المهمة انتهت.. المهمة لم تنته !!
 

أصدق وصف للمأزق الأمريكى فى العراق ما قالته صحيفة الجارديان البريطـانية من أنه مأساة، ولغز، فإن ما يحدث فى هذا البلد يستعصى على الفهم، وإن هذا المأزق يمسك بخناق الشعب العراقى، والشعوب العربية، كما يمسك بخناق الأمريكيين.
وتتحدث الصحف الأمريكية عن عمليات التدمير والقتل العشوائية التى تقوم بها القوات الأمريكية بحجة القضاء على العناصر الإرهابية، وعن عمليات الاعتقال الجماعية والتعذيب الوحشى، وعلى الرغم من كل ذلك لم يتوقف تصاعد المقاومة وحمامات الدم وتساقط عشرات القتلى كل يوم.
والغريب أن الإدارة الأمريكية مازالت تعلن بعناد أنها فى موقف المنتصر، بينما يتحدث العالم عن الهزيمة التى لحقت بها فى العراق، وفى النهاية فإن معيار النصر والهزيمة هو تحقيق أو عدم تحقيق الهدف من الحرب. وكان هدف الحرب الأمريكية القضاء على قوة العراق وقدراته العسكرية والاقتصادية، واحتلاله لسنوات غير محدودة، والسيطرة على ثروته البترولية، والتواجد العسكرى على حدود إيران وسوريا وقريبا من مصادر البترول وضمان حماية لإسرائيل لم يسبق لها مثيل، لكن ذلك لم يتحقق رغم مرور أكثر من عامين على الغزو.
والصورة التى لا تغيب عن أذهان الأمريكيين وأذهان العالم هى مشهد الرئيس بوش وهو بملابس الطيار المقاتل يهبط من طائرة هليكوبتر على حاملة طائرات ويعلن: المهمة انتهت. الجيوش الأمريكية انتصرت وسقطت بغداد.
ويوم الثلاثاء الماضى وقف الرئيس بوش بملابس مدنية فى قاعدة فورت براج العسكرية وأعلن: المهمة لم تنته. الجيوش الأمريكية لم تنتصر. والعراق أهم ساحة للحرب العالمية الثالثة التى تشنها الولايات المتحدة. وسوف تواجه القوات الأمريكية أياما صعبة. والأمر يستحق التضحية. وقبل ذلك كان نائب الرئيس ديك تشينى قد أعلن فى مؤتمر صحفى: إن الإرهاب فى العراق يلفظ أنفاسه الأخيرة. وبعده جلس قائد القوات الجنرال جون أبى زيد أمام لجنة فى الكونجرس وبجانبه وزير الدفاع أيضا وقال: إن القوات الأمريكية واجهت فى الشهور الستة الأخيرة معارك صعبة بسبب اشتداد المقاومة وأن المقاومة تزداد شراسة.
الرئيس بوش اعتبر أن الجيش الأمريكى نجح لأن الجماعات المسلحة فى العراق لم تحقق أهدافها، ولم يقل: هل حققت القوات الأمريكية أهدافها؟
وأعلن الرئيس بوش ان عدد القتلى من القوات الأمريكية حتى الآن 1740 جنديا، وبلغت تكلفة الحرب 200 مليار دولار. وقال ببساطة: مثل كل الأمريكيين أشاهد صور العنف وحمامات الدماء.. كل مشهد يرعبنى.. المعاناة حقيقية..! ومع ذلك رفض الاستجابة إلى المطالب الشعبية ومطالب أعضاء الكونجرس بتحديد جدول زمنى لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وألمح إلى أن القوات ستستمر إلى أن تقضى على المقاومة، ثم تتركز فى المعسكرات، وتبقى على أرض العراق إلى ما شاء الله.
رئيس الوزراء العراقى أعلن أن القوات العراقية ستكون جاهزة لحفظ الأمن بعد عامين ويمكن للقوات الأمريكية أن ترحل بعد انتهاء السبب لوجودها. ووزير الدفاع رامسفيلد قال إن معاركه فى العراق سوف تطول وقد تحتاج إلى 12 سنة لإتمام مهمتها!
وزير الدفاع رامسفيلد أعلن أيضا أنه لا يمكن أن يقبل التفاوض مع (الإرهابيين) فى العراق. ثم اعترف بعد ذلك بإجراء مفاوضات مع (المسلحين) فى العراق. وعلق متحدث باسم هيئة علماء المسلمين فى العراق على ذلك بأن موقف القوات الأمريكية الراهن فى العراق شبيه بموقفها قبيل انسحابها من فيتنام!
قال المراقبون إن الولايات المتحدة أمام حلين أحلاهما مرّ: البقاء فى العراق وتحمل الخسائر وهذا سيزيد من الإساءة إلى صورتها كأكبر قوة فى العالم، أو الخروج المفاجئ من العراق فيكون فى ذلك تدمير لصورتها كقوة لا تقهر! ولم يعد أمامها سوى البحث عن مخرج مشرف يحفظ ماء الوجه. ومن المقترحات المطروحة إحلال قوات دولية محل القوات الأمريكية تشرف عليها الأمم المتحدة. وتعود القوات الأمريكية إلى بلادها!
زعيمة الأقلية فى مجلس النواب (نانسى بيلوسى) علقت على خطاب الرئيس بوش قائلة: هناك عاملان أساسيان: الثقة. والحقيقة. والشعب الأمريكى لا يعرف الحقيقة. والثقة ليست متوافرة. وزعيم الأقلية فى مجلس الشيوخ (السيناتور هارى ريد) قال: إن سياسة الرئيس بوش فى العراق تسير على غير هدى، ومنفصلة عن الواقع.. ولن تؤدى إلى النجاح الذى يتحدث عنه ونطمح إليه.
الرئيس بوش قال: أعلم أن الأمريكيين يتساءلون.. هل التضحية تستحق كل هذه الآلام؟ نعم إن الأمر يستحق الألم. وقالت شبكة (سى. إن. إن) الأمريكية إن استياء الرأى العام الأمريكى من جدوى الحرب يتزايد، وكذلك المعارضة فى الكونجرس.
وقال السناتور جون كيرى (المرشح السابق للرئاسة): لقد تأخر الوقت على إصلاح الأمور فى العراق، والإدارة الأمريكية ستتعرض إلى كارثة محققة إذا واصلت سياستها غير الواقعية التى تعرض جنودنا للأخطار. وقد أدت هذه السياسة إلى تحويل العراق إلى ساحة لتفريخ (الجهاديين) ولم يكن العراق كذلك قبل الحرب. فى العراق اليوم بين 16 و 20 ألف (جهادى) ويحتمل زيادة العدد، وجنودنا يدفعون الثمن كل يوم فى مأزق من صنع يديها. مهمتنا فى العراق تزداد صعوبة. وعلى بوش أن يخبر الشعب الأمريكى بالحقيقة، وأن يبتعد عن العبارات المنمقة، وأن يعلن فورا عن عدم اعتزام الولايات المتحدة التواجد العسكرى الدائم فى العراق، ويحدد فترة 6 شهور للانتهاء من تدريب قوات الأمن العراقية، ويبدأ مع الكونجرس فى رسم خطة مفصلة لمراحل نقل المسئولية السياسية والعسكرية والأمنية إلى العراقيين، وإعداد الدستور، وانتخاب حكومة بانتخابات حرة.
وقال كيرى: على الإدارة الأمريكية أن تعمل مع الحكومة العراقية على تشكيل قوة متعددة الجنسيات تتبع الأمم المتحدة. ولقد تأخرت عملية إعمار العراق حتى فى المناطق الآمنة، وتأخر وصول المياه النظيفة والكهرباء وإعادة رصف الطرق.. وعلى الإدارة أن تخفف من الكراهية التى يشعر بها العرب بسبب دورنا المنحاز فى التعامل مع الإسرائيليين والفلسطينيين.
ومستشار سابق فى وكالة المخابرات الأمريكية هو جيفرى سميث كتب مقالا فى واشنطن بوست بعنوان (كيف تستعيد أمريكا احترام العالم) قال فيه: الآن بعد أربع سنوات من تجاهل الإدارة الأمريكية للقانون الدولى والقانون الأمريكى بدأت الإدارة تدرك أهمية القانون فى المحافظة على دورنا القيادى فى العالم. وعلينا أن نستعيد احترام العالم لأمريكا وإلا فإن أهداف الأمن القومى ستتعرض للانتكاس.
هذا بعض ما يقال فى أمريكا من أمريكيين لهم ثقلهم السياسى. فماذا نقول نحن.. نحن نتساءل فقط أيهما نصدق: الرئيس الذى أعلن أن المهمة انتهت، أو الرئيس الذى أعلن أن المهمة لم تنته؟!
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف