العـلمـــاء قالوا.. ولم يسمع أحـد
اجتمع عدد كبير من علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة للتفكير حول الطريق الآمن الذى يجب أن تسلكه مصر بعد ثورتها، وكان لقاؤهم فى مؤتمر المركز القومى للبحوث الاجتماعية، تساءلوا كيف تختار مصر طريقها، وهى الآن فى مفترق طرق؟ كيف تسير فى طريق التحول الديمقراطى وتحقق النجاح؟ وكيف تستجيب السلطة لمطالب المواطن البسيط؟ وقبل ذلك كيف ينظرون إلى الواقع العربى الراهن بعقلية الباحث الاجتماعى؟ أسئلة كثيرة طرحتها مديرة المركز الدكتورة نسرين البغدادى، وأجابت الدكتورة نجوى خليل على الفور بأن «القلق» هو الشعور السائد فى المجتمع المصرى اليوم، ولكن جينات هذا الشعب ستساعده على اختيار الطريق الصحيح، ودليله على ذلك زيادة الوعى والاهتمام بشئون الوطن لدى فئات من الشعب لم تكن مهتمة بالشأن العام قبل ذلك، وهذا الوعى سيساعد على اختيار الطريق الصحيح، ومن السهل أن تغييرا ملحوظا حدث فى المجتمع المصرى بعد الثورة، تغييرا فى القيم الاجتماعية والسياسية وندرك الآن أن النخبة فى مصر هى المسئولة عن معظم المشاكل، لأنها لم تقم بواجبها للتغيير على الرغم من أن المشاكل كانت معروفة، وكانت الأبحاث تنبه إلى ارتفاع معدلات الفقر، وخطورة انتشار العشوائيات وما يحدث فيها، وخلال السنوات الماضية قدم مركز البحوث الاجتماعية التشخيص للتشوهات التى أصابت المجتمع وقدم مقترحات للعلاج ولكنه لا يستطيع أن يفرض شيئاً على أصحاب القرار.. ولعل ذلك يكون درسا يتعلم منه أصحاب القرار أن يحسنوا الاستماع إلى الخبراء، والآن - بعد الثورة - فإن الواجب ألا يقتصر اهتمام كل فئة على تحقيق مطالبها الفئوية وتغفل عن المصلحة العامة، وحان الوقت لأن يلتقى أصحاب الخبرة لوضع رؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية تحقق مصلحة البلد دون الانحياز إلى تيار سياسى أو فكرة واحد.
???
أستاذ الاجتماع البارز الدكتور أحمد زايد نبهنا إلى أن ثورة 25 يناير هى ثورة أجيال جديدة لها رؤى مختلفة عن الجيل الذى حكم البلاد فترة طالت بأكثر مما يجب، وهذا الجيل على وعى بما يجرى فى العالم من خلال الوسائل الحديثة وكان انفجار الشباب بسبب تراكم الشعور لديه بالاحباط نتيجة استمرار التهميش والبطالة، وحذر الدكتور زايد من مخاطر الانحراف عن الديمقراطية إلى دكتاتورية جديدة بشعارات ديقراطية، أو الانجراف إلى التكالب على المكاسب الشخصية، أو استسهال تجاهل القانون بحجة أن الثورة هى خروج على القانون.. بعد ذلك دارت مناقشة أكدت أن خريطة القوى السياسية فى مصر حدث فيها تغير جذرى بعد 25 يناير، وظهرت قوى سياسية جديدة بعضها ظهر فى أحزاب تمثل تيارات سياسية تتهافت على العمل السياسى بمرجعيات مختلفة إسلامية وليبرالية ويسارية ويمينية ومعتدلة، وبعضها غير حزبى مثل الحركات السياسية وائتلافات شباب الثورة، وبعضها يمثل كوادر وشخصيات ومنتفعين من الحزب الوطنى، وظهرت على السطح لأول مرة الجماعات السلفية والشيوعية، ومن خلال الحرية المكفولة الآن سوف تتفاعل هذه التيارات فيتقدم بعضها ويسيطر ويتراجع بعضها الآخر، وقد يفقد بعضها القدرة على البقاء ويختفى من المشهد تماما.
واختلفت الآراء حول الإعلام والفضائيات ودورها فى هذه المرحلة، فالدكتور وليد رشاد يرى أن الفضائيات نشرت القيم السلبية مثل ثقافة الاستهلاك، وقيم التعصب وعدم التسامح وعدم قبول الآخر، وركزت على الجانب السياسى وأهملت الجانب الاجتماعى.. والأستاذة القديرة الدكتورة نجوى الفوال ترى أن رجال السياسية يطلبون من الإعلام أن يقوم بالدور الذى فشلوا فى القيام به فيقوم بما يجب أن تقوم به المؤسسات الأخرى، ولا يدركون أن الإعلام ليس بديلاً عن الأحزاب، أو الحكومة أو المؤسسات الدينية أو المؤسسات التعليمية، وعليهم أن يسألوا أنفسهم قبل الهجوم على الإعلام هل قامت كل هذه المؤسسات بدورها؟
وكان رأى الإعلامى المعروف حافظ الميرازى أن الإعلام الرسمى والحر لم يتغير ولايزال كعادته يؤيد النظام القائم وينتقد النظام السابق، فهو إعلام يسير وراء من يملك القوة ويتولى الحكم، والإعلام كعادته أيضاً مستمر فى الخلط بين الخبر والرأى والتعليق. وهو واقع تحت سيطرة عدد محدود من وكالات الإعلان بما فى ذلك القنوات الحكومية التى لايصح أن تنافس على عائد الإعلانات وتسمح لها بالتأثير على مضمون برامجها مع أن المصدر الأساسى لتمويل هذه القنوات يأتى من دافعى الضرائب والمفروض أن تعمل لصالح البلد وليس لصالح المعلنين، والمفروض - بعد الثورة - أن يحدث تطوير شامل للإعلام ويتخلص من سيطرة رأس المال الخاص وتنتهى العشوائيات الفضائية.. ومع هذه الرؤية أضاف الدكتور على عجوة أستاذ الإعلام أن الإعلام زيّف الواقع قبل الثورة وقدم صورة مغلوطة عن أحوال المجتمع المصرى، وتسبب فى انفجار الشباب نتيجة لهذا التزييف، لأن هذا الإعلام كان إعلام موظفين وليس إعلام مبدعين، إعلام قيادات خاضعين للتوجيهات وليس إعلام مهنيين محترفين، وبعد الثورة لا يمكن الضغط على الأزرار فينصلح حال الإعلام، فقد تربى جيل من الإعلاميين على ألا يكونوا مبدعين ومستقلين.. وفى هذا السياق رأى الدكتور محمد شومان أن الجرعة السياسية المتكررة يوميا وغير المهنية فى الفضائيات تؤدى إلى نوع من الحيرة والسلبية عند الجماهير، والحوارات الجادة هى التى يمكن أن تعمل على رفع درجة الوعى لدى المواطن، لكن أصحاب رأس المال الخاص يسيطرون على بعض القنوات الخاصة لحماية أنفسهم ومصالحهم والتغطية على ملفات الفساد بالتركيز على الموضوعات السياسية.
كل هذا كان فى الجلسة الأولى من المؤتمر. أما الجلسة الثانية فكانت أكثر سخونة ولها حديث آخر، المهم التنبيه إلى أن أساتذة وخبراء البحث الاجتماعى يقدمون تحليلاً علميا للظواهر السلبية فى المجتمع، ومقترحات للإصلاح، والمشكلة أن المسئولية عن التنفيذ فى واد آخر، فهم يتخذون القرارات من رؤوسهم، وبناء على تصوراتهم وانطباعاتهم، أما حكومات الدول المتقدمة فإنها تضع تقارير مراكز الأبحاث أمامها قبل اتخاذ أى قرار وقبل وضع أية سياسة.. هل سنتعلم كيف نستفيد من البحث العلمى ولا نكتفى بوضع مقترحاته على الأرفف؟!
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف