نظرية فوكوياما الجديدة


فرانسيس فوكوياما أستاذ العلوم السياسية الأمريكى من أصل يابانى، صاحب النظرية الشهيرة عن نهاية التاريخ، طرح مؤخرا نظرية جديدة ملخصها أن الغرب مختلف عن بقية العالم عامة، ومختلف عن العالم الإسلامى على وجه الخصوص.
وبناء على ذلك فإنه يرى أن دول أوروبا وأمريكا لابد أن تتوحد، وهذه الوحدة حتمية، بل هى الحقيقة الوحيدة فى هذا العصر، ولكن هذه الوحدة تعترضها الآن عقبة كبرى تتمثل فى السياسة الأمريكية الجديدة الساعية إلى الهيمنة على دول العالم بما فيها الدول الأوروبية والانفراد بالقرار. والحق فى تجاهل القانون وإرادة المجتمع الدولى، ولكن-مع ذلك فإن هذه الخلافات-رغم أنها جوهرية-فإنها لن تمنع من توحد أوروبا وأمريكا مع فى مواجهة (العالم الآخر) غير الغربى!
وفرانسيس فوكوياما كان يبشر فى كتابه عن (نهاية التاريخ) بحتمية الصدام بين الغرب والإسلام بعد انتهاء الصراع بين الغرب والكتلة الشيوعية. وبانتصار الغرب فى الحرب الباردة يكون قد وصل إلى المرحلة الأخيرة من مراحل الصراع الأيديولوجى، وهى مرحلة الصراع مع الإسلام وهو الأيديولوجية الباقية فى العالم المختلفة عن الأيديولوجية الغربية، وعندما ينتصر الغرب فى هذه المرحلة تظل الغلبة والسيادة للغرب دون منازع وتصل حركة التاريخ إلى نهايتها وتسود أيديولوجية الغرب وتصبح هى الأيديولوجية الوحيدة التى تؤمن بها دول العالم.
وفى محاضرة ألقاها فوكوياما مؤخرا فى مدينة ميبلورن ناقش أفكار المعارضين لنظريته الذين يرون أن دول الغرب ليست كيانا واحدا متماسكا وبينها اختلافات. فقال إن (العالم الآخر) أى العالم الإسلامى هو الكيان المفكك، وهو كيان بعيد عن مفاهيم العصر، وليس له حضور أو تأثير فى الساحة الدولية ولذلك فإن مصيره محاط بالشكوك. وإن كان الإسلام الراديكالى يمثل تحديا أيديولوجيا للغرب فى الوقت الحالى، ويقاوم الديمقراطية والليبرالية، وتبدو هذه المقاومة تحديا للغرب يفوق التحدى الذى كانت تمثله الشيوعية إلا أن هذا التحدى لن يدوم طويلا، ولن يكون الإسلام هو البديل المقبول الذى يمكن أن يسود فى العالم فى هذا العصر، لأن الإسلام بصورته الحالية غير مقبول من غير المسلمين، بل إنه لا يحقق طموح الأغلبية من المسلمين أنفسهم. وقد خاضت بعض الدول تجربة الحكم الثيوقرطى الإسلامى. مثل أفغانستان وإيران-وأثبتت التجربة أنه لم يحقق شيئا لتحسين حياة الشعوب، وقد تكون للإسلاميين المتعصبين المسلحين القدرة على تهديد الغرب على المدى القصير، إلا أن النصر فى معركة الأفكار سيكون فى النهاية للغرب، وستكون قيم الحداثة والديمقراطية، واقتصاد السوق، والعولمة هى التى تحكم العالم على المدى البعيد.
وإذا رأى البعض أن هناك اختلافات ثقافية وتاريخية ولغوية ودينية فى داخل العالم الغربى ذاته، فإن ذلك لن يمنع توحدها لأن القيم التى تجمع بينها أقوى من عوامل الاختلاف . لكن ما يعوق هذه الوحدة هو السياسة الأمريكية التى تسعى إلى فرض سياستها ورؤيتها التى تحقق مصالحها وحدها على دول أوروبا، وبذلك نشأت هوة بين أمريكا وأوروبا قد تؤخر تحقيق هذه الوحدة وبالتالى تؤخر الوصول إلى مرحلة نهاية التاريخ!
ويقول فوكوياما إن أمريكا بعد 11 سبتمبر وجدت المساندة من كل دول العالم دون استثناء فى الحرب على الإرهاب، ولكن مع ظهور النوايا الأمريكية لاستغلال هذه الحرب لفرض الهيمنة العسكرية والسياسية بدأت تتصاعد تيارات العداء لأمريكا. وهذا التطور الجديد غير مسار الأحداث لأن نهاية التاريخ تعنى انتصار الحضارة الغربية وليس انتصار أمريكا وحدها، وإن كانت هناك قيم مشتركة تجمع بين أمريكا وأوروبا إلا أن المفاهيم الأمريكية الجديدة حول النظام العالمى الجديد جعل الإحساس يتلاشى من الجانبين-الأمريكى والأوروبى-بالقيم المشتركة. وجعل الاختلاف كبيرا حول الأحادية الأمريكية وانسحابها من المعاهدات وتحللها من الالتزامات الدولية وعدم احترامها للقانون الدولى والمنظمات الدولية ورفض أمريكا خضوع جنودها للمحاكمة على جرائم الحرب التى يرتكبونها، ومعارضتها للمحكمة الجنائية الدولية، وشن الحرب على العراق وحدها، وتبنى سياسة عدوانية تبرر الغزو بينما تريد أوروبا بناء النظام العالمى الجديد بقيادة قوى متعددة وليس بقيادة قوة وحيدة، وحل الصراعات الدولية بالحوار والمفاوضات وليس بالعمل العسكرى، وأن تعمل أمريكا مع أوروبا وتحترم إرادتها، ولا تتعالى عليها وتنفرد بالقرار.. وهذا الموقف الأمريكى الجديد جعل الغرب منقسما، ولم يعد وحدة متماسكة، ولابد من حل الخلاف بين الجانبين أولا حول الالتزام بالشرعية أو الاستهانة بها، ويبدو أن فوكوياما تراجع عن رؤيته المتفائلة السابقة، وترك النهاية مفتوحة لتجيب الأيام عن سؤال: هل الغرب كيان واحد؟ وهل الصراع مع الإسلام وانتصار الغرب عليه هو حتمية تاريخية؟
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف