المأساة فى أفغانستان أيضا!
المآسى الدامية فى العراق وفلسطين جعلت العالم لا يرى ولا يعلم الكثير مما يجرى فى أفغانستان رغم أن المأساة هناك لا تقل عن مأساة العراق وفلسطين.
نشر فى نيويورك تايمز مقال بعنوان (توقف إعادة البناء فى أفغانستان) كتبه مراسل الصحيفة فى كابول وقال فيه إن أفغانستان حتى الآن ما زالت دولة مفككة وحكومة مسلوبة القدرة على فرض السيادة على البلاد، والولايات المتحدة لم تنفذ وعودها بإعادة الإعمار وفتح آفاق للعمل والتطور والحياة الأفضل لشعب هذا البلد الفقير الذى عانى الحرمان عقودا طويلة، وحتى اليوم ما زال هذا الشعب يعانى الفقر والحرمان من الخدمات الأساسية، والحكومة أخفقت فى إدارة المرافق، وفى توفير الأمن، وليست هناك مشروعات حقيقية تبشر بإصلاح الأحوال فى المستقبل القريب أو البعيد.
وقوات المارينز الأمريكية تطلق النار بمجرد الشبهة حتى أنها قتلت عددا من الجنود التابعين للحكومة، وما زالت الهجمات مستمرة على الأجانب والأفغان الذين يتعاونون معهم، والوزراء والمسئولون يتبادلون الاتهامات ويلوم بعضهم بعضا ويزداد الحديث عن الفساد وغياب نظام للمحاسبة وعدم وصول الإعانات إلى المواطنين، ويسرى بين الأفغان القول بأن المستشارين والمقاولين الأجانب يحققون وحدهم ثروات هائلة ولا يستفيد المواطنون شيئاً، وقال مسئول أفغانى كبير لكاتب المقال: (الآن يسود الخوف والإحباط داخل الحكومة وخارجها، ويصيب الجميع القلق من نوايا السياسة الأمريكية)، وحتى الآن لا توجد استراتيجية لتطوير البلاد أو تحريك الاقتصاد أو جذب الاستثمارات، وقال مسئول آخر لكاتب المقال: (لقد انتهى الأمر بنا بقدوم مجموعات من المقاتلين والمحاضرين.. ولا نسمع سوى الوعود وطلقات المدافع).
وتشتد الانتقادات لمجموعة القيادة التى تتولى السلطة فى مختلف المواقع وهم ممن تعلموا فى الغرب وانفصلوا عن ثقافة وفهم الشعب الأفغانى والتفاهم معه.
والنظام المصرفى فى أفغانستان ما زال ضعيفا ومتخلفا حتى أن كثيرين يتعاملون مع بنوك فى باكستان، والحديث عن تشجيع التصدير لا يعبّر عن الحقيقة لأن الإجراءات والبيروقراطية ما زالت تقف حائلا بالإضافة إلى قلة ما يمكن تصديره، وصعوبات النقل بسبب عدم وجود وسائل نقل كافية وأيضا بسبب غياب الأمن.
مقال آخر كتبه ممثل الجمعية الدولية لمواجهة الأزمات قال فيه إن الولايات المتحدة نجحت فى أكتوبر 2001 فى غزو أفغانستان، ولكنها لم تنفذ وعودها بإقامة دولة تنتهى فيها الصراعات العرقية والقبلية فما زالت أفغانستان على حالها وصراعات القبائل والأحزاب قائمة حتى الآن، ومقاتلو طالبان يتسللون إلى العاصمة للقيام بعمليات قتل وتدمير رغم وجود قوة دولية فى كابول، ولا يستطيع معظم أعضاء الحكومة الخروج من العاصمة، وما زال الناس يعبّرون عن استيائهم من طريقة إعداد الدستور الذى أجريت الانتخابات على أساسه، فقد وضعت الدستور لجنة معينة ولم يؤخذ رأى الشعب، ولذلك فإن الشعب الأفغانى خارج العاصمة منفصل عن الحكومة، ولا يثق فى جدية ونزاهة الانتخابات التى تمت، ولم يعد لدى الغالبية أمل فى أن تحقق الوعود بإقامة مؤسسات للدولة لخدمة الشعب، وليس لخدمة القوات الأجنبية وأفراد الحكومة، وأما ما يظهر فى الإعلام من تحرير المرأة وانتشار التعليم فليس سوى دعاية لأن ذلك لا يحدث إلا فى العاصمة فقط، وما زالت الصراعات قائمة بين الفصائل العرقية المسلحة، ولم يعد الشعب الأفغانى يصدق ما يقال له عن مشروعات أمريكية للمساعدة فى بناء ما دمرته الحرب من القرى والمدن، وبناء اقتصاد حقيقى، ونظام للتعليم الحديث، وممارسة الديمقراطية من خلال مؤسسات.
باختصار إن الصورة فى أفغانستان كما تعكسها تقارير المراقبين الأمريكيين تدل على أن التغيير الذى حدث خلال العامين الماضيين منذ الغزو الأمريكى هو سيطرة القوات الأمريكية على العاصمة، وإزاحة نظام طالبان، وإقامة حكومة موالية لأمريكا، أما أحوال الشعب الأفغانى فما زالت كما هى، وزادت عليها المعاناة بسبب الدمار الذى سبّبته الحرب.
عامان ولم تنفذ الولايات المتحدة وعودها فى أفغانستان، وتحولت إلى العراق لتكرر نفس السيناريو، وهذا هو الأمر الطبيعى، فمن يصدق أن الاحتلال يمكن أن يصدق شيئا من وعوده ببناء وطن لشعب آخر.. الاحتلال فى كل العصور إنما يعمل لتحقيق أهدافه ومصالحه أولا وأخيرا، وهذا ما حدث فى كل البلاد التى خضعت للاحتلال فى كل زمان ومكان.