مسئولية الرئيس.. ومسئوليتنا
كما هى عادتهم.. نفس الجوقة تردد الحديث الممل الذى بدأته من قبل الانتخابات الرئاسية، واستمرت فى ترديده أثناء الحملة الانتخابية ومازالت حتى اليوم تعيد وتزيد فى الكلام الذى لا هدف له غير إثارة الشعور العام بالإحباط واليأس من الإصلاح، والتشكيك فى كل شىء وفى كل إنسان.
هم لا يريدون أن يغيروا الاسطوانة ليتحدثوا عما يجب عمله بعد أن اختار الشعب الرئيس.. ولو كان حديثهم المكرر عن مرحلة الانتخاب بقصد الاستفادة من دروس هذه التجربة الجديدة فى الحياة المصرية، لتحسين الأداء فى الحملات الانتخابية القادمة لمجلس الشعب التى ستبدأ بعد أسابيع، أو لانتخاب الرئيس فى عام 2011..
لو كان ذلك هو الهدف لكان تكرار الحديث مقبولا ومطلوبا، ولكنهم يدورون فى حلقة مفرغة بنفس الادعاءات والاتهامات، وأما الذين يعنيهم مستقبل البلاد فإنهم مشغولون بأمور أخرى.. مشغولون بالتفكير فى المرحلة التالية لانتخاب الرئيس وهم على وعى بالظروف الضاغطة علينا دوليا وإقليميا، وبالمعارك الظاهرة والخفية المفروضة علينا ولا تحتمل الانتظار أو ضياع الوقت فى لغو الحديث الذى لا يقدم ولا يؤخر ولا يغير من الواقع شيئا.. الذين يخافون على البلد والحريصون عليها تشغلهم أمور المستقبل.. وتجاوزوا ما حدث فى الماضى لأنه مضى وانتهى ولا يمكن تغييره.
وهم يتساءلون: ما هى الخطوات القادمة للرئيس بعد انتخابه؟.. وما هى الضمانات التى تجعلنا نطمئن إلى أن البرنامج الطموح الذى طرحه الرئيس مبارك فى حملته الانتخابية سوف ينفذ؟
وكما هو الحال دائما.. سارع كتاب وفلاسفة الخيبة والإحباط بتكرار إجابتهم الجاهزة وهى: ليست هناك ضمانات، وهذا البرنامج مجرد وعود انتخابية قد ينفذ بعضها، وقد لا ينفذ شيئا منها اعتمادا على أننا شعب ذاكرته ضعيفة وسوف ينسى كل ما قيل!
والحقيقة أن مجلس الوزراء بدأ منذ فترة فى إعداد الخطوات التنفيذية والبرنامج الزمنى لكل مشروع وتدبير الأحوال اللازمة من ميزانية الدولة، ومساهمات البنوك والمستثمرين ورجال الأعمال والإرادة السياسية للتنفيذ متحققة، وسيبدأ تمويل مشروعات الشباب المتوسطة والصغيرة خلال شهور، وتعديل هيكل الأجور والمرتبات للعاملين فى الحكومة سيطرح على مجلس الشعب فى دورته القادمة وجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة توسيع مساحة وادى النيل باستصلاح الأراضى الصحراوية غرب النيل من الإسكندرية إلى أسوان وإنشاء قرى جديدة فيها لتخفيف التكدس فى الوادى القديم أوشكت الدراسات الخاصة بتنفيذها على الانتهاء ليبدأ العمل مع بداية العام القادم، وكانت الحكومة تستعد لذلك وتجرى اتصالات مع جهات التمويل الدولية وبيوت خبرة عالمية وشركات استثمارية كبرى، أى أن هذا البرنامج سبقت إعلانه اتصالات ودراسات أكدت إمكان التنفيذ ولم يعلن الرئيس مبارك برنامجه إلا بعد أن اطمأن إلى ذلك.
والرئيس مبارك لا يبدأ ولايته الجديدة من فراغ، فقد حقق فى السنوات السابقة الكثير من الأعمال التى كانت تبدو مستحيلة فى وقتها، وكان هؤلاء المشككون أنفسهم يقولون إنها مجرد وعود.. حصيلة سنوات حكم مبارك كبيرة جدا: 22 تجمعا عمرانيا جديدا، وتسعة ملايين فرصة عمل وإنتاج الكهرباء زاد سبع مرات، وأعداد السياح زادت ثمانى مرات، والرقعة الزراعة زادت بأكثر من مليونى فدان، وزاد عدد طلاب المدارس والجامعات حتى وصل عددهم إلى عشرين مليونا، وأنشئت 13 ألف مدرسة جديدة فى أنحاء البلاد، وأصبح التأمين الصحى يخدم 36 مليون مواطن، والتأمينات الاجتماعية تغطى 18 مليونا و9 ملايين أسرة تستفيد من الضمان الاجتماعى والمعاشات، وبعد أن كانت القاهرة وعواصم المحافظات تعوم فى مياه المجارى ومحرومة من مياه الشرب الكافية والتليفونات تغيرت الأحوال.. أعمال كثيرة تمت، ولكن كما قال المهندس حسب الله الكفراوى يوما فإن مشكلة مبارك أنه نفذ مشروعات بمئات المليارات من الجنيهات، ولكنها تحت الأرض لتجديد البنية الأساسية فلا يراها الناس بعيونهم، بينما أنشأ عبد الناصر مثلا السد العالى الذى تكلف مائة مليون جنيه فقط ولا يزال قائما فوق الأرض، ولذلك يتحدث عنه الناس على أنه معجزة والحقيقة أنه لولا ما أنفق تحت الأرض فى عهد مبارك لكانت الحياة فى مصر مستحيلة، ومع ذلك فإن ما أنشئ فى سنوات حكم مبارك فوق الأرض كثير لمن ينظر بعين الإنصاف..
فهل يمكن التشكيك فى مصداقية من حقق هذه الإنجازات أو فى قدرته على تحقيق المزيد.
جوقة الأدباتية وأصحاب الكتابات الهزلية لم يفهموا ما نبه إليه الرئيس مبارك من أن المرحلة المقبلة تتطلب ما هو أكثر من الكلام والوعود، وأن تحقيق الديمقراطية والحريات لن يكون بالكلام، وفرص العمل لن تزيد بالكلام، والمصانع والمدارس والمستشفيات لا يتم بناؤها بالكلام.. والوعود لا تحل مشكلة الإسكان والمواصلات، ولا تقدم علاجا سحريا لمشاكل الأجور والأسعار والعشوائيات والمعاشات، والكلام لا يهزم الإرهاب ولا يحقق الاستقرار، ولا يضمن الحفاظ على أمن مصر القومى ومصالحها العليا.
مبارك هو الذى قال لنا ذلك لينبه إلى أن برنامجه ليس مجرد كلام والوعود وحدها لا تكفى، وأن الحديث عن المشاكل وتوجيه الانتقادات من أسهل الأمور، ويمكن أن يتفوق فيه العاجزون عن العمل، مبارك حدد منهجه وطريقه.. اختار الطريق الصعب باقتحام المشاكل، وبالإرادة وبالقدرة على الإنجاز.. ومن حقائق الحياة أن مشاكل المجتمعات لا تنتهى.. كل مرحلة لها مشاكلها.. وليس على الكرة الأرضية دولة كبرى أو صغرى خالية من المشاكل.. المشاكل متجددة مع تجدد الحياة وزيادة تطلعات الناس.
ومبارك- كما عهدناه- هو رجل المهام الصعبة وهو الضمانة الأولى لتنفيذ برنامجه بشخصيته وسجل أعماله، ومبارك ليس وحده.. فالحزب الوطنى وقد فاز فى انتخابات الرئاسة هذه المرة سوف يكون التحدى الأول أمامه فى الانتخابات الرئاسية القادمة هو تقديم كشف حساب لما تم تنفيذه من البرنامج الذى أعلنه فى انتخابات 2005، ولأن هذا البرنامج يمس مصالح المواطنين المباشرة وأمور حياتهم اليومية وحياة أبنائهم، فإن كل كلمة جاءت فيه أصبحت محفورة فى ذاكرتهم ولن يطويها النسيان أبدا.. وموعدهم للحساب قادم لا محالة.
وبعض الأحزاب الحية التى اكتسبت خبرة جديدة من الحملة الانتخابية هذه المرة، واشتد عودها وأصبحت لديها الثقة بالنفس والجرأة فى النقد لها الآن تأثير فى الرأى العام بدرجة ما.. هذه الأحزاب سوف تشهد حالة من اليقظة وإعادة البناء، وسوف تزيد من نشاطها وتواجدها وسط الجماهير، وتمارس دورها بفاعلية أكبر فى المعارضة النزيهة والموضوعية، وبذلك تصبح قوة ضغط وآلية للرقابة على تنفيذ هذا البرناج يحسب لها حساب.
والتوقع أن يكون مجلس الشعب القادم مختلفا عن المجالس السابقة، فلا يكون مجلس الموافقين والمصفقين دائما، وسيتكون من عناصر جديدة ذات كفاءة حقيقية تعرف حقيقة مسئوليتها فى مناقشة التشريعات مناقشة واعية وجادة، وتراقب أعمال الحكومة مراقبة حقيقية ولا يجرى أعضاء المجلس الموقر وراء الوزراء للحصول على توقيعاتهم على طلبات فردية ويتركون طلبات الشعب ولا تحدث منهم أعمال مخزية كما حدث من قبل!
المأمول أن يكون أعضاء مجلس الشعب القادم ممن يفهمون أن النائب بعد انتخابه لا يمثل دائرته، ولكنه يمثل شعب مصر كله وأنه مسئول عن التفكير والمناقشة فى شئون البلد وليس فى شئون دائرته وحدها..
أما الذين يقولون لماذا لم ينفذ مبارك برنامجه ومشروعاته قبل ذلك فإنهم يجهلون أن البناء مراحل وكل مرحلة لا يمكن أن تتم إلا بعد استكمال المرحلة السابقة عليها وما تحقق فى السنوات السابقة هو الذى يجعل تحقيق المزيد ممكنا..
وفى النهاية يجب ألا نتخلى نحن عن مسئوليتنا.. فما دمنا قد انتخبنا مبارك على هذا البرنامج فإن برنامجه الآن عقد اجتماعى ملزم له ولنا، وعلينا أن نشارك فى تنفيذه بالعمل.. وبالمطالبة.. وبالمراقبة.. وحرية الصحافة وحرية الرأى من أهم الضمانات.. والإرادة الشعبية الآن قوة دفع لا يستهان بها ولا يمكن تجاهلها..
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف