دعــوة لكـل المخلصـين
كان خطـاب الرئيس مبارك فى عيد العمال دعوة مفتوحة لكل المخلصين، أصحاب الإرادة القوية، والنوايا الطيبة، لكى يتقدموا الصفوف، ويشاركوا فى عملية الإصلاح بما يقدر عليه كل منهم.. بفكرة بناءة لتحديث مصر.. أو بمشروع منتج لتنمية الموارد.. وبعمل يسهم فى زيادة وتحسين الخدمات.. أو بتقديم رأى يسهم فى إثراء الحوار الديمقراطـى للنهوض بالمؤسسات السياسية والاقتصادية.. وبالإدلاء بالصوت فى الانتخابات لكى تكون النتائج معبرة بحق عن إرادة المصريين.
كان الخطـاب دعوة للتحول من موقف المتفرج إلى موقف المشارك.. ومن الموقف السلبى إلى الموقف الإيجابى، ومن موقف الناقد إلى موقف المشارك بإحساس المسئولية، ومن موقف الوطنية بالكلام إلى موقف الوطنية بالعمل.
ولقد طرح الرئيس رؤيته للعمل الوطنى فى مرحلة الإصلاح والتحديث، وكان فى حديثه واضحا ومحددا. وكل كلمة تعبر عن معنى، وتشير إلى طريق. وقد ترك لكل مصرى أن يختار موقفه، فهذا وقت لا يصلح فيه التردد.. أو انتهازية اللعب على الحبال، أو ترديد الشعارات التى هى مجرد كلمات ليس وراءها عمل. هذا وقت عمل وليس وقت طنطنة بكلمات معسولة وراءها أهواء وأغراض وأهداف خفية.
كان الخطاب يدور حول محور واحد هو: العمل من أجل المستقبل، ولذلك حدد معالم الطريق لبناء مصر على أساس عصرى وديمقراطى وبسواعد وعقول وإرادة أبنائها وحدهم. والمصريون هم الأكثر قدرة على تحديد صورة مستقبلهم ومستقبل بلدهم، وهم الأكثر إخلاصا فى اختيار ما يناسبهم ويتفق مع عقيدتهم، وثقافتهم وطبيعة مجتمعهم.
ركز الرئيس على أهمية الإخلاص فى هذه المرحلة، لأن مصر لن يبنيها سوى المخلصين من أبنائها، وهم بفضل الله الأغلبية الساحقة.. بل إن كل المصريين وطنيون ومخلصون ولا شك فى وطنية أحد ما لم يثبت عليه العكس.
وضع مبارك خطوط الإصلاح:
* الإصلاح السياسى والاقتصادى عملية مستمرة لم ولن تتوقف ولن تتلكأ أبدا.. والإصلاح يسير بإرادة الشعب ولمصلحته. والشعب هو الذى يحدد اتجاه الإصلاح، وخطواته وإيقاعه.
* الأحزاب السياسية لها دور أساسى فى هذه المرحلة عليها أن تدركه جيدا وتعمل لصالح الوطن كله وليس لصالح فئة فى الداخل أو قوة فى الخارج. وعليها أيضا أن تنزل إلى المواطنين وتستلهم منهم معالم الطريق الصحيح للعمل السياسى، وتعد دراسات متعمقة حول القضايا والمشاكل والتطلعات، وتقدم برامج للعمل قابلة للتنفيذ، وقبل ذلك عليها أن تبلور الفلسفة السياسية والاجتماعية لتكون البوصلة فى نشاطها وفكرها..
والحقيقة أن لدينا عددا من الأحزاب قائمة على فكر غامض، وبرامج غير محددة وغير واضحة، وأهداف ليست سوى شعارات لا تكفى لقيادة شعب ووطن، فليس بالشعارات الرنانة والكلمات المعسولة تكون قيادة الأوطان ولدينا أحزاب وصحف ليس لها سوى الرفض والاعتراض وهذا ليس العمل السياسى الذى يسهم فى البناء.
*إن الحوار هو الوسيلة الحضارية الوحيدة للوصول إلى الرأى الصائب الذى يحقق المصلحة العامة، وعندما يكون الهدف هو المصلحة العامة. فإن الحوار لا يمكن أن يتحول إلى تبادل الاتهامات والتشكيك والشائعات، ولا يمكن أن ينزل إلى درجة المساس بالأشخاص وكرامتهم وأقدارهم، ولا يمكن أن يتحول إلى فرصة للضغط أو الابتزاز، أو الرغبة فى الحصول على مكاسب شخصية بأساليب انتهازية لا تتفق مع القيم التى يجب أن يحرص عليها كل من يشارك فى الحوار وفى العملية السياسية الديمقراطية عموما، فالحوار له إطار لا يخرج عنه وإلا أصبح انحرافا عن طريق الصواب، هذا الإطار له سقف هو المصلحة العليا للوطن فوق كل الاعتبارات.
* إن الإصلاح يشمل كل جوانب الحياة، وليس هناك من محاذير أو خطوط حمراء.. تعديل الدستور القائم أو إعداد دستور جديد يتفق مع تطور المجتمع المصرى أمر وارد ويمكن التفكير فيه من الآن، لكى تكون الأفكار والاتجاهات قد تبلورت عندما يبدأ الإعداد لذلك.. تعديل الكثير من التشريعات والقوانين وارد لتحقيق مزيد من الحريات والاستقلال واللامركزية وكلها من ضرورات الإصلاح. ولكل خطوة وقتها المناسب ولا يمكن أن يتم إعداد الدستور والقوانين تحت ضغط الوقت والتسرع فى الإعداد، ولابد من الدراسة المتأنية والإحاطة بما فى الدول المتقدمة وما يتفق مع مجتمعنا، كذلك فإن هناك الكثير مما يحتاج إلى تعديل وإعادة نظر فى جميع المجالات تقريبا وهذا لا يتم فى عجلة.
قضايا كثيرة.. ومشاكل كثيرة.. ومطالب كثيرة.. وكلها تعبر عن نضج الوعى.. وتدل على أن مصر أصبحت دولة كبيرة فيها شعب واع يتطلع إلى المكانة التى يستحقها، وفيها طليعة مثقفة وقادرة على القيادة، ولديها تطلعات مشروعة ولابد من الاستماع إليها والتفاعل مع ما تقدمه من أفكار إيجابية.
ومهما كانت القضايا كثيرة وعاجلة فلا يمكن معالجتها جميعا فى وقت واحد، وإن كانت قد تفجرت كلها فى وقت واحد، فذلك لأن القائد هو الذى ضغط على نقطة الانطلاق، وهى تعديل المادة 76 من الدستور التى أعادت إلى جموع الشعب حقها فى اختيار من يتولى قيادتها بين كل من لديه الرغبة والقدرة على القيام بهذه المسئولية الجسيمة.
فتح كل الملفات فى وقت واحد يدل على أننا فعلا فى بداية مرحلة جديدة، يعود فيها الأمر إلى الشعب ليختار ويقرر، ولكن ليس معنى ذلك أن تعالج كل المسائل فى وقت واحد، فهذا أمر ليس فى طاقة البشر، ولا يتفق مع المنطق.. ولكن الأمر المنطقى أن نتحرك ونعمل ونتقدم وننتهى من ملف لنبدأ العمل فى ملف بعده وهكذا.. والحكمة الصينية القديمة تقول عليك بالقياس عشر مرات قبل أن تستخدم المقص لكيلا تندم بعد ذلك.
وطوال سنوات حكم مبارك كان يستمع إلى صوت الشعب، ويستجيب لإرادته، ويعبر عن أمانيه، لقد كان مبارك دائما ولا يزال من الشعب ومع الشعب.. لم ينفصل عن شعبه لحظة واحدة، ولم يفكر فى نفسه أبدا.. ولم يتسرع فى قرار.. ولم يخدع شعبه على مدى سنوات حكمه على الإطلاق.. وهذا ما يجعل المصريين يشعرون بالاطمئنان مادام هو الذى يتولى القيادة.
وفى خطابه أخذ المبادرة وقرر زيادة الدعم لمساعدة غير القادرين على الحصول على ضرورات حياتهم.. وقرر وضع نظم جديدة للأجور والمعاشات والضمان الاجتماعى، والتأمين الصحى. وقرر حق كل مصرى وكل مصرية فى الحصول على معاش إذا لم يكن له مورد رزق.
لكن الإصلاح لا يتحقق من طرف واحد.. ليس من الواقعية أن يكون مبارك هو الذى يفكر وهو الذى يقرر وهو الذى يعمل وهو الذى يعطى والشعب لا يشاركه فى كل ذلك!. فكيف يمكن تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين إذا لم يسبق ذلك زيادة الإنتاج وتحسين جودته لكى ينافس فى الصراع الكبير من الدول للحصول على نصيب أكبر من الأسواق العالمية؟.. وكيف يمكن الوصول إلى مستوى الدول المتقدمة إذا لم ننجح فى الاندماج فى الاقتصاد العالمى وحركة التجارة العالمية؟.. وكيف يمكن تحقيق الرخاء بدون مشاركة أكبر للقطاع الخاص فى عملية النمو الاقتصادى؟.
ومن المسئول عن حماية البلد من الإرهاب والتطرف؟.
هل مبارك وحده هو المسئول أو أن كل مواطن فى مصر عليه مسئولية، والمسئولية الأكبر على المثقفين والنخبة فى جميع الأحزاب والأطياف السياسية والفكرية؟.
ومن الذى يتصدى لمحاولات إثارة فتنة طائفية لكى يتسلل منها للانقضاض على البلد ويكون الخاسر هو البلد وكل المصريين؟.
المشاركة بالعمل وبالإخلاص هى الباب الملكى للإصلاح وغير ذلك هراء!.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف