الدبلوماسية الثقافية
بدأت وزارة الدفاع الأمريكية إطلاق عدد من المواقع على شبكة الإنترنت بالإضافة إلى موقعين آخرين أحدهما موجه إلى منطقة البلقان، والثانى موجه إلى المنطقة العربية، وهذه المواقع المتعددة تنشر الأخبار الرياضية والمنوعات إلى جانب الأخبار السياسية، وقالت شبكة (سى . إن . إن ) الأمريكية إن تلك المواقع يشرف عليها كوادر مخابراتية مدربة على (حرب المعلومات).
ونقلت (سى. إن. إن) على لسان رئيس مشروع التميز فى الصحافة (توم روزينستيل) إن تلك المواقع مخادعة، لأنها تبدو للوهلة الأولى كأنها مواقع عادية للأخبار دون أن يكتشف القارئ أنها تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية التى تستعين بأكثر من خمسين صحفيا لإعداد محتويات تلك المواقع، وعلقت (سى. إن. إن) على ذلك بأن الإدارة الأمريكية وجهت العديد من المعلقين لتأييد سياساتها فى وسائل الإعلام المحلية، مما جعل الديمقراطيين يطالبون بوضع حد للدعاية للإدارة الأمريكية فى داخل الولايات المتحدة.
وفى نفس الوقت بدأ بث قناة (الحرة) الفضائية التى تمولها الحكومة الأمريكية، وقالت الإذاعة البريطانية تعليقا على ذلك إن دور هذه القناة كسب الرأى العام فى العالم العربى، بخاصة الشباب الذين يمثلون الأغلبية فى البلاد العربية، وتقدم هذه القناة برامج رياضة وعروض أزياء إلى جانب البرامج الإخبارية وتغطية الأحداث من وجهة نظر الدعاية الأمريكية، ويعمل فيها فريق مكون من 200 صحفى عربى وأمريكى، وتبث إرسالها من واشنطن، وبتمويل من الكونجرس الأمريكى الذى خصص لها62 مليون دولار للسنة الأولى. وهذه القناة جزء من مشروع دعائى كبير يشمل راديو (سوا) الأمريكى، وإذاعة صوت أمريكا، وراديو فرى يوروب، وراديو ليبرتى ومجلة (هاى) الموجهة إلى الشباب العربى وتشرف عليها وزارة الخارجية الأمريكية.. وغيرها من وسائل الإعلام الأخرى التى أعلن المسئولون عنها أن هدفهم هو كسب عقول وقلوب العرب تجاه السياسات الأمريكية، وبخاصة فى الحرب على العراق والموقف من القضية الفلسطينية.
كل ذلك حدث فى شهر فبراير الماضى وصاحبة إعلان رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى-هنرى هايد-بأن الكونجرس رصد مبلغ ثلاثين مليار دولار للمساعدات الخارجية ويأتى تمويل الشبكات الإعلامية الجديدة من ميزانية الإعلام الدولى.
وتحقيقا لنفس السياسة يوجه (المعهد الوطنى الديمقراطى) الأمريكى نشاطه إلى التأثير على الشعوب كما فعل فى أوكرانيا، وترأس هذا المعهد مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الأسبق، هى تقوم بجولات فى عدد من الدول، وتلتقى فيها بالصحفيين ورجال الإعلام وممثلى الأحزاب. وكان لها دور كبير فى إشعال (الثورة البرتقالية) فى أوكرانيا وقدمت منحا مالية سخية لقادة هذه الثورة، كما شارك هذا المعهد فى انتخابات العراق .
وهذه السياسية الإعلامية الأمريكية هى التى أطلقت عليها عضو مجلس العلاقات الخارجية السفيرة هيلينا فين عنوان (الدبلوماسية الثقافية والتأثير على الشعوب).
وقالت فى مقال نشرته فى مجلة (فورن إفيرز) إن المخابرات الأمريكية كانت فى سنوات الحرب الباردة تقوم مع قسم العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية بتمويل نشاط الدبلوماسية الثقافية، وبرامج التبادل الثقافى الذى كانت ترعاه المخابرات والخارجية، وكان يعمل على الالتحام مع فئات من جماهير مختلف الدول.
وتحدد السفيرة هيلينا فين وسائل الدبلوماسية الثقافية باشراك أكبر عدد من مثقفى وقيادات الدول المعنية فى مؤتمرات وحوارات ودعتهم للاشتراك فى أنشطة المراكز الثقافية، وجذب الأكاديميين والباحثين، وزيادة وسائل الإعلام، وكل ذلك لتكوين رأى عام إيجابى مناصر للسياسات الأمريكية وتعميق الصورة الإيجابية لأمريكا.
أعتقد أن موضوع (الدبلوماسية الثقافية، يستحق وقفة، على الأقل لكى نوجه جهدنا فى هذا الاتجاه لكسب الرأى العام فى الدول الخارجية، بنفس الأسلوب، على الأقل لتوضيح مواقفنا وقضايانا، ومواجهة حملات التشويه للعرب والمسلمين، وكسب الأصدقاء.
ويكفى أن نعود إلى مقال السفيرة الأمريكية لنتعلم كيف يمكن تخطيط وإدارة الدبلوماسية الثقافية فى عصر المعلومات والفضائيات والإنترنت والتأثير على العقول.