الإسلام المفترى عليه
من سوء حظ المسلمين فى العالم أن الأعمال الإرهابية التى تقوم بها جماعات من المسلمين تنسب جرائمها إلى الإسلام فيجعلون الدين الإسلامى هو المتهم أمام العالم، وتوجه الإدانة إليه من قوى معادية تاريخيا وسياسيا للإسلام والمسلمين، وعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 سيطرت فى تفسيرها نظرية كل من صمويل هانتجتون عن صراع الحضارات وبرنارد لويس عن الدين والثقافة الإسلامية وأنهما الدافع للعنف والتشدد.
ولم يرتفع صوت ينادى بأن هذه الجريمة تنسب لمن قاموا بها، وإذا كانوا يعتنقون أفكارا منحرفة فهى أفكارهم وليست فكر الإسلام.
مع أن جماعات الإرهاب المنتشرة فى العالم من أصحاب الديانات الأخرى تنسب جرائمهم إليهم كأشخاص أو كجماعات ولا تنسب إلى دياناتهم، فلم يقل أحد أن الديانة الهندوسية هى الدافع للإرهاب فى الهند، أو أن الديانة المسيحية مسئولة عن الإرهاب فى أيرلندا، أو الديانة البوذية مسئولة عن الإرهاب فى آسيا، أو الديانة اليهودية مسئولة عن الإرهاب فى فلسطين.. ولكن جرائم هؤلاء يكون الحديث عنهم فى ضوء الظروف الاجتماعية والسياسية دون مساس بدياناتهم.
ويلحق الظلم بالإسلام أيضا عن طريق جماعات من أبنائه الذين ينسبون جرائمهم للدين، ويوجهون إلى العالم رسالة كريهة وخطابا متشددا ويظهرون فى صورة القتلة ويتنكرون لمبادئ هذا الدين العظيم الذى لا يجيز الاعتداء على الأنفس والأعراض واحترام الحياة الإنسانية، ولا يبيح إزهاق الأرواح إلا فى ساحة الحرب، ولا يبيح الحرب إلا عندما تكون حربا دفاعية وليست عدوانا وهذا هو المفهوم الإسلامى للجهاد وحتى فى حالة الحرب فإن الإسلام يحذر المؤمنين به من أعمال الغدر والخيانة كما حرم عليهم قتل الرجال والنساء والأطفال المدنيين غير المشتركين فى الحرب، كما حرم قتل الأسير تحريما قاطعا، وكانت وصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) لجيوشه: (لا تقتلوا شيخا ولا طفلا ولا امرأة) وقد نص الفقهاء على أنه لا يحل للمسلم فى ساحة الحرب أن يقتل امرأة أو طفلا أو شيخا أو رجلا مسالما حتى ولو كان العدو يفعل ذلك.
من ذلك لا يمكن أن تنسب أعمال القتل العشوائى إلى الدين الإسلامى، سواء فى أحداث 11 سبتمبر، أو تفجيرات أسبانيا ولندن الأخيرة، أو قتل السفير المصرى فى بغداد، والسفير فى الفقه الإسلامى له الأمان والحماية، والأسير يجب أن يلقى معاملة كريمة ويحرم إيذاؤه بأية صورة والقاعدة التى وضعها الرسول (صلى الله عليه وسلم): (لا يعترضن أحدكم أسيرا فيقتله) وخلق الإسلام يفرض إطلاق سراح الأسير، كما فعل الرسول مع أسرى بدر ولعل أحدا من هذه الجماعات المنحرفة لم يقرأ الآية التى تحض على إكرام الأسير، وتبشر من يفعل ذلك بأحسن مقام فى الجنة: (وبطعون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، أنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا..) فكيف إذن يدعى قتلة السفير المصرى أنهم مسلمون وهم يخالفون نصا صريحا فى القرآن ومبدأ يعبر عن عظمة الإسلام وسبقه لكل مبادئ ومواثيق حقوق الإنسان ومعاملة الأسرى.
وعموما فإن الدليل على عدم التزام هذه الجماعات بمبادئ الإسلام أنهم تحولوا إلى نشر الرعب بين الآمنين فى الغرب وفى العالم الإسلامى أيضا، وكان تأثير ذلك خطيرا لأن هذه الأعمال شوهت صورة الإسلام وأساءت إلى المسلمين الذين يعيشون فى الغرب وبدأ العالم ينظر إلى كل مسلم على أنه إرهابى محتمل، وبذلك فإن هذه الجماعات تساعد أعداء الإسلام وتقدم لهم الدليل الذى يؤيد ادعاءاتهم بأن الإسلام دين التطرف والعدوان والهمجية وأنه يعادى الحضارة الحديثة ويسعى إلى تخريبها، وبالتالى يعطون الفرصة لدعاة الحرب على المسلمين بحجة محاربة الإرهاب والدفاع عن الحضارة وعن أمن العالم، ولابد أن يكون فى الحسبان أن هناك ما يقرب من 30 مليون مسلم يعيشون فى أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، تنعكس عليهم نتائج عمليات القتل العشوائى هذه باسم الإسلام.
أما المسلمون الحقيقيون فهم ملتزمون بالاعتدال والتسامح والنبل فى معاملة الأصدقاء والأعداء ويخضعون لأمر الله، (ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين) ويلتزمون بالقيم الإسلامية الصحيحة فى السلم والحرب.