مراجعات أمريكية! ماذا حققت أمريكا فى العراق؟
كانت للإدارة الأمريكية أجندة خفية مختلفة تماما عن الأهداف المعلنة، وقد كشف مايكل جوردون فى دراسة نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز) عن وثيقة سرية كان توزيعها مقصورا على عدد محدود فى الإدارة الأمريكية، تقول إن أهداف غزو العراق ليست مجرد الإطاحة بديكتاتور وبناء نظام ديمقراطى، ولكن الهدف الأول هو تنصيب حكومة موالية لأمريكا فى العراق تمثل ضغطا على سوريا وإيران، وتنفتح على إسرائيل، وتضمن تدفق البترول وفق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وحتى الآن لم يتحقق شىء من هذه الأهداف.
وفى تعليق للكاتب الأمريكى الشهير بول كروجمان قال: إن البعض يرفض تشبيه ما يحدث فى العراق بما حدث فى فيتنام، ولكن مع تزايد القتلى من الجنود الأمريكيين لم يعد أمامنا سوى الاعتراف بهذه الحقيقة، فقد أعلن الرئيس بوش النصر فى العراق ثلاث مرات، وبعد كل مرة يتبين أننا لم ننتصر، سقطت بغداد وقتل وسجن قادة العراق وتم القبض على صدام حسين وقتل ولداه، ووصل عدد القتلى العراقيين إلى أكثر من مائة ألف قتيل، ودمرت مدن وقرى، ومع ذلك مازال القتال مستمرا فى أكثر من مدينة.
وانتونى كورد سمان أحد صقور مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية فى واشنطن كتب يقول: إن الاحتمال أصبح ضئيلا فى تحقيق الاستقرار فى العراق فى أواخر 2005 كما يقال.
والصحفى الأمريكى فريد كابلان يذكر أن الحقيقة هى أننا ليس لدينا حل لمشكلة العراق، وليست لدينا طريقة يمكننا بها الانسحاب دون أن نزج بالعراق وبالمنطقة كلها إلى كارثة.
والأمين العام للأمم المتحدة كوفى أنان أعلن بوضوح أن غزو العراق لم يجعل العالم أكثر أمنا كما قال الرئيس بوش، بل جعل العالم أكثر خطورة!
وآخر تصريح للرئيس الباكستانى برويز مشرف لشبكة (سى. إن. إن) الأمريكية قال فيه: إن الغزو الأمريكى للعراق كان خطأ وجعل العالم أقل أمنا وأكثر خطورة، وكل إنسان فى العالم لا يقبل رؤية قوات أجنبية فى بلاده، وعلى الولايات المتحدة أن تأخذ موضوع سحب قواتها من العراق بعين الاعتبار.
ويقول بول كروجمان: إن الأحداث أظهرت حدود القوة الأمريكية، وإن كان الرئيس بوش قد أعلن أن المتاعب التى تواجهها أمريكا فى العراق سببها (نجاح كارثى لم يكن متوقعا) فقد كان عليه أن يتوقع هذه الكارثة التى تنبأ بها خبراء كثيرون قوبلت تحذيراتهم بالتجاهل والاستهزاء، وذلك لأن مجلس الأمن القومى الحالى هو أضعف مجلس شهدته الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بعد أن سيطرت عليه مجموعة من الأيديولوجيين المنتمين إلى تيار المحافظين الجدد، وقاموا بإعداد سيناريو الحرب دون أن يفهموا ظروفها ولم يفكروا فيما بعدها، وإذا وجدوا الفرصة فسوف يقودون أمريكا إلى أزمات جديدة.
وحتى توماس فريدمان أكبر المهللين لغزو العراق عاد أخيرا ليتساءل: من المسئول عن السياسة الأمريكية فى العراق؟ من المسئول عن تنسيق العمل الاستخبارى والعلاقات العامة والسياسات الدبلوماسية، والعمليات العسكرية وصياغة ذلك كله فى خطة محكمة يتم تقديمها إلى العراقيين وإلى العالم؟ ويجيب: لقد تمت هذه الحرب بطريقة فوضوية بعيدة عن الإتقان وقد كشفت (نيويورك تايمز) عن دراسة تم إجراؤها بواسطة هيئة علوم الدفاع، توصلت إلى أن المؤسسات الأمريكية المكلفة بمهمة الاتصالات الاستراتيجية هى فى الحقيقة مؤسسات منهارة بعد مرور عامين تقريبا على الحرب فى العراق، وتوصلت الدراسة أيضا إلى أن الولايات المتحدة تعمل دون قنوات اتصال تربطها بعالم المسلمين وبالإسلام، وقال فريدمان: إننا يا سادة نخسر حرب العلاقات العامة فى العالم الإسلامى، والآن فإن وقت الارتجال والتخبط من جانب الإدارة يجب أن ينتهى ويحل وقت الجد، فإن الحرب فى العراق لن يتم كسبها بالخطب والتصريحات والنبرة العالية والذى سيفوز فى العراق هو من يملك الاستراتيجية والعزيمة والقدرات العقلية ومهارات التنسيق والمتابعة التى تمكنه من التحكم والسيطرة، لكيلا تهزم أمريكا فى الميل الأخير من الطريق.
وحتى بول بريمر الحاكم الأمريكى السابق للعراق كتب مقالا قال فيه: إن البنية التحتية فى العراق أصبحت منهارة، وسوف تزداد خسائر أمريكا، مما يعنى أن الطريق مازال محفوفا بالمخاطر.
الصحافة الأمريكية مليئة بالاعترافات والإنذارات والمراجعات.. ولا أحد يعرف إن كانت هذه الأصوات تصل إلى البيت الأبيض أم أن الرئيس بوش مازال يؤمن بأن الرأى العام لا شأن له بالقرارات السياسية، وأنه مازال لا يقرأ الصحف كما سبق أن أعلن؟!