فوضى.. أم نهضة؟
خلال السنوات الماضية كلها لم يكن فى مصر سوى تيار واحد، تيار ليس له هدف سوى مواجهة التحديات والضغوط، والعمل على تجاوز الأزمات، وتقديم اجتهادات ومبادرات لتحقيق النهضة الشاملة والتحديث فى جميع المجالات.
كان هذا التيار يضم فى داخله اختلافات فى الرؤى، واجتهادات متعددة، ولكن كان الاختلاف دائما فى إطار الاتفاق، كانت هناك أهداف واحدة، وولاء لوطن واحد، واحترام للمبادئ والقيم القانونية والأخلاقية الأساسية التى تمثل سياج الأمن والحماية للمجتمع.
وكان هناك اتفاق غير مكتوب بين جميع الأطراف على أن تظل هذه الاختلافات والتناقضات ثانوية وحول الفروع والتطبيقات، ولا تصبح اختلافات وتناقضات أساسية على الفلسفة والمبادئ التى يقوم عليها المجتمع، ولهذا كانت هذه الخلافات والتناقضات تعبّر عن نفسها بالحوار، وتسعى إلى الوصول إلى التوافق.. وبالتأكيد كانت هذه ظاهرة صحية ساعدت على السير فى طريق الإصلاح بخطوات ثابتة، وهادئة، كما ساعدت على إيجاد مناخ للتفكير والتفاهم دون عصبية أو انفعالات.
وبعد ذلك بدأ تيار جديد يقحم نفسه على الحياة السياسية.. تيار أقرب ما يكون إلى الحركات الفوضوية التى عرفتها أوروبا، يريد أن يشوه كل شىء، ويهدم كل شىء، ويسىء إلى كل إنسان، ويثير نزعات الغضب واليأس والعدمية، وليست لديه فلسفة جديدة للعمل السياسى، ولا يبشر بمشروع جديد للنهضة متخلف عن المشروع المطروح منذ سنوات، والذى ارتضاه المجتمع، وحشد قواه لاستكماله.
وهذا التيار الجديد يثير ضجيجا أكبر من حجمه الحقيقى، وربما يستطيع أن يجذب إليه بعض عناصر لديها استعداد طبيعى للتمرد والشغب، وربما يجذب معها بعض السذج الذين يصدقون بسهولة ما يقال لهم دون مناقشة أو تمحيص، ربما لأن قدراتهم وخبراتهم لا تساعدهم على ذلك، ولكن فى النهاية لن يزيد حجم هذا التيار الفوضوى كثيرا، ولن يقدر على خداع الملايين من المؤمنين ببلدهم، والواثقين بأنه يسير على الطريق الصحيح، وأنه قادر على تجاوز الأزمات كما تجاوز أزمات كثيرة من قبل، وقادر على تحقيق إنجازات أكبر وأكثر كما فعل طوال السنوات الماضية.
وإذا كان هذا التيار الفوضوى يجيد اللعب بالألفاظ وإثارة المشاعر وتلفيق الأكاذيب، وتوجيه الاتهامات عشوائيا بغير دليل، فلن يمضى وقت طويل حتى تنكشف خفاياه وتظهر حقيقته وحقيقة القوى التى تحركه والتى يعمل فى خدمتها، ويعرف الناس مصادر التمويل الذى يعتمد عليه، ومن أين حصل أصحابه على الثروات التى هبطت عليهم فجأة.. وحينئذ سوف تسودّ وجوه وتبيضّ وجوه! وسوف يشعر الناس بالملل من الحكايات الملفقة التى يكررون روايتها، والتى تبدو بلا أساس منطقى أو واقعى يستندون إليه.
والغريب أن هذه الأكاذيب والاتهامات العشوائية تمر دون حساب، وكأن من توجه إليهم هذه الاتهامات يؤمنون بما كان يقوله الفيلسوف والشاعر التركى ناظم حكمت: (إنهم يقولون..! ماذا يقولون..؟ دعهم يقولون) على أساس أن ذلك ليس سوى دخان فى الهواء، وأنه فى النهاية لا يصح إلا الصحيح.
ولقد لاحظ البعض أن هذا التيار تحالف مع من لهم اتصالات ومصادر تمويل خارجية، كما لاحظوا أن ما يقولونه عن هؤلاء يصل إلى حد التمجيد، وكأنهم استعادوا زمن شعراء المديح القدامى الذين كانوا يجزلون المديح لمن يجزل لهم العطاء، وهذه الظاهرة يمكن تسميتها ظاهرة التسول الأخلاقى، وهى ظاهرة تستحق التحليل فى مناسبة أخرى، ومن أعراض هذه الظاهرة الفساد الفكرى، والفساد الأخلاقى لدى قلة قليلة من المثقفين، وفساد الذمم أيضا.
والحل..؟
أن ندافع عن عقولنا، وعن عقول شبابنا من هذا الفساد الجديد، ونقوم بحملة تطعيم شاملة، وأنا على ثقة من أن هذه الحملة سوف تحقق نتائج جيدة لوقاية المجتمع من هذا الخطر، وسوف تنجح فى القضاء على هذا الفساد الفكرى والسياسى كما نجحت الحملة القومية فى القضاء على شلل الأطفال ولم يعد له وجود فى مصر، وأصبحت مصر خالية تماما من هذا المرض اللعين.. هكذا يمكن القضاء على التيار الفوضوى الجديد، ويتفرغ تيار النهضة للبناء والإصلاح والتنمية.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف