هل وصلت الرسالة إلى الإدارة الأمريكيــة؟
منذ أربع سنوات طرحت الإدارة الأمريكية هذا السؤال: لماذا يكرهنا العالم، ويكرهنا العرب والمسلمون أكثر؟
وكما هى عادة الفكر السياسى الأمريكى تجاهلت الأسباب الحقيقية لهذه الكراهية، وقررت تغيير مشاعر الكراهية بتنفيذ برنامج يتكلف مئات الملايين من الدولارات لتحسين صورة أمريكا، ولأن الأمريكيين بارعون فى الدعاية والإعلان فإنهم يرون دائما أن حل كل مشكلة هو تغيير مشاعر وأفكار الناس تجاه هذه المشكلة.
هكذا أعدت الإدارة الأمريكية خطة للدعاية والعلاقات العامة تشمل استقطاب أعداد من السياسيين والصحفيين وعلماء الدين فى العالم العربى الإسلامى ليكونوا (أصدقاء أمريكا) فى المنطقة ويعملوا على تجميل صورة أمريكا بكل الوسائل، وخاصة بين قطاعين أساسيين هما: المثقفون والشباب وتشمل هذه الخطة تنظيم زيارات إلى أمريكا للصحفيين والشباب والعناصر الواعدة فى النقابات والجمعيات والنشطاء فى مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية فى بلادهم باعتبار أمريكا قلعة الديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم! ووفقا لهذا البرنامج تمارس الضغوط الأمريكية- الحكومية وغير الحكومية- لمحاربة المؤسسات والمدارس الإسلامية بادعاء أنها أوكار لتخريج الإرهابيين!
ولا تخفى الإدارة الأمريكية هذه الأهداف، ونحن نعلم بها من الصحافة الأمريكية وتصريحات المسئولين الأمريكيين، أما التى تخفى هذه الأهداف فهى الحكومات العربية والإسلامية! فالإدارة الأمريكية هى التى أعلنت عن إنشاء قنوات تليفزيونية ومحطات إذاعة وصحف ومجلات ونشرات موجهة إلى العرب والمسلمين بهدف التأثير على عقولهم، وعلى سبيل المثال فإن قناة (الحرة) بدأت إرسالها إلى العالم العربى فى 4 فبراير 2004 واعتبرت الإدارة الأمريكية أنها ستنجح عن طريقها فى اختراق العالم العربى وتحويل مشاعر العرب من الكراهية إلى الحب، لكن ذلك لم يحدث وحدث العكس، لأن الجميع يعلمون أن هذه القناة ليست حرة وأنها تابعة تبعية كاملة للحكومة الأمريكية وقد رصدت لها فى المرحلة الأولى مائة مليون دولار بخلاف الأجهزة والمعدات والتجهيزات، وأنها تخضع للتعليمات الحكومية فى كل صغيرة وكبيرة، وذهبت الأموال الأمريكية هباء، لأن الدعاية لا تغير الواقع، ولكن الأفعال وحدها هى التى تقنع الناس وتغير مشاعرهم.. والناس لا يمكن أن يثقوا فى الرسالة إذا كانوا لا يثقون فى المرسل.. والثقة فى المرسل تتكون أيضا من أفعاله وليس من أقواله..
وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد مازال يدعى أن بعض الفضائيات العربية هى التى تجعل العرب يكرهون السياسة الأمريكية، ومازال يرى أنه إذا وصل صوت أمريكا وفكرها بوسائل وأساليب الدعاية الحديثة فسوف يتغير الرأى العام العربى من رفض للسياسة الأمريكية فى العراق وفلسطين والسودان وسوريا ولبنان إلى قبول وترحيب بهذه السياسة وتعاون فى تنفيذها!
ليس رامسفيلد وحده الذى لا يرى الأمور على حقيقتها ويراها كما يريد هو أن يراها، ولكن عددا غير قليل فى الإدارة الأمريكية الحالية يشاركه الرأى، منهم صقور فى البنتاجون والبيت الأبيض والخارجية ومراكز التفكير المؤثرة فى صنع القرار وهم غالبا من المحافظين الجدد الذين يؤمنون بسياسة القوة ويطالبون بإحياء سياسة الحروب والعنف وتخفيف آثارها بعد ذلك بالدبلوماسية والدعاية والزيارات، والوعود، وهؤلاء يعتقدون أن معظم الصحفيين ومقدمى برامج التليفزيون فى العالم العربى لديهم مشاعر عدائية لأمريكا، ولذلك أعلنوا مؤخرا عن قانون جديد يسمح للإدارة الأمريكية بمطاردة ومعاقبة من يروج للعداء لأمريكا فى أى مكان فى العالم بادعاء أن ذلك تشجيع للإرهاب! مع أن عددا كبيرا من هؤلاء الإعلاميين والأكاديميين حصلوا على تعليمهم العالى فى جامعات أمريكية، أو تلقوا تدريبهم التقنى فى شبكات التليفزيون أو وكالات الأنباء أو محطات الإذاعة الأمريكية وكثير من مراسلى القنوات العربية فى أمريكا يحملون الجنسية الأمريكية ولهم ارتباطات عمل بجهات أمريكية، ومعظم الأخبار والتحليلات التى تقدمها وسائل الإعلام العربية مستمدة من مصادر غربية (أمريكية بالدرجة الأولى).
وبالإضافة إلى ذلك فإن محطات التليفزيون العربية تتابع كل ما يقال وما يحدث فى أمريكا وكثيرا ما تذيع المؤتمرات الصحفية والخطب والمناسبات الأمريكية على الهواء مباشرة، وتحت ضغوط أمريكية أصبحت فى كل محطات التيفزيون والإذاعات العربية قوائم بالمحظورات والتعبيرات الممنوعة بما يناسب التوجه الأمريكى.
ومخططو برامج الدعاية السياسية الأمريكية الموجهة إلى العالم يتجاهلون الحقيقة وهى أن العرب لا يكرهون أمريكا الدولة والشعب، والعكس هو الصحيح، فالعرب- والشباب بصفة خاصة- يحبون الشعب الأمريكى وتفوقه والحريات التى يتمتع بها ويعجبون بأسلوب الحياة الأمريكية، ولكن ماذا يمكن أن يفعل الإعلام العربى مع ما يشاهده من الجرائم التى ترتكبها قوات الاحتلال الأمريكية فى العراق وأفغانستان، وجوانتانامو وسجن أبو غريب وتدنيس المصحف وانتهاك حرمة المساجد.. هل يمكن للعرب تجاهل هذه الجرائم، بينما يتحدث عنها الإعلام الأمريكى؟
ومن أجل تحسين الصورة- وليس الأصل- جاءت كارين هيوز مساعدة وزيرة الخارجية الجديدة لشئون الدبلوماسية العامة والمكلفة بالعمل على تحسين صورة أمريكا عند العرب والمسلمين، جاءت إلى مصر وتركيا والسعودية وبصحبتها حشد من الإعلاميين والإعلاميات، وركزت فى لقاءاتها مع المسئولين والمثقفين وقيادات المجمتع المدنى على المطالبة بالعمل مع الشباب لتغيير اتجاهاته لكى يقبل ما تريد أمريكا منه أن يقبله، وعزل وتهميش الرافضين لسياسة أمريكا فى المنطقة واعتبارهم من مروجى ثقافة العنف والكراهية، وفى هذا السياق وضعت الإدارة الأمريكية أنظمة وقوانين لمنع ما تسميه (إشارات) من بعض خطباء المساجد لرفض السياسة الأمريكية واعتبار النقد الذى يوجهونه للجرائم الأمريكية تشجيعا على العنف.
وكارين هيوز شخصية ناجحة فى الدعاية والعلاقات العامة، عملت مستشارا للرئيس بوش خمسة عشر عاما منذ كان حاكما لولاية تكساس وهى التى قامت بكتابة كل خطبه وتصريحاته،وكانت ساعده الأيمن فى حملته الانتخابية الأولى والثانية، ثم اختار لها الرئيس بوش هذا المنصب مكافأة لها على إخلاصها وكفاءتها وهى الآن ترأس 860 خبيرا وتتعامل مع 140 منظمة وجمعية ومؤسسة فى أنحاء العالم العربى وتدير عملها بحيث يبدو خارج الإطار الرسمى للحكومة الأمريكية.
وقبل كارين هيوز سبق أن اختار الرئيس بوش لهذه المهمة شارلون بيرز وهى من أشهر خبراء الدعاية والإعلان إلا أنها استقالت بعد 18 شهرا وأعلنت أن تدهور مكانة أمريكا وصورتها المشوشة فى العالم العربى والإسلامى بسبب تحيز الإدارة الأمريكية لإسرائيل وتجاهل العرب.. واختار بوش بعدها مارجريت تاتوايلد السفيرة السابقة فى المغرب فلم يتحمل ضميرها الاستمرار فى الكذب أكثر من ستة أشهر ثم استقالت وأعلنت هى الأخرى أن كراهية أمريكا سببها ازدواجية المعايير فى التعامل الأمريكى وتشددها مع العرب والمسلمين ومساندتها للتطرف الإسرائيلى، وأخيرا عهد الرئيس بوش إلى كارين هيوز لعلها تنجح فيما لم ينجح فيه غيرها..
وفى لقائها مع البابا شنودة قال البابا:إن صورة أمريكا لن تتحسن عند العرب إلا بتغيير سياستها تجاه العالم العربى وتكف عن الحرب والضغط، وتنسحب من العراق، وتعمل على تحقيق العدل والسلام للشعب الفلسطينى، فإذا تحقق ذلك فسوف تزول تلقائيا أسباب العداء والكراهية.
وكرر البابا ذلك فى لقائه هو وكارين هيوز مع الصحفيين بعد ذلك.
هل فهمت كارين هيوز هذه الرسالة؟
أرجو أن تكون قد فهمت أن البابا شنودة عبر بكلماته عن كل المصريين وكل العرب.
وأرجو أن تحمل هذه الرسالة إلى الإدارة الأمريكية لعل وعسى