تجـديد شـباب الصحافـة
كنت- وما زلـت- من أكثر المتحمسين للتغيير، والتجديد، وإعطـاء الفرصة للأجيال الجديدة. وكتبت كثيراً فى السنوات الماضية بذلك، وكررت كثيراً أنه ليس من طبيعة الحياة أن يبقى جيل واحد أطول مما ينبغى، ولا?أن يقال إن جيلاً واحداً هو الذى يحتكر الكفاءة، ولا غنى عنه!
وفى إطـار عملية التغيير الشامل التى تجرى الآن حدث التغيير فى مجالات كثيرة وجاءت دماء شابة فى الوزارة، والمحافظـات، والبنوك، وشركات القطـاع العام، والإدارة المحلية.. وعجلة التغيير مستمرة، وهذا هو الشىء الطبيعى، فكما يجدد الكائن الحى خلاياه باستمرار لكى تستمر حياته وحيويته، كذلك يجدد المجتمع خلاياه فتدب فيه الحيوية.
وفى الصحافة أيضاً كنت من أكثر المتحمسين للتغيير، وطالبت بذلك مراراً فى مقالات منشورة، وفى اجتماعات ولقاءات عامة وخاصة، ولذلك كنت أسعد الناس بحركة التغييرات الصحفية، خاصة وقد تم اختيار القيادات الجديدة من داخل كل مؤسسة مما يؤكد أن القيادات السابقة نجحت فى إعداد صف ثان مؤهل لتولى القيادة على عكس ما كان يقال.
وأعتقد أن القيادات الصحفية الجديدة سوف تنجح، وتجدد شباب الصحافة المصرية لكى تظل- كما كانت دائما- منارة للفكر المستنير، والرأى الحر البنّاء، ومنبرا عاليا للحوار الموضوعى، ونموذجا للصحافة المحترمة، ورائدة فى منطقتها العربية.
وأعتقد أيضا أن هذه المرحلة بالغة الحساسية بالنسبة لمصر وللمنطقة، وتحتاج إلى جهود المخلصين لوطنهم، والحريصين على حمايته من المخاطر المحيطة- الظاهرة والخفية- التى لا تخفى على أحد.. ضغوط وأموال وتدخلات أجنبية لم يحدث لها مثيل أبداً.. وعراق ممزق.. وفلسطين تحت القهر.. وجامعة عربية فى أزمة.. ودول عربية تعانى.. وشعوب تطلب الكثير.. ومثقفون بعضهم مد الجسور إلى الخارج، وبعضهم يمسك بالجمر حفاظا على وطنه ومستقبله.. وتجربة ديمقراطية جديدة لا سابقة لها فى تاريخنا بانتخاب رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح.. وأحزاب لم يتبلور بناؤها الحزبى بعد.. وعملية إصلاح سياسى حققت الكثير وأمامها ما هو أكثر لتحققه.. والإصلاح الاقتصادى ماض فى طريقه وتظهر نتائجه الإيجابية يوما بعد يوم.. والعالم ينظر ويتابع ليحكم على مدى النضج السياسى والفكرى الذى وصل إليه المجتمع المصرى. ولابد أن يرى العالم حقيقة مصر وحجمها عندما تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى جو ديمقراطى سليم، بعيدا عن المهاترات، والابتزاز، والغوغائية، وغيرها من الأساليب المبتذلة التى لا تليق بهذا البلد العظيم.
وهذا يقودنا إلى التيار الغريب الذى ظهر مؤخراً فى بعض الصحف الصغيرة، التى صدرت- فيما يبدو- للإساءة إلى سمعة الصحافة المصرية والصحفيين المصريين بأداء هبط بمستوى الفكر ولغة الحوار، وتبدو وكأنها مكلفة بتلويث كل من يتولى مسئولية دون استثناء، ودون مراعاة للمبادئ الأخلاقية، أو القانونية، أو المهنية التى تميز الصحافة المصرية. ودون مراعاة لميثاق الشرف الصحفى الذى أقسم على احترامه كل الصحفيين. وحتى دون مراعاة للضمير، أو المصلحة العامة، أو ضرورات الأمن القومى والوحدة الوطنية.. وهذه ظاهرة مؤسفة، وإذا استمرت ستؤدى إلى خسائر كثيرة سياسية واجتماعية.
ففى هذه الصحف من يكتبون باستهانة غريبة دون أدنى شعور بالمسئولية عن الكلمة، ويتجاوزون حدود القانون، واللياقة، والعُرف، وحدود الذوق.. وفيهم من يلفق أخبارا كاذبة ليس لها أساس. ومنهم من يكرر الكذب بإصرار غريب، دون شعور بالخجل. ولقد مسنى أنا شخصيا رذاذ من أكاذيب الصغار. فقالوا وكرروا إننى أفرض مؤلفاتى على دار المعارف، وإننى أتقاضى مبالغ باهظة. وقد أعلنت مرارا أن دار المعارف تتعامل مع المؤلفين على أساس فئتين. وتتم المحاسبة بالكمبيوتر تلقائيا دون تدخل أو مجاملة، وإننى اخترت أن تكون معاملتى من الفئة الثانية، وليس من الفئة الأولى، ولم أحصل على حقوق التأليف إلا على دفعات. ولو كنت نشرت كتبى خارج دار المعارف لكانوا هللوا وقالوا رئيس مؤسسة نشر لا يحترم مؤسسته وينشر كتبه خارجها، وجميع رؤساء المؤسسات نشروا كتبهم فى مؤسساتهم. فلماذا قلة الأدب؟!
وادعى بعض الصغار أن الدكتور محيى الدين رجب البنا يتقاضى مبالغ طائلة مقابل مقالاته فى أكتوبر، وأنه سافر على نفقة المجلة، وقد أعلنت أمام الجمعية العمومية للمؤسسة وبحضور ممثلى الجهاز المركزى للمحاسبات، كما أعلنت فى اجتماع فى المجلس الأعلى للصحافة بحضور السيد صفوت الشريف وعدد من الوزراء وكبار أعضاء المجلس أننى أتحدى أن يثبت أحد أن الدكتور محيى الدين رجب البنا تقاضى مليماً واحداً من المجلة، وأن سفره كان فى بعثة للتدريب على أساليب جراحية جديدة فى أمريكا على نفقة جامعة عين شمس.. وعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر وهو فى أمريكا تطوع بإرسال تقارير من هناك وتحمل تكلفة الفاكس والتليفونات من جيبه الخاص. قلت ذلك علنا.. وأرسلت خطابات بالوثائق إلى من كنت أظن أنهم محترمون!
من هنا أقول إن الصحافة القومية ستبقى لها الريادة كنموذج للصحافة المحترمة، أما صحافة التشهير.. الداعية إلى الشقاق والفوضى والاستهانة بالقيم والأخلاق، فسوف يكتشف الناس أنها فقاقيع، وغثاء، وستختفى كما اختفى كل الأقزام تحت أقدام العمالقة.
والصحافة القومية، وبعض الصحف المستقلة والحزبية المحترمة، هى التى تمثل الضمير الوطنى، والشرف الصحفى، وهى الفخر لهذا العصر الذى أطلق الحريات.
ومن حظ دار المعارف أن تولى قيادتها واحد من أبنائها، ومن ألمع نجومها، هو الأستاذ إسماعيل منتصر الذى شارك معى فى تحمل المسئولية بأمانة، وكفاءة، وإخلاص منذ أول يوم بدأت فيه عملى فى مجلة أكتوبر، وظل صديقا وفيا أعتز بصداقته. وأرى من واجبى وأنا أسلمه الراية أن أشكره على ما بذله من جهد فى السنوات الماضية، وأنا على ثقة بأنه سينجح فى تحقيق انطلاقة جديدة لمؤسسة دار المعارف، منارة الفكر العربى، ورمز ريادة مصر الثقافية فى المنطقة، والتى يدين لها بالفضل المثقفون العرب فى كل مكان..
أما مجلة أكتوبر فإننى على يقين من أن إسماعيل منتصر سوف يواصل الحرص على أن تظل نموذجا للصحافة المحترمة، البعيدة عن الفجاجة، والإثارة، لأن هذه المرحلة لا يمكن أن تسمح للمهرجين والأدعياء بتخريب صروح الصحافة المصرية.. وواجبنا جميعا أن نقف لهم بالمرصاد دفاعا عن كرامة وسمعة الصحافة المصرية وحريتها.. وفى رأييى أن أعظم الصحف ليست أكثرها توزيعا، ولكن أكثرها احتراما ومساهمة فى بناء العقل والوعى.. وكنت أقول دائما انظروا إلى ثروة وشهرة أية راقصة فى ناد ليلى، مقارنة بما عليه أية سيدة محترمة شريفة.. فماذا تختارون؟!
إن مصر تعيش مرحلة سوف يسجلها التاريخ ويتوقف طويلا بالتحليل لما يجرى فيها.. وسوف يذكر التاريخ أن قيادة مبارك هى التى وفّرت الحماية للوطن، وحققت إنجازات ستبقى محفورة فى ذاكرة الشرفاء، ولا ينكرها إلا من أصاب العمى قلوبهم.. فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا..
وستبقى مصر عزيزة شامخة.. وستبقى صحافتها حرة، حريصة على عفة القلم ونزاهة القصد، لا تمد يدها، ولا تتحالف مع عدو.. ولا
تبيع نفسها لمن يدفع.. وسيختفى دعاة الفتنة والفوضى.. وتنتصر الحقيقة وتستمر المسيرة.. ولو كره الكارهون!