هل العرب مستعدون لتغيير أحوالهم
لم يتبق سوى ثلاثة شهور تقريبا على موعد انعقاد القمة العربية، فهل نتوقع نفس السيناريو الممل الذى يتكرر كل مرة: أن تتردد تكهنات عن احتمال عدم انعقادها، أو عن انسحاب دولة إلى أن تجد من يرجوها بالحضور أو يتخلف بعض زعمائنا العرب عن الحضور، لأنهم لا يطيقون الجلوس مع زعماء آخرين؟. وإذا اجتمعت القمة فهل تصدر قرارات هى ذاتها قرارات الدورة السابقة.. وقرارات الدورة السابقة لم ينفذ منها شىء وليس هناك ما يشير إلى أنها سوف تنفذ؟.
هل الدول العربية مستعدة لتغيير أحوالها؟.. لا أقصد التغيير الذى تريده أمريكا، ولكن أقصد التغيير الذى تريده الشعوب العربية، فالعرب الآن انفرط عقدهم تقريبا، ولم يتبق من بقايا حلم الوحدة العربية سوى لقاءات للتصوير فقط.
وزاد الطين بلة ظهور دعوات تعلن دون خجل أن على كل دولة أن تغلق بابها،وتحصر جهدها فى تحسين أحوالها، وتعمل بشعار: نفسى.. نفسى.. أنا وبعدى الطوفان. وهذه الدعوات إلى الانغلاق والانكفاء على الذات، وقطع الجسور بين الدول العربية هى أخطر من القنابل والصواريخ وطائرات الأباتشى التى تدمر كيانات عربية وتهدد كيانات أخرى، ولا أحد يعرف ما فى قائمة العدوان على العرب والمسلمين تحت شعار الحرب المستمرة على الإرهاب!.
والدول العربية بالفعل تمر بظروف صعبة، والضغوط عليها جميعا دون استثناء، والمفروض أن تفيق وتتجمع لتبحث بجدية كيف تخرج من المأزق الاستراتيجى الحالى،وسوف تجد أن النجاة رهن بقدرتها على تجاوز ما بينها من حساسيات وخلافات، وأن تجلس معا برغبة حقيقية فى التعاون وإعادة التفكير فى أسباب حالة الضعف والتمزق التى وصلوا إليها، والاتفاق على استراتيجية للتحديث والتكامل. وإن لم يفعلوا ذلك فسوف يأتى يوم قريب لن يفيد فيه الندم!
الدول العربية حولها ضغوط من كل ناحية، ضغوط خارجية من قوى تريد أن تحكم قبضتها على كل الدول الصغيرة فى العالم، وتجهض آمالها فى امتلاك مقومات القوة والاستقلال، وضغوط داخلية هى صدى وظل للضغوط الخارجية، أو هى أداة من أدوات الضغوط الخارجية، أو هى من تيارات انتهازية تحاول استغلال الضغوط الخارجية وتقدم نفسها على أنها الاحتياطى المساعد له لتحقيق أهدافه فى المنطقة. القوى الخارجية -ومعاونوها فى الداخل- تهدف إلى زعزعة الاستقرار، وهز ثقة الشعوب العربية فى نفسها وفى قدراتها وإنجازاتها وقياداتها، والجميع يتحدثون كأنهم هم المصلحون الغيورون على مصالح الشعوب، والمطالبون بالحريات والديمقراطية وبقية الشعارات البراقة التى تخفى النوايا الحقيقية، وهذه الشعارات هى ذات الشعارات التى رفعتها ومازالت ترفعها جيوش الغزو فى العراق وأفغانستان.. ودمرت بهذه الشعارات مقومات التقدم والمستقبل.. والفضائيات المنتشرة تساهم وتساعد على إثارة الخلافات العربية والداخلية.
الدول العربية كلها ودون استثناء الآن فى لحظة حاسمة والقوى التى تثير القلاقل وتنشر الإرهاب بكل صوره وتدعى أنها تعمل من أجل الديمقراطية، إنما هى فى الحقيقة قوى غير ديمقراطية،وهى تشوه الديمقراطية وتسىء إليها ويجب ألا ينسى العرب ما فعله بهم الوجود الاستعمارى بالأمس، وما يفعله الاستعمار الجديد اليوم وما يسببه الوجود الإسرائيلى بممارساته العدوانية وأطماعه من تدمير وإعاقة لمشروع النهضة العربية.
لقد اتفق العرب منذ عشر سنوات على إعادة هيكلة الجامعة العربية، وتغيير مفهوم العمل العربى المشترك، وإنشاء هيئة أمن قومى عربية وبنك استثمار لتمويل وإنشاء مشروعات التنمية فى أنحاء العالم العربى، واتفقوا على تعديل نظام التصويت فى اجتماعات القمة والمجالس الوزارية، واتفقوا على إنشاء مجلس للحكماء والمثقفين ليكون جهاز التفكير لمشروعات التطوير، واتفقوا على تنفيذ التكامل الاقتصادى واتفقوا على إقامة الاتحاد الجمركى، والسوق المشتركة والمنطقة الحرة المشتركة، واتفقوا على إعداد الصيغة النهائية لتعديل ميثاق الجامعة العربية لإقراره فى القمة القادمة بعد ثلاثة شهور فى الجزائر.
ماذا تحقق من كل ذلك؟… لا شىء ؟. كلام.. وجد على ورق.. وتصريحات.. ومؤتمرات صحفية.. وتفاؤل كاذب!
ما تحقق هو العكس، دعوات لا نعرف مصدرها تنادى بأن تكتفى كل دولة عربية بإصلاح أحوالها وبناء قدراتها وتقوية علاقاتها بالقوى الكبرى فقط دون أن تشغل نفسها بتحمل أعباء وهموم الآخرين، وكأن هناك دولة عربية- مهما بلغت قدراتها- تستطيع أن تقف وحدها أمام الإعصار القادم!
ومن المخجل أن العرب أنشأوا مجلس الوحدة الاقتصادية العربية فى الستينات، واليوم وبعد أكثر من أربعين عاما لم تتحقق الوحدة الاقتصادية العربية.. وسبق أن أعلنوا مرارا عن حرية تنقل المواطن العربى فى وطنه، وحرية إقامته، وحرية انتقال رؤوس الأموال، وإلغاء تأشيرة الدخول وإلغاء نظام الكفيل للمواطنين العرب.. بل أعلنوا عن إعداد جوازات سفر عربية موحدة.. وكالعادة تبدد الكلام فى الهواء..
وكان مجلس الوحدة الاقتصادية العربية هو الجهاز الذى أنشأته الدول العربية لتحقيق التكامل الاقتصادى، وسبقت به دول أوروبا التى أنشأت السوق الأوروبية المشتركة بعد ذلك بسبع سنوات، وظل هذا المجلس يعقد دوراته فى العواصم العربية، وأخيرا لاح أمل فى التنفيذ فى أبريل 1965 حين اجتمعت الوفود العربية لبحث الإجراءات لبدء تنفيذ السوق العربية المشتركة، وتشكلت لجنة لإعداد برنامج لتنسيق التجارة وتبادل المنتجات بين الدول العربية ولجنة ثانية لتنسيق السياسة الاقتصادية والمالية فى الدول العربية. وفى 8 أبريل 1965 أقر المجلس اقتراحات اللجان، وهللت الصحف والإذاعات العربية وأعلنت عن بدء تحرير استيراد السلع والمواد بين الدول العربية، وأعلن عن الخطوة التالية وهى إنهاء خلافات الحدود بين الدول العربية، وقيل إن حرية التنقل والإقامة والعمل ستؤدى تلقائيا إلى إلغاء الحدود، ونشط مؤلفو الأغانى الوطنية كالعادة يبشرون بظهور قوة عالمية جديدة هى الوطن العربى الموحد، وهللوا..وقالوا: إن ذلك سوف ينهى حالة التخلف والضعف، وسيرتفع الوطن العربى إلى المكان اللائق به فى المجتمع الدولى وسوف يباهى العرب جميع الأمم بوحدتهم وقوتهم!
ماذا حدث بعد الكلام والتصريحات والأغانى؟.. لا شىء.. تعثرت مسيرة المجلس وامتنعت بعض الدول العربية عن تسديد حصتها فى الموازنة، مع أن ذلك لن يرهق ميزانية أية دولة مهما كانت حالتها المالية..
ما سبب هذا التفكك؟.
هل هو قصر النظر؟. أو غياب الإرادة السياسية؟.. أو الضغوط الخارجية؟.. أو القوة الكبرى التى تسعى إلى تغيير العالم العربى لكيلا يكون عربيا، ويكون مجرد جزء من الشرق الأوسط مع دول ليست عربية؟.
تصوروا لو أن السوق العربية تحققت.. هل كان حال العرب كما هو اليوم؟.. ألم يكن توحد العرب فى السوق المشتركة سيجعل لهم قوة سياسية، ويؤدى إلى نمو اقتصادهم ومكانا فى النظام العالمى..
وإلى متى سيظل العرب فى حال ينطبق عليها قول الإمام على بن أبى طالب: (وإنى والله لأظن أن هؤلاء القوم ستكون لهم الدولة بدلا منكم، باجتماعهم على الباطل، وتفرقكم على الحق، لأن الحق ضعيف إذا تفرق أنصاره، والباطل قوى إذا تضافر أعوانه)؟.
إلى متى سيظل قول الإمام على ينطبق على حالة العرب؟.
وهل نأمل فى أن يتغير الحال فى العام الجديد الذى يطرق الأبواب.