أخطاء إدارة الحرب الأمريكية فى أفغانستان
خلاصة تجربة مايكل شيوار مسئول المخابرات الأمريكية عن أفغانستان أن الإدارة الأمريكية تراهن دائماً على الحصان الخاسر..
ويروى مايكل شيوار فى كتابه المثير (لماذا يخسر الغرب فى الحرب على الإرهاب) سير الأحداث فى غزو أمريكا لأفغانستان. وكيف كان الوضع فيها شديد التعقيد، ولم تكن الاستراتيجية العسكرية والسياسية الأمريكية مدركة جيدا لطبيعة أفغانستان الجغرافية والسكانية والعقائدية.
ومايكل شيوار الذى كان مسئولا فى وكالة المخابرات الأمريكية عن تنظيم القاعدة فى وحدة اسمها (وحدة أسامه بن لادن)، يقول: إن الوضع فى أفغانستان يوم أول سبتمبر 2001 كان كما يلى:
استطاعت قوات حكومة طالبان هزيمة الحلف الشمالى المكون من فلول من قوات أفغانية بقيادة أحمد شاه مسعود، وساعد تنظيم القاعدة حكومة طالبان مساعدة مهمة، وكان هذا الحلف الشمالى يسيطر على مساحة محدودة لا تزيد على 10% من مساحة البلاد، وكانت قوته العسكرية قد استنفدت، ولم يعد قادرا على مواصلة القتال أمام طالبان. وكان هذا الحلف المنهك يعتمد على شخصية أحمد شاه مسعود كقائد عسكرى له جاذبية فى الإعلام، ويحصل على أسلحة وأموال من روسيا وإيران والهند وأوزبكستان. وكان هو أول من حاول عزل تأثير طالبان، وكانت الهند أيضا تسعى إلى مساندته لأنه يعادى باكستان، وظهرت فرنسا أيضا فى الصورة حيث قدمت له مساندة إعلامية وبعض المساعدات العسكرية والمالية السرية، ولم يكن لفرنسا مصالح استراتيجية فى أفغانستان.
وبعد أن استقر نظام طالبان فى الحكم بدأ الأفغان يشهدون نهاية عهد الجنرالات وقُطّاع الطرق، وعاد الأمان تدريجيا، ولذلك كان نظام حكم المُلا عمر مقبولا من الأفغان، رغم قسوته، ويبدو أن معظم الأفغان اعتبروا هذه القسوة هى الثمن لتطبيق طالبان للإسلام المتزمت. وقد قُتل أحمد شاه مسعود يوم 9 سبتمبر 2001 أثناء مقابلته لاثنين من مقاتلى تنظيم القاعدة، ويبــدو أن الـذى رتّب هذا اللقاء هو الجنرال عبد الرسول سياف الذى كان شريكا لمسعود فى الحلف، وهو رئيس الاتحاد الإسلامى لتحرير أفغانستان، وصديق قديم لأسامه بن لادن.
كان هدف أسامه بن لادن من التخلص من أحمد شاه مسعود أن يصبح الحلف العسكرى الذى كان يقوده بلا فائدة للولايات المتحدة وهو القوة التى كانت الولايات المتحدة تعتمد عليها فى تنفيذ سياستها، وبموت أحمد شاه مسعود دبت الفوضى فى الحلف الشمالى الذى كان معتمدا على قائده اللامع. ولم يكن فى الحلف من يستطيع أن يملأ الفراغ بعده.
وبعد 48 ساعة من مقتل أحمد شاه مسعود هاجمت القاعدة نيويورك وواشنطن، ووجدت أمريكا نفسها محتاجة إلى هذا الحلف الشمالى، فاستخدمت قواته للمساعدة فى تغطية هجوم القوات الجوية الأمريكية على أفغانستان، ولكن الأمريكيين اكتشفوا أنهم أخطأوا حين وضعوا خطتهم على أساس أن القضاء على طالبان والقاعدة سيكون سهلا، ولذلك لجأوا إلى الاستعانة بقوات إضافية من المشاه أكبر بكثير مما كان القادة يظنون. ولم تكن المسألة حربا وتنتهى، ولكن كانت أمريكا ترتب نفسها لاحتلال أفغانستان احتلالا دائما ولمدة غير محددة.
***
ولكن الخطأ الذى ارتكبته القيادة العسكرية الأمريكية فى حربها ضد طالبان والقاعدة هو ما عبّر عنه المحلل الأمريكى رالف بيترز بقوله: (إن أعداءنا يلعبون الشطرنج بسياسة النفس الطويل، ونحن نلعب دون تفكير فيما سيكون علينا أن نفعله بعد الحركة القادمة). فقد اعتمدت أمريكا على الحلف الشمالى دون أن تدرك أنه أصبح بلا فاعلية وخاصة بعد أن فقد قائده، ولم تدرك أن هذا الحلف لا يصلح ليكون السند لنظام جديد موال لأمريكا يحكم أفغانستان بعد القضاء على نظام طالبان. وكل ما كانت المخابرات الأمريكية تعلمه عن هذا الحلف الشمالى أن قائده، أحمد شاه مسعود- قام بتكوينه من عناصر من قبائل الطاجيك- وهم أقلية- لمحاربة المجاهدين من قبائل الباشتون- وهم الأغلبية- وكانت لشخصية مسعود جاذبية جعلته يجمع حوله جماعات من الأقليات العرقية الأخرى مثل الأوزبك والتركمان والباشتون الشماليين تحت مظلة الحلف، ثم انضمت إليه القوات الأوزبكية بقيادة الجنرال عبد الرشيد دوستم، كما انضمت إليه أكبر جماعة للشيعة فى البلاد، وبعض أعضاء نظام الحكم الشيوعى السابق، وكان الحلف قويا حتى سبتمبر 1996 حين استولت طالبان على الحكم، ثم انسحبت قوات الحلف إلى الشمال لتستقر فى أرض يسيطر عليها الطاجيك قريبا من حدود أوزبكستان وطاجيكستان، وكان مسعود بسبب تألقه العسكرى وشهرته الدولية هو الضمان لاستمرار المساعدات التى يتلقاها الحلف من إيران وروسيا والهند.
هذه المعلومات كانت لدى الأمريكان، ولكن لم يضعها الذين خططوا للحرب على أفغانستان فى حساباتهم، وكان ذلك سببا فى فشل الهجوم الأمريكى مساء 11 سبتمبر واليوم التالى واليوم الذى بعده. ونتيجة لذلك الفشل استطاعت قوات طالبان أن تنفذ بنجاح خطة انتشار. وتحالفت الولايات المتحدة مع عدد من القيادات التى تحظى بالكراهية من الشعب الأفغانى مثل عبد الرشيد دوستم الذى اشتهر عنه تعذيب من يقعون فى قبضته، وكان يأمر بتكبيل الأسرى بالقيود وتسير عليهم الدبابات، ويأمر بإلقاء البنزين على النساء والأطفال والرجال من قبائل الباشتون، وإشعال النار فيهم، وهكذا أخطأت الولايات المتحدة مرة أخرى فى اختيار من تعتمد عليهم فى حربها فى هذه البلاد الشديدة التعقيد.
واستولت القوات الأمريكية على العاصمة كابول بالقوات الجوية والقوات الخاصة. وكان رد الفعل الساذج فى الولايات المتحدة، كما يصفه بوب ودوارد فى كتابه (بوش فى حرب): (سريعا ما امتلأت شاشات التليفزيون بصور عن التحرر الذى أصبحت تتمتع به النساء فى شوارع كابول والقيام بكل ما كانت طالبان تحرمهن منه، وامتلأت العاصمة بعملاء استخبارات. وكررت أمريكا نفس الخطأ الذى ارتكبته بين عامى 1989 و1992 عندما حاولت فرض حكومة من غير العناصر الإسلامية من الأفغان العلمانيين المتأثرين بالتعليم والتفكير الغربى، والذين كانوا يعيشون فى أوروبا أو الهند أو الولايات المتحدة، وبعضهم كانوا من التكنوقراط الذين عملوا لصالح السوفييت أثناء احتلالهم لأفغانستان، أو لحكومة نجيب الله الشيوعية التى نصبها السوفييت. وكان الأمريكان يفضّلون هؤلاء الأفغان الذين يتحدثون الإنجليزية والفرنسية ويلبسون الملابس الغربية ويرون أن الرجال الأفغان بذقونهم الطويلة وملابسهم التى تشبه البيجامة مدعاة للسخرية، رغم أن هؤلاء الرجال هم الذين قاتلوا وهزموا السوفييت واستمروا فى القتال عشر سنوات دون كلل.. كرر الأمريكيون الخطأ، وقرروا تنصيب حكومة مؤقتة لا تتمتع بثقة الشعب الأفغانى، وأكد الأمريكيون أنهم بارعون فى اختيار الخاسرين سواء باعتمادهم على الحلف الشمالى، أو باختيارهم حكومة ليس لها قبول شعبى.
***
وكان الرجل الذى اختاره الأمريكان رئيسا هو حامد قرضاى، وهو بلا خلفية أو تاريخ فى بلاده.. إذ لم يشترك فى الحرب ضد السوفييت، ولا فى مقاومة طالبان، وليست له خلفية إسلامية تجعله قريبا من طبيعة شعب أفغانستان، ولا يعتمد إلا على مساندة قبلية ضعيفة، وهو ذو تعليم هندى، متأقلم مع الصفوة الأمريكية والبريطانية، وتم اختياره كرئيس مؤقت فى مؤتمر عقد فى ألمانيا، وهكذا اعتمد الأمريكيون على ساكنى الأجنحة فى الفنادق الأوروبية والأمريكية. كما اعتمد الأمريكان على بعض الجنرالات الأفغان الذين تخصصوا فى قطع الطرق والتجارة فى الهيروين، ويرتجفون من قوات طالبان والقاعدة!
هذه هى الحكومة التى نصبها الغرب فى كابول فى بداية عام 2002. حكومة تفتقد مقومات البقاء بدون مساندة قوات أجنبية غير إسلامية. أما الجنرالات الأفغان الذين اعتمدت عليهم أمريكا لمساندة هذه الحكومة، فكانوا مجرد خيالات عسكرية!
ويعلّق مايكل شيوار على ذلك بقوله: إن مسئولية التخطيط السياسى والعسكرى الأمريكى فى أفغانستان أعطيت عن عمد لمن قضوا حياتهم المهنية فى العمل فى الشئون الروسية والأفريقية، وليست لهم دراية كافية بالشرق الأوسط أو جنوب آسيا أو الإسلام. أما أصحاب الخبرة بهذه المناطق فقد أهملتهم الإدارة الأمريكية. وهذا شىء لا يمكن تصديقه بسهولة. ولذلك كانت العواقب وخيمة!
***
فى النصف الثانى من سنة 2003 وبداية سنة 2004 تزايدت هجمات قوات طالبان والقاعدة على القوات الأمريكية، بينما كانت البيانات الأمريكية تؤكد كذبا هزيمة طالبان والقاعدة، بل لقد أعلن الرئيس بوش أن معظم عناصر القاعدة أصبحوا قتلى أو أسرى، ولم يذكر أن فلول التنظيم تجمعت وأعيد تسليحها وتنظيمها من جديد وبدأت القيام بهجمات مؤثرة، وأعلنوا أنهم مستعدون لحرب عصابات طويلة لطرد القوات الأمريكية من أفغانستان، كما طردوا القوات السوفيتية من قبل. وأخيراً اعترف الجنرال جون أبى زيد المسئول عن القيادة المركزية الأمريكية بأن عمليات القتال اليومية ضد القوات الأمريكية كثيرة وصعبة مثل العمليات الدائرة فى العراق، لكنه لم يعلن اعترافه هذا إلا فى منتصف نوفمبر 2003، وكانت القوات التى تعارض نظام حكم قرضاى المدعوم بالقوات الأمريكية أكبر من قوات طالبان والقاعدة لانضمام عناصر أخرى غيرهما إلى مقاومة الغزو، ولم تضع الإدارة الأمريكية فى اعتبارها التركيبة القبلية والعرقية والسياسية، وأقامت خطتها على أن المعارضة الوحيدة هى طالبان والقاعدة فقط، وهذا خطأ دفع ثمنه الجنود الأمريكيون الذين تزايدت أعداد قتلاهم.
كذلك لم تحسب الإدارة الأمريكية حساب الأعداد الكبيرة من الشباب من غير الأفغان الذين تطوعوا للقتال ضد الاحتلال السوفيتى، والولايات المتحدة هى التى زوّدت هؤلاء المجاهدين بأسلحة حديثة لقتال السوفييت، وكانت هناك فصائل متعددة من المجاهدين تحارب السوفييت، ولكل منها قائد يتلقى التمويل من بعض الدول الإسلامية كما يتلقى الدعم المباشر من المخابرات الأمريكية.. كانت هناك الجماعة التى يقودها أحمد شاه مسعود، كما كانت هناك جماعات يقودها كل من: جلال الدين حقانى، ويونس خالص، وعبد الرسول سياف، وإسماعيل خان، وقلب الدين حكمتيار، وكانت المنافسات بين هذه الفصائل تصل إلى حد الصدام المسلح فيما بينها. وكان لكل زعيم مصدر يؤيده ويموله ويمده بالسلاح، ولم يكن هؤلاء جميعا مستعدين لقبول فكرة التوحد فى تنظيم واحد للمقاومة، وفى أحيان كثيرة كانت بعض هذه الفصائل تترك قتال السوفييت لكى تقاتل بعضها بعضا، وكانت عمليات القتل والاغتيال المتبادل بين قوات أحمد شاه مسعود وقوات حكمتيار قد وصلت إلى درجة مذهلة.
***
ويخلص مايكل شيوار من ذلك إلى أن قوة وصمود المجاهدين فى حربهم للسوفييت لم تكن بسبب المشاعر الوطنية، أو بسبب حبهم لبعضهم البعض، ولكن لأنه كانت هناك عقيدة واحدة هى التى كانت تجمعهم، بالإضافة إلى كراهيتهم للشيوعية لأنها إلحاد جاء يحكم بلاد المسلمين، ويضاف إلى ذلك مشاعر الكرامة والكبرياء وكراهية الأجانب، وهذه من السمات القبلية المتأصلة المميـزة للشخصيــة الأفغانيـة، وهذا ما يجعل من المستحيل أن يخضع الأفغان لطاعة أحد من غير الأفغان، أو قبول وجود أجانب على أرضهم. ومن ناحية أخرى تفجرت الخلافات العرقية والقبلية وصراعات الفصائل المختلفة بعد انسحاب الاحتلال السوفييتى، فدخلت أفغانستان فى حرب أهلية استمرت عشر سنوات إلى أن ظهر تنظيم طالبان ووصل إلى الحكم فى منتصف 2001. وفى نفس الوقت اعتبر قادة الفصائل من الأبطال العسكريين فى التاريخ الأفغانى، وأصبحوا مثل جنرالات الحرب الأهلية الأمريكية من أمثال: جوزيف جونسون، وجيمس لونجستريت، وادوارد بورتر الكسندر الذين كان الأمريكيون فى الشمال يكرهونهم ويعتبرونهم خونة، ومع ذلك أصبحوا بعد ذلك (أبطال أمريكا) فى نظر المواطنين- رغم أنهم قتلوا أبناءهم- وفى نظر الحكومة التى حاربوا من أجل تدميرها. وهكذا كان الحال فى أفغانستان فإن الجيل القديم من القادة العسكريين الأفغان هم فى نظر ملايين الأفغان أبطال.
كل هذه المعلومات كانت مسجلة ومعروفة فى المخابرات الأمريكية، ولم تكن مصنّفة على أنها سرية. وكانت معها تقارير استخبارات وتقارير دبلوماسيين وصور أقمار صناعية، وكثير من هذه المعلومات كان متاحا فى مكتبات الجامعات، بل فى المكتبات العامة، ومع ذلك لا يوجد دليل على أن المسئولين الأمريكيين عن الحرب قد قاموا بأى جهد لمعرفة هذه المعلومات أو للاتصال بهؤلاء الزعماء وقادتهم الميدانيين لضمان مساعدتهم ضد طالبان. لقد تجاهل الأمريكيون هؤلاء الزعماء. متأثرين فى ذلك بتقارير مسئولين سابقين عن الإرهاب فى مجلس الأمن القومى تقول: إن الزعماء والقادة الأفغان إسلاميون راديكاليون، وأكبر هؤلاء الزعماء هما عبد الرسول سياف وقلب الدين حكمتيار، وأنهما أكبر رموز الفساد ولم يعد لهما تأثير. واتبع القادة الأمريكيون فى أفغانستان ما فعلوه بعد ذلك فى العراق بمناصبة القادة الإسلاميين العداء. وكان ذلك خطأ، لأن هؤلاء القادة المحنّكين فى حرب العصابات هم القوة المؤثرة فى المعادلة السياسية والعسكرية الأفغانية، وأغلبهم من قبائل الباشتون التى تمثل الأغلبية، ومع تجاهل الأمريكيين لهم تغلبت الروابط التى تربطهم بتنظيم طالبان، وهى روابط عرقية، ولغوية، وعقائدية، وهكذا أصبح هؤلاء الزعماء السياسيون والعسكريون معادين للغرب،وهم على درجة عالية من الكفاءة القتالية واكتسبوا الخبرة من قتالهم الطويل للسوفييت، وقد اعتادوا على تحدى وهزيمة دول عظمى، ولا يطمئنون للأجانب، ولهم سيطرة كاملة على أعداد لا يستهان بها من المسلحين، وكان على الولايات المتحدة أن تهتم بما قاله زعيم آخر هو يونس خالص زعيم الحزب الإسلامى لوكالة برس نيوز الإسلامية يوم 21 سبتمبر 2001- والذى أعلن فيه: (لن نسمح لأحد بغزو أفغانستان، إن كل من يهاجمنا بأية ذريعة سوف يقاومه الأفغان- بعون الله- لأنه معتدٍ، والله لا يحب المعتدين، وسيلقى المعتدون على أيدى الأفغان مالقيه المعتدون قبلهم).. وفى يوم 2 أكتوبر 2001 أعلن حكمتيار: (إننا سندافع عن بلادنا، ولقد كانت طالبان تحاربنا، ولكننا اليوم سوف ننسى كل خلافاتنا معهم ونحارب إلى جانبهم ضد عدونا المشترك) وهكذا لم يكن طالبان وحدهم ضد جيش الاحتلال الأجنبى، فقد توحدت الفصائل المتنازعة وأعلنت تأجيل خلافاتها إلى ما بعد الانتصار!
***
ولم يكن خافيا على البيت الأبيض والبنتاجون أن قادة الفصائل المجاهدين الذين حاربو السوفييت كانوا على صلة قوية بمجاهد آخر معروف وهو أسامة بن لادن الذى كان أيضا على صلة سابقة بالمخابرات الأمريكية عندما كان يشارك فى الجهاد ضد الاحتلال السوفيتى، وكانت المعلومات الدقيقة موجودة لمن يريد الاطلاع عليها،ومنها مثلا أن عبد الرسول سياف سمح لأسامة بن لادن بإقامة أول معسكر للتدريب فى منطقة يسيطر عليها سياف وقواته، وأن حكمتيار هو الذى أصدر جواز السفر الذى يسمح لأسامة بن لادن بالعودة إلى أفغانستان بعد إقامته فى السودان، وكان ذلك فى مايو 1996، وأن أسامة بن لادن كان يساند تنظيم طالبان بقوة وكان فى نفس الوقت متحالفا مع الحلف الشمالى الذى يقوده أحمد شاه مسعود، وهذا ما جعل الملا عمر يرفض تسليم أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة، أو إلى أية دولة أخرى عندما طلب منه ذلك، وكذلك كان يونس خالص قد تعاون مع أسامة بن لادن أثناء الحرب ضد السوفييت واختار أحد قادته البارزين لإعداد مقر إقامة أسامة بن لادن عند وصوله من الخرطوم، وبعد ذلك سمح يونس خالص لأسامة بن لادن باستخدام قاعدتين من القواعد العسكرية التابعة لمنظمته، إحداهما فى تورا بورا، وكذلك فعل زعيم: جلال الدين حقانى، فقد ساعد أسامة بن لادن على الإقامة، وسمح لتنظيم القاعدة باستخدام معسكراته للتدريب بالقرب من (خوست) واستجاب لأسامة بن لادن حين طلب مساعدة من مقاتلى تنظيم حقانى فى هجوم طالبان على كابول فى سبتمبر 1996، وكذلك كان أسامة بن لادن قد ساعد تنظيم الحلف الشمالى، كما أعلن قائده أحمد شاه مسعود للإعلام الروسى فى عام 2000، حين قال: إن أسامة بن لادن لعب دورا كبيرا فى خدمة الإسلام، وتولى إمداد المنظمات الأفغانية الإسلامية بالأموال لمساعدتها على قتال السوفييت.
هكذا كانت المعلومات متوافرة فى واشنطن عن طبيعة العلاقات والتحالفات والقوى الحاكمة فى أفغانستان، وعلاقة أسامة بن لادن بجميع الفصائل والمنظمات الأفغانية، وبالتالى لم يكن غريبا أن يظهر زعماء هذه الفصائل فى وسائل الإعلام العالمية، وهم يوجهون اللعنات للاحتلال الأمريكى لبلادهم، ويتوعدون الأمريكيين بتعليمهم درسا على أيدى المجاهدين، كما علموه من قبل للاحتلال البريطانى والاحتلال السوفيتى، ولم يكن غريبا أن تكون التنظيمات التى شاركت تنظيم أسامة بن لادن فى الهجوم على القوات الأمريكية وقوات الحكومة التى نصبتها أمريكا بقيادة زعماء فصائل المجاهدين: يونس خالص، وجلال الدين حقانى، وقلب الدين حكمتيار، كان حكمتيار هو الأعلى صوتا والأكثر نشاطا فى العمليات العسكرية، بينما ظل عبد الرسول سياف وتنظيمه صامتين فى معاقلهم فى الجبال حتى إذا حانت الفرصة انضم سياف والمقاتلون التابعون له إلى قوات المُلا عمر فى مهاجمة قوات حكومة قراضاى..
***
وبالإضافة إلى كل ذلك كان أمام كل مسئول فى البيت الأبيض والبنتاجون موقف المجاهدين الأفغان، كما جاء فى النداء الذى وجهوه إلى الشعب الأفغانى وإلى قواتهم للجهاد ضد القوات الأجنبية، وهو النداء الذى أعلنه يونس خالص فى أكتوبر 2003 وقال فيه: (إن هذا الغزو لأفغانستان بقيادة أمريكا غير مبرر، وغير قائم على مبدأ، ولا يختلف عن العدوان السوفيتى على وطننا، وإذا لم ينسحبوا من أفغانستان فسوف تكون قواتهم هى المسئولة عما سيحدث لها).
وفشلت كذلك فى تصفية وتفكيك تنظيماتهم التى تضم مقاتلين تميزوا بالشراسة، والصبر.. ولم يكن خافيا من قبل الغزو، أن أمريكا ستواجه نفس القوى التى وقفت ضد مخططها فى الفترة من 1992 حتى 1996، والتى كانت تسميها خطة إعادة السلام فى أفغانستان..
وباختصار، لم تكن الظروف فى أفغانستان مواتية، وكان الوقت غير مناسب بالنسبة للغرب للقيام بهذه الحرب دون إعداد يناسب الطبيعة الخاصة لهذا البلد، وهذا ما جعل زعماء الفصائل يؤيدون طالبان والقاعدة.. ولم ينضموا إلى القوات الأمريكية، كما توقع المخططون للحرب فى واشنطن، وهذا ما جعل موقف الحكومة التى نصبتها أمريكا بزعامة قرضاى ضعيفا، وسيبقى موقفها ضعيفا، ولن تتمكن من السيطرة على جميع أنحاء البلاد، وستظل مهددة ومحصورة فى العاصمة كابول، ولن يكون مستغربا أن ينقلب المؤيدون لهذه الحكومة من بقايا قوات أحمد شاه مسعود، ويتحولوا إلى العمل ضدها، وسوف تجد أمريكا نفسها مضطرة إلى السعى إلى تسوية ومصالحة، مع طالبان لحماية قواتها وحماية الحكومة التابعة لها، ويصعب التنبؤ بما سيكون عليه الحال، لأن القوات التابعة لمنظمات المجاهدين ليس لها ولاء، إلا لزعمائها، وهم يقاتلون كل من يقرر هؤلاء الزعماء قتالهم، وهم يرون أن مهمتهم أن يقاتلوا أعداء الإسلام، وقد أثارهم إعلان وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد حين قال: إن هدف أمريكا ضمان حق تقرير المصير للشعب الأفغانى لإقامة أية حكومة وفقا لإرادتهم بشرط ألا تكون حكومة إسلامية!
ويعتمد الأمريكيون على بقايا قوات تحالف الشمال، ولكن هذه القوات يمكن أن تنقلب على الأمريكيين وتنضم إلى طالبان، وتاريخ أفغانستان ملىء بوقائع تعرض فيها للعقاب بدون رحمة على أيدى المجاهدين كل من تعاون مع الأجانب، وقوات أحمد شاه مسعود لم تكن موالية للغرب حتى أثناء قتالها ضد السوفييت، رغم أنهم كانوا يتلقون مساعدات من الغرب، لكنهم كانوا يقاتلون دفاعا عن أرض الإسلام وكراهية للأجانب، وهذا هو حال بقية الفصائل الأفغانية، ومعنى ذلك أن أمريكا تراهن دائما على الحصان الخاسر فى أفغانستان.
وتفاصيل أخرى عن الحرب الأمريكية فى أفغانستان تخفيها الإدارة الأمريكية يكشفها بمنتهى الدقة مايكل شيوار فى هذا الكتاب الذى اعتبروه فى أمريكا مفاجأة مذهلة، ولا أحد يعرف الثمن الذى سيدفعه الرجل لجرأته على كشف المستور!
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف