دعـوة إلى عقـلاء الأمـة
ما يجرى على الساحة فى هذه الأيام يستحق وقفة. وهذا هو الوقت الذى يجب أن يتقدم عقلاء الأمة بمبادرة تعيد الأمور إلى نصابها، وتوقف هذا العبث الذى يجرى، دون مراعاة لآثاره على البلد.
وما يجرى يدل على أن هناك فئة تسعى إلى إثارة القلق والتوتر، وتستدعى كل يوم كاميرات الفضائيات العربية والأجنبية لتقدم لها مادة يومية مثيرة تخدم سياساتها. وظـهرت فجأة أقلام تجاوزت الخطوط الحمراء التى تفرضها الأخلاق، ويفرضها القانون، وترتكب كل يوم جرائم قذف وسب كاملة الأركان.
الواضح أنها تريد استفزاز الجميع وعندما يتقدم واحد ممن تنالهم الإساءة إلى القضاء دفاعا عن شرفه وكرامته تعزف (الجوقة) لحنا آخر تنعى فيه ضياع الحريات، وكأن الحرية حق لمن يعتدى على الناس وليست حقا لمن يريد حماية كرامته والدفاع عن نفسه بالطريق الشرعى وبالقانون. وهذه الحالة ليست سوى غوغائية يمكن أن تؤدى إلى ظهور تيار للفاشية، يهدد الحرية باسم الدفاع عنها ويصادر حق الأغلبية بالصوت العالى والمغالطات وخلط الأوراق.
هل يرضى عقلاء الأمة ما يحدث الآن؟
النقد تحول إلى حملات عداء واتهامات.
الرأى تحول إلى شتائم وتحريض.
الكلمات تحولت إلى خناجر مسمومة تطعن الكرامة، وترتكب جريمة اغتيال الشخصية التى يترفع عنها ذوو الأخلاق، وتدخل تحت طائلة القانون فى كل بلاد العالم.
والكلمة تصدر من مسئول تفسر بسوء نية بمعان لم تخطر على بال قائلها.
والحادث أو الخطأ الواحد يتم استغلاله وتضخيمه والتهويل فى وصفه وتحليله فى الفضائيات الأجنبية وبأقلام لا يعرف أحد أهدافها الحقيقية، هل تريد هذه الأقلام هدم كل شىء، وكل إنسان كبير وصغير، أو تريد البناء، وإذا كانت تريد الهدم فما?هو المشروع الذى تعمل فى خدمته، وما هو البديل الذى تريد أن تقدمه؟ أم أن هذه الزوابع هدفها الهدم فقط، ولمجرد الهدم، وليس هناك مشروع أو بديل، فيكون البديل هو الفوضى أو التدخل الأجنبى السافر، فهل هذا هو الهدف الحقيقى وراء كل هذا الذى نسمعه ونقرؤه ونشاهده؟
وكل من يقول كلمة حق لوجه الله وبدافع الضمير الوطنى والحرص على البلد من المخاطر المحيطة والقوى التى تتربص وتنتظر الفرصة للانقضاض، ينبرى له هؤلاء بحملة تجريح، تلفق فيها الاتهامات، وتزور الوقائع، وتقلب الحقائق، وكأن المقصود أن يسكت المخلصون ولا يتحدث إلا المهيجون.
إذا أردنا حياة ديمقراطية فلا يمكن أن تكون فى هذا المناخ، لأنه مناخ ضد الحرية، ويصادر على الحق فى إبداء الرأى. وفى النهاية لا يريد هؤلاء المشاغبون شيئا سوى إثارة أجواء من الانفعال، يريدون خلق درجة عالية من التوتر، وهذا هو منهج الجماعات الفوضوية فى كل زمان ومكان. وربما يعانى بعضهم من عدم وجود فرصة لإثبات الذات فوجدوها فى إثارة الشغب، ولكن عقلاء الأمة لابد أن يعملوا شيئا لوضع حد لهذا العبث، لأن الحياة السياسية والصحفية إذا فقدت الرشد فإن ذلك هو النذير الذى يهدد الحرية والديمقراطية والقيم والقانون، ولابد أن يفيق الذين وقعوا فى شرك الخديعة من الخارج بتصريحات للتحريض أو بأموال للرشوة، وبعد ذلك لن يحصلوا على شىء ممن سخروهم لخدمتهم سوى الندم على ما ارتكبوه فى حق بلادهم. لابد أن يوقف عقلاء الأمة هذا التيار الذى ينفث السموم ويريد تخويف الشرفاء لإبعادهم وضمان سكوتهم على جرائمهم لكى تخلو الساحة للمغامرين والعابثين وأنصارهم من المخدوعين بالشعارات المعسولة.
ولا أحد يجهل طبيعة هذه المرحلة الحساسة، فهى مرحلة تحول كبير نحو مزيد من الديمقراطية والإصلاح الاقتصادى والاجتماعى. وهذه المرحلة لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا بتوحد صفوف المخلصين، ومشاركتهم فى دفع عجلة الإصلاح فى اتجاه تحقيق مصالح الشعب المصرى وحده، وليس تحقيق مصالح قوى أخرى.
وهؤلاء الذين يساعدون على تحقيق مصالح القوى الأخرى لا يمكن اتهامهم بالخيانة، ولكن يمكن اتهامهم بقصر النظر، وبالبحث عن مكاسب شخصية عاجلة على حساب البلد ومستقبله. والدليل على قصر النظر ما يقوله البعض من أنهم يطالبون القوى الخارجية بالتدخل لتحقيق الإصلاح، مادام الإصلاح قد تأخر تحقيقه من الداخل. وهذه دعوة خطيرة، وقائمة على كذبة كبيرة، لأن الإصلاح لم يتوقف، وتعديل المادة 76- كما يقول جميع المسئولين دون استثناء- تفتح الباب لمزيد من الإصلاحات، فهى بداية وليست نهاية، وهى نقطة فاصلة لتغيير النظام السياسى فى مصر وطريقة اختيار رئيس الجمهورية، وبعدها فإن كل تغيير سوف يأتى حتما.
وعقلاء الأمة يعرفون التاريخ، ويتعلمون من دروسه، ولا يكررون أخطاءه. ويعلمون كيف تخدع القوى الأجنبية الشعوب بشعارات وآمال براقة إلى أن تتمكن من السيطرة عليها. القوى الأجنبية تدعى أنها تريد لمصر الديمقراطية والرخاء، من يصدق ذلك؟ من يصدق أن دولة أجنبية يمكن أن تكون أكثر حرصا على مصالح الشعب المصرى أكثر من الشعب المصرى نفسه؟ ولماذا تتعب نفسها من أجلنا؟ ولن ننسى أن الاستعمار والتدخل الأجنبى فى مصر بدأ بهذه الشعارات المخادعة، الاستعمار الفرنسى رفع شعار تحديث مصر، ورفع راية الإسلام، والاستعمار البريطانى جثم على صدورنا وعطل نمونا سبعين عاما وبدأ بادعاء أنه جاء حرصا على مصالح شعب مصر!
عقلاء الأمة يعلمون أن كل دولة تعمل لتحقيق مصالحها، وليس هناك دولة يمكن أن تقوم بدور الحاضنة أو الراعية لدولة أخرى.
وعقلاء الأمة يعلمون أن القوى الأجنبية حين تسعى إلى اختراق بلد لا يمكن أن تدخل سافرة أو تعمل بنفسها، لابد أن تعتمد على أنصار وأعوان وأصدقاء يفتحون لها الأبواب، ويمهدون لها الطريق، ويهيئون لها الجو لكى تدخل بأقنعة الزيف فتجد من يرحب بها ويتعاون معها.
عقلاء الأمة يمكن أن يعيدوا الوعى إلى المخدوعين الذين يجرفهم الحماس إلى العمل ضد أنفسهم وضد بلدهم دون أن يشعروا.
إن الديمقراطية فى مصر لن تتحقق إلا بيد المصريين وبالوسيلة الديمقراطية، وكل خطوة تتم بحسابات الحرص على سلامة وأمن البلد.
ومصر لن يبنيها إلا المصريون، وعليهم أن يوجهوا طاقاتهم للبناء بدلا من تبديدها فى الهدم.
ومصر تسير فى طريق يحتاج إلى تشابك الأيدى، وتقارب العقول، وإخلاص النوايا، وتغليب المصلحة العامة على المصالح والمكاسب الشخصية، والالتفاف تحت علم مصر وليس تحت أى علم آخر، وارتداء (تى شيرت) عليه علم مصر ومصنوع فى مصر ونشتريه بأموالنا، ونلقى (التى شيرت) البرتقالى فى وجه أصحابه، ليخفوا به جرائمهم وانتهاكاتهم فى كل مكان فى العالم.
وليَفِقْ الغافلون ويدركوا أن شعب مصر لن ينخدع بكلمات الحق التى يراد بها باطل، ولن يستجيب لأهل الشقاق والنفاق.
لعنة الله على الداعين إلى الشقاق.
لعنة الله على أهل النفاق.
وليَعْلُ صوت العقلاء الحريصين على البلد ومستقبله، لحمايته من المغامرين.
ومصر فيها عقلاء كثيرون تنتظر منهم أن يتقدموا الصفوف.