وقضايا الفساد تجد دائما طريقها إلى العدالة والحكم فيها للقانون وللقضاء، ولا أحد يتستر على الفساد.. وإذا كان الإعلام يثير ضجة أكبر من الحجم الحقيقى للفساد، فإن كشف الفساد مطلوب على أية حال، وهو من أوليات الصحافة الحرة بشرط أن يكون الاتهام بدليل، ويكون الاتهام بدون دليل موضع محاسبة وفقا لما يجرى عليه العمل فى الدول الديمقراطية الأخرى، وحرية الصحفيين لا تعنى حرمان الآخرين من الحرية.
حرية النشر مكفولة، ولا سلطة لأية جهة لمصادرة الكتب غير النيابة العامة.
لو أردنا الإنصاف.. لو أسقطنا الضجة الفارغة التى يثيرها البعض لمجرد لفت الانتباه أو خدمة من يدفع ونظرنا لما جرى وما يجرى فى مصر.. إذا أردنا أن نقول كلمة الحق، وأن نعبّر عن الضمير الوطنى، وعن: هل نستطيع أن ننكر أننا نتقدم؟
عندنا مشاكل.. ولدينا طموحات ومطالب.. ونحن نريد ونريد.. ومبارك معنا.. قريب منا.. يستمع إلينا.. ويستجيب.. ويعمل بأقصى ما يستطيع ولا يترك باباً إلا ويطرقه.. وفى كل يوم نخطو معه خطوة إلى الإمام.. وطريق التقدم طويل.. يحتاج إلى ذوى العزيمة والبصيرة.. وما أكثرهم فى مصر.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف