ذكريات ومواقف مع مبارك
فى برلين سألتنى الدكتورة ايفلين فيتش: لماذا تحبون مبارك؟
والدكتورة ايفلين فيتش كانت فى ذلك الوقت مسئولة عن إدارة معهد الدراسات الاجتماعية والتثقيف السياسى التابع للحزب الاشتراكى الديمقراطـى. وكان سؤالها بداية لحوار عن الأوضاع السياسية والاجتماعية، وحالة الأحزاب، ومشاكل الشباب فى مصر وألمانيا.
وقلت للدكتورة ايفلين فيتش إن المشاعر الشعبية تجاه أى زعيم لا تأتى من فراغ، ولا هى مسألة عاطـفية، ولكنها نتيجة تراكم الخبرة والتجارب معه. وقد خاض مبارك مواقف ومعارك صعبة أثبت فيها أنه قائد قوى، محنك، قادر على الإنجاز، وأن وطنيته واستعداده للتضحية كانا موضع اختبارات عديدة أثبت فيها أنه الرئيس الذى تحتاج إليه مصر فى هذه الظروف الصعبة.
مبارك صادق: القول عنده يساوى الفعل، وعلى مدى سنوات حكمه كان دائما يقول ما يفعل، ويفعل ما يقول. وهو فى ذلك يختلف عن زعماء يغرقون شعوبهم بالوعود ويعتمدون على أن ذاكرة الشعوب ضعيفة تنسى مع مرور الوقت هذه الوعود.
وأعتقد أن مبارك يمثل روح أكتوبر. ونصر أكتوبر- كما قال عنه- كان درسا عظيما أثبت أن تحقيق الأهداف الكبيرة يحتاج إلى شجاعة القرار، ودقة التخطيط، والمبادرة، والإعداد الجيد بمنهج علمى، وقبول التضحيات.. وهذا هو الطريق الذى سار عليه فى حكمه للبلاد دون أن يحيد عنه.
عندما بدأت مشكلة طابا، وظهر أن انسحاب إسرائيل من سيناء سوف يتوقف بسبب إصرار مبارك على أن يشمل الانسحاب آخر نقطة على الحدود المصرية. فى هذا الوقت كتب أحدهم مقالا قال فيه إن استعادة سيناء هى النصر الأكبر، وتحقيق لهدف دفعت فيه مصر من أرواح أبنائها الشرفاء ما يجعلنا لا نعطل الوصول إلى هذا الهدف من أجل خلاف على كيلومتر واحد من الرمال ليس فيها زرع ولا ماء ولا إنسان.. وأذكر أن الرئيس مبارك أشار يومئذ إلى هذا المقال وقال: حتى لو كان سنتيمترا واحدا من الرمال فى أرض مصر فلن أفرط فيه.. والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ضحوا بها لتعود أرضنا كاملة، ولا يمكن أن أسمح بأن يرفع عليها علم غير علم مصر.
وبدأت معركة طابا التى دخلت تاريخ الوطنية المصرية، ليس بالخطب، ولكن بالعمل، وبالصراع السياسى والقانونى بعد الصراع العسكرى.
وأذكر أن الرئيس مبارك عقد اجتماعا مع الوزراء فى سنة 1995 كان أشبه بمجلس حرب، بدأه بالحديث عن محافظات الصعيد المظلومة، وطلب وضع استراتيجية لتنمية الصعيد. وبعد شهر واحد عقد اجتماعا آخر لاستعراض هذه الاستراتيجية وإعطاء إشارة البدء فى التنفيذ. وفعلا اعتمدت الميزانيات وبدأ تنفيذ مشروعات للتوسع فى صناعة السكر والأسمنت، وتم إنشاء مصنعين لإنتاج الورق يكفى الاستهلاك المحلى ويغنى عن الاستيراد، وتم إنشاء مناطق صناعية لأصحاب الصناعات الصغيرة، كما تم إنشاء فنادق وقرى سياحية، وكان الخط الحديدى من القاهرة إلى أسوان مفردا، فأمر الرئيس مبارك بازدواج الخط الحديدى، وتم ذلك فعلا، كما أمر بشق طريق جديد يربط العاصمة بجميع محافظات الصعيد بخلاف الطريق القديم، وفعلا تم شق طريق صحراوى هائل غرب النيل، وطريق آخر فى الصحراء الشرقية من رأس غارب إلى وادى قنا. وأنشئ ميناء سفاجا وأصبح هو الميناء الرئيسى لجنوب مصر، وبالسيارة يمكنك أن تخترق الصحراء التى كانت معزولة ومجهولة من برنيس إلى أسوان، ومن أسوان إلى الساحل الغربى لبحيرة ناصر، إلى مدينة (أبو سنبل) ثم إلى توشكى، وامتد التعمير إلى حلايب وشلاتين. وأنشئت فى الصعيد 58 محطة محولات كهرباء جديدة وخطوط كهرباء طولها ثلاثة آلاف كيلومتر، ومحطات جديدة لتنقية المياه وخطوط توصيل المياه ومحطات صرف صحى.. و.. و..
ليس هذا كل ما تم تنفيذه فى الصعيد، ولكنه بعض ما استطعت أن أتذكره. لم تكن مجرد وعود. ولم تكن مشروعات على الورق، ولكنها مشروعات كبرى نفذت فعلا منذ سنوات وتكلفت عشرات المليارات، ولم تكن مرتبطة بانتخابات أو بمناسبات.. هى سياسة ثابتة وضعها مبارك منذ سنوات والعمل لتنفيذها مستمر حتى اليوم وغدا.
أذكر أن الرئيس مبارك قال لوزير التعليم فى ذلك الوقت: لماذا يظل أهل الصعيد أقل من الوجه البحرى فى الخدمات التعليمية، ولا توجد مدارس كافية ومعاهد عليا؟ وكيف لا يكون فى الصعيد جامعة غير جامعة أسيوط؟.
وبعدها أصبح فى الصعيد ثلاث جامعات: جامعة المنيا، وجامعة جنوب الوادى، وجامعة أسيوط. وتبدأ هذا العام جامعة رابعة هى جامعة الفيوم التى كانت فرعا لجامعة القاهرة. وقرر مبارك تحويلها إلى جامعة مستقلة، وأنشئت أكثر من 5 آلاف مدرسة جديدة فى مدن وقرى الصعيد، وقرر الرئيس مؤخرا استكمال جامعة بنى سويف. وتم إنشاء مستشفيات جديدة أضافت 11 ألف سرير جديد لعلاج المرضى بالمجان.
هذه أعمال.. وإنجازات.. وليست وعوداً.
أذكر أيضا أن الرئيس مبارك فى اجتماع مع رئيس الوزراء تحدث عن العشوائيات التى يعيش سكانها فى ظروف غير إنسانية، وقرر فى هذا الاجتماع بدء تنفيذ مشروع لتطوير العشوائيات فى جميع المحافظات، وخصص له أربعة مليارات جنيه زادت بعد ذلك أضعاف هذا الرقم حتى تم تطوير العشوائيات وأصبحت فيها طرق نظيفة ومياه نقية وكهرباء وصرف صحى ومدارس وأسواق ومستشفيات.
وفى عام 1994 استدعى الرئيس مبارك وزير الإدارة المحلية وطلب منه إعداد مشروع لتطوير القرية المصرية، وقال له إن اهتمام الوزارات مركز فى المدن، ولا بد من تقريب الفوارق بين القرى والمدن. فسكانها جميعا مصريون ويدفعون الضرائب، ولهم حقوق. وقتها كان وزير الإدارة المحلية هو الدكتور محمود شريف ودعانى لحضور اجتماع استمر يومين كاملين وحضره 26 محافظا وانتهى بالاتفاق على تنفيذ مشروع لتنمية القرية المصرية يشمل توفير مياه الشرب والطرق والكهرباء والبريد والمدارس والصرف الصحى، وتوفير خدمات العلاج والإسعاف ورعاية الطفولة، وتحسين خصوبة الأرض، وتوفير الخدمات البيطرية، وإقامة صناعات ريفية.. ونفذ المشروع بالكامل، ثم أعدت خطة ثانية لاستكمال تطوير القرية.. ولا يزال التطوير مستمرا.
ذكريات ومواقف كثيرة تتداعى كلما تذكرت هذا السؤال: لماذا تحبون مبارك؟ وأجد أمامى سجلا ضخما لإنجازات كثيرة يعجز الإنسان عن حصرها.. إنجازات فى كل مكان.. لا ينكرها إلا جاحد!
فى لقاء مع سفير تونس الجديد قال لى إنه كان وزيرا وزار مصر أكثر من مرة، وفى كل مرة يلاحظ أن البلد حدث فيه تطور كبير وسألنى: ألا تشعرون بهذه الإنجازات الهائلة؟ قلت له: فى الحقيقة هناك من لا يشعرون بها، بل هناك من ينكر وجود إنجازات أصلا، والاعتراف بالحق فضيلة لا يتمتع بها كل الناس.. هناك ناس تأكل وتنكر، وناس تقطع اليد التى امتدت إليها بالخير.. نكران الجميل ليس شيئا غريبا على البشر.
والنقد سهل.. يكفى أن يكون الواحد سليط اللسان ليكون ناقدا من الطراز الأول ويجد من يعجب به من أمثاله. وتوجيه الاتهامات بالباطل سهل. يكفى أن يعطى إنسان لضميره إجازة فيجد سهولة فى أن يكذب ويكرر الكذب بثقة وبقوة أكبر مما يفعل الصادقون.. وبالإضافة إلى هؤلاء ظهر عندنا صنف من الناس يريد أن يطبق المثل (خالف تعرف) فلا يجد ما يعارضه بالحق فيعارض بالباطل. وإذا لم تستح فافعل- وقل- ما شئت، ولله فى خلقه شئون.