التكامـل الأفـريقى هو الحـل
قارة أفريقيا قارة مظلومة، والظـالم هو القوى الكبرى والدول الغنية التى اعتمدت فى نهضتها وتقدمها على نهب ثروات هذه القارة، فازدادت الدول المتقدمة تقدما، وازدادت دول أفريقيا تخلفا، وازدادت الدول الغنية غنى وازدادت دول أفريقيا فقرا.
وفى نفس الوقت فإن أفريقيا تعانى من صراعات وحروب وخلافات بين دول القارة، وبدلا من التعاون فإن هذه الخلافات تزيد من هموم الشعوب الأفريقية ومعاناتها، والنتيجة أن شعوب بعض هذه الدول تعانى من الجوع والعطش ويموت منها عشرات الآلاف كل عام ويهاجر منها عشرات الآلاف عبر الحدود ليعيشوا حياة غير إنسانية.
دول أفريقيا تختنق بالمشاكل التى أصبحت مثل شبكة العنكبوت القاتلة.. الديون الخارجية المتراكمة، وتخلف الزراعة، وتحول الأراضى الزراعية إلى صحارى، ونقص شديد فى البنية الأساسية.. بعض الدول يعيش شعبها بدون كهرباء ومياه نظيفة للشرب.. وبعض الدول تعانى معاناة شديدة من نقص الموانى ووسائل النقل والطرق، ومعظم دول أفريقيا لديها مشاكل مع المؤسسات المالية الدولية وأولها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، ولهما مخطط لا يستهدف مصالح دول أفريقيا ولكن يستهدف مصالح الدول الكبرى التى تهيمن على البنك والصندوق وتسيّرهما وفق إرادتها وأهدافها.
ما الحل؟
الحل الوحيد هو أن تعتمد القارة على نفسها.. أن تستيقظ من هذا السُبات العميق.. أن تدرك كل دولة من الدول الأفريقية أنها لن تستطيع عبور خط الفقر وحدها، ولابد لها من مساعدة كبيرة، وهذه المساعدة الكبيرة لن تأتيها من الخارج إلا مرتبطة بشروط ومطالب تستنزف ما تبقى من ثروات القارة وحرية دولها وكرامة شعوبها.. لن يأتى من الخارج سوى الضغوط والدعوات للإصلاح وفق مواصفات غريبة لا تتفق مع تكوين وتراث شعوب القارة.. ولن يأتى من الخارج سوى المؤامرات لإقامة أنظمة حكم تابعة للقوى العظمى تأتمر بأمرها وتنفذ لها مطالبها وتحمى مصالحها على حساب مصالح الشعوب.
الحل أن يجلس قادة دول أفريقيا معا، ويقرروا أولا: إنهاء خلافاتهم، وتصفية الأجواء، وإقامة حالة من الأمن والاستقرار والسلام تسمح بالإصلاح والتنمية. لأن مشروعات التنمية لا يمكن إقامتها فى ظل القلاقل والحروب والصراعات، سواء كانت هذه المشروعات بتمويل خارجى أو داخلى. وعندما تجتمع الإرادة السياسية للقادة على الاستقرار والأمن فإن العمل يمكن أن يبدأ لإعادة بناء القارة على أسس جديدة تزيل آثار العدوان الأجنبى وتزيل أيضا آثار عدوان الأشقاء والجيران، ويمكن على هذا الأساس تحقيق التعاون الاقتصادى بين دول أفريقيا على أمل أن يتطور حتى يصل إلى مرحلة التكامل الاقتصادى. وفى أفريقيا فرص كثيرة للتنمية.. الأرض.. والمياه.. والثروات الطبيعية من أشجار وثروة حيوانية وبترول ومعادن وأيد عاملة رخيصة.. وفى بعض دول أفريقيا قدرات مالية يمكن أن تسهم فى تمويل مشروعات للتنمية تعود بالنفع على الجانبين، للمستثمر ولأبناء البلد، كما يمكن جذب استثمارات أجنبية عندما يجد المستثمر الأجنبى أن فرصة الربح موجودة وأن المخاطرة بأمواله ليست شديدة.
ولا يمكن أن يكون حل مشاكل أفريقيا بالاعتماد على المساعدات الدولية والتمويل الخارجى فقط، فإن الله لا يساعد من لا يساعد نفسه، وإن كانت الدول الكبرى عليها دين لأفريقيا يجب أن تسدده، وسبق فى بداية القرن عام 2000 أن اجتمع زعماء العالم أجمع وقرروا تقديم مساعدة لدول أفريقيا تمكنها من النهوض واللحاق بالعصر، كما قرروا إسقاط الديون عن الدول الفقيرة، لكن الدول الكبرى لم تنفذ شيئا من وعودها.
هذه هى الخلفية التى جعلت قمة (نيباد) فى شرم الشيخ فى منتهى الأهمية. وتظهر مدى ما قدمته مصر فى الماضى والحاضر من أجل قارتها. وعلى مدى التاريخ فإن مصر هى البوابة لأفريقيا، وأفريقيا هى الظهير الاستراتيجى لمصر، وفى مرحلة كفاح الشعوب الأفريقية ضد الاستعمار والسعى إلى الاستقلال كانت مصر هى السند القوى لكل حركات التحرر الأفريقية.. وعندما بدأ إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية كانت مصر أول المؤسسين والمشاركين فى كل أعمال القمم الأفريقية.. وعندما تحولت المنظمة إلى الاتحاد الأفريقى ساندت مصر المنظمة فى طورها الجديد.. وعندما بدأ إنشاء آلية للتعاون بين دول أفريقيا هدفها تحقيق التنمية فى مختلف المجالات وفى 30 دولة كانت مصر أول من شارك وبقوة فى إنشائها وأعمالها ومشروعاتها.. وهذه الآلية هى التى يسمونها (نيباد) وهذه هى الحروف الأولى من كلمات اسمها بالإنجليزية.
وقد تحقق للدول الأفريقية مشروعات أسهمت فى إصلاح أحوالها بفضل (نيباد) وجاء مؤتمر شرم الشيخ الذى دعا إليه الرئيس مبارك ليضيف خطوات مهمة؛ فقد قررت مصر تقديم جميع المساعدات الفنية فى التدريب والبحث العلمى لخدمة التنمية فى دول القارة، وقد نجحت مبادرة (نيباد) فى تحقيق تقدم فى تسوية النزاعات، وفى بلورة الاتجاهات للإصلاح السياسى، وفى بدء تنفيذ مشروعات للبنية الأساسية.
ويلفت النظر أن قادة أفريقيا أنشأوا آلية اسمها (مراقبة النظراء) تمثل فكرة حضارية، وهى أن تتولى دول أفريقيا مراقبة بعضها البعض فيما تنفذه كل دولة من إصلاحات سياسية للوصول إلى (الحكم الرشيد) وبذلك تبعث دول أفريقيا رسالة إلى الدول الكبرى الساعية إلى الهيمنة بحجة إدخال الديمقراطية والحريات والإصلاحات السياسية، وملخص هذه الرسالة أن دول أفريقيا تعرف طريقها، وترسم لنفسها ما يناسبها من برامج الإصلاح السياسى والاقتصادى، وتخضع بإرادتها لمراقبة دول أفريقية شقيقة لمتابعة تنفيذ هذه الإصلاحات، وبذلك تقطع الطريق على التدخل الأجنبى والضغوط الدولية التى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
ونتيجة للنجاح الذى حققته (نيباد) استطاعت أن تفرض وجودها فى الساحة الدولية، فتلقت دعوة للمشاركة فى حوار مع مجموعة الدول الثمانى الصناعية الكبرى سيعقد فى اسكتلندا فى 8 يوليو القادم، وتلقت وعودا من الدول الكبرى بالاستجابة لمطالبها بإسقاط الديون، وزيادة المساعدات الدولية للتنمية، وإعطاء تسهيلات للصادرات الأفريقية إلى الأسواق العالمية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
على الجانب الآخر جاء لقاء السيدة سوزان مبارك مع قرينات الرؤساء فى إطار حركة سوزان مبارك الدولية للمرأة والسلام، وكان هذا اللقاء مكملا للقاء القادة الأفارقة لأنه تناول أهمية نشر ثقافة السلام ومشاركة المرأة الأفريقية فى الحياة العامة وفى إرساء قواعد السلام، وحماية الطفولة. ولا شك أن الاعتراف بدور المرأة الأفريقية فى التنمية والمشاركة خطوة عظيمة لتقدم دول القارة.
ويبقى أن نأمل أن تثمر هذه الجهود وتعود القارة الأفريقية إلى الساحة الدولية لتحتل المكان اللائق بها، وهذا أمل يمكن تحقيقه.