المستقبل اليوم فى أيدينــــا
لأول مرة فى التاريخ يكون مستقبل مصر والمصريين فى أيديهم وليس فى أيدى غيرهم. لأول مرة يكون المصرى حراً فى اختيار رئيسه بدون ضغط أو تدخل.
إذا تجاوزنا عن الضغوط والرشاوى والوعود الزائفة التى يعلم الله مدى تأثيرها فى نتيجة الانتخابات الرئاسية. فإن الغالبية العظمى من المصريين فى اعتقادى ستمارس الحرية التى فتحت ثورة يناير أبوابها وأعادت إلى الملايين الشعور بالانتماء الوطنى وبالكرامة الشخصية.
ومع هذه الحرية فإن كل مصرى هو المسئول عن النتيجة، وليس من حقه أن يلوم أحداً عن نتائج اختياره إذا أساء الاختيار، ولن يجنى الثمار غيره إذا أحسن الاختيار.
هل سيكون لمصر رئيس يؤمن بالديمقراطية وبالحريات العامة وبحقوق الإنسان أو سيكون الرئيس مؤمنا بالحكم الشمولى وتقييد الحريات تحت شعارات ومخاوف زائفة لمجرد حماية نفسه وضمان إخفاء أخطائه عن العيون؟.. هل ينحاز الرئيس القادم للفقراء أو سيكون منحازا للأغنياء بنفس الحجة التى كانت السبب فى اندلاع الثورة وهى أن أصحاب الأموال هم القادرون على توليد الأموال، أما الفقراء فإنهم يستهلكون ويأكلون وليس لديهم ما يدخلهم فى زمرة المستثمرين؟
وهل يؤمن الرئيس القادم بوحدة الشعب المصرى برجاله ونسائه، ومسلميه وأقباطه، بمواطنى بحرى وقبلى والصحراء؟ وهل يؤمن بحرية العقيدة وحرية الفكر أو يعتبر من يخالفه خائنا وعميلا ومنحرفا ويطارده، وربما يسجنه بقوانين جائرة؟ وهل يؤمن بأن مصر لا حياة لها إلا بانتمائها العربى ويسعى إلى التقارب، ثم التكامل بين البلاد العربية التى يجمعنا بها التاريخ والمستقبل، والمصالح المشتركة، والأخطار المشتركة، والثقافة المشتركة؟ أو سيقول مصر أولاً أو يفكر فى التعجل بالخروج بمصر من الدائرة العربية، دائرة حياتها الأساسية.. إلى دائرة أخرى؟ هل يكون رئيسا يؤمن حقيقة بالعدل وبالحرية وينعكس ذلك فى قوانين وإجراءات وسياسات أو سيكتفى بالخطب والوعود وتكرار الحديث عن إيمانه بالعدل والحرية دون أن يحقق ذلك على الأرض؟
***
هل سيكون الرئيس الذى نختاره مدركا لجوهر الشخصية المصرية، وأهمية مصر كدولة محورية عليها مسئوليات تجاه أشقائها، ومسئوليات تجاه حماية استقلال الإرادة ويستوعب دروس التاريخ ومعاركه ضد الاحتلال والنفوذ الأجنبى منذ عهد محمد على فى العصر الحديث وحتى اليوم أو سيجعل اعتبارات مصالحه وحماية حكمه فوق الاعتبارات الوطنية؟ وهل سيكون واعيا بالتاريخ المصرى القديم والحديث وما فيه من أمجاد وانتصارات وهزائم أدت إلى تغلغل مشاعر الكرامة الوطنية والكرامة الشخصية لدى كل مصرى مهما كانت مكانته فى أعلى أو فى أدنى السلم الاجتماعى؟
وهل يؤمن باستقلال القضاء إيمانا حقيقيا، ولا يتدخل فى شأن من شئون القضاء بشكل مباشر أو غير مباشر؟ وهل يؤمن باستقلال المؤسسات والفصل بينها وأن دوره فقط أن يكون الحكم بين السلطات وليس فوق المؤسسات.. ويؤمن بتوزيع السلطة، والتفويض ببعض اختصاصاته، ولا يضيق بتعدد الآراء أو تعداد مراكز القوة فى المجتمع، ولا يعتبر نفسه هو صاحب الرأى الرشيد فى كل موضوع صغير أو كبير، ويدع الناس ليشاركوا فى الحكم وفى القرار، ويقرروا لأنفسهم؟
***
إن البحث عن تاريخ الرئيس القادم ضرورى ليس لبناء الرأى فيه على أساس أقواله، فكل الناس قالوا قصائد وأمطرونا بالوعود التى لو نفذوا نصفها أو حتى ربعها لأصبحت مصر مثل أمريكا.. البحث عن ماضى الرجل يجب أن يكون عن أفعاله وتصرفاته طوال فترة حياته، ومن المهم أن يكون واسع الصدر يستمع إلى آراء المخالفين لرأيه دون أن يتهم من يخالفه ويعمل على حرق المعارضين وتصفيتهم لتخلو له الساحة هو وحاشيته.. البلد يحتاج إلى الرئيس الذى يلتمس الرأى والنصيحة ولا يعمل وحده، ولكن يعمل من خلال مؤسسات ومجالس وهيئة مستشارين من ذوى الكفاءة والخبرة وليسوا من أصحاب الطاعة والولاء.. ويتعامل بحكمة ولا يندفع تحت الضغوط إلى قول أو عمل يندم عليه، ويكلفنا بسببه ثمنا غاليا، وتكون لديه رؤية واضحة لما يمكن تحقيقه خلال فترة حكمه ولا يجرى وراء أهداف خيالية مستحيلة التحقيق، ولا يدخل بنا فى معارك لا لزوم لها ويكون شغله الشاغل كسب الأصدقاء لمصر من دول العالم وليس كسب الخصوم أو الأعداء لها، وتكون لديه ثقة بالنفس، ويكون صاحب قرار ولا يتخذ قرارا إلا بعد دراسة واختيار بين بدائل ومعرفة لنتائج وتداعيات كل منها، ويكون قادرا على إدارة الأزمات، ولديه القدرة على بث روح الأمل والثقة فيمن حوله وفى الشعب كله، لأنه بدون التفاؤل والأمل والثقة لا يمكن تحقيق التقدم، وتكون شخصيته مقنعة للعالم بحيث يتعامل معه رؤساء الدول على قدم المساواة، وينجح فى مد الجسور مع المؤسسات الدولية ومؤسسات الاستثمار العالمية.
والأهم من كل ذلك أن يكون مدركا - وقابلا - بأن منصب الرئيس ليس تمليكا، وأن الإقامة فى القصر الجمهورى واستخدام الطائرة الرئاسية والاستمتاع بالمنتجعات الصيفية والشتوية ليست امتيازات لشخصه ولكنها امتيازات لمن يشغل هذا المنصب الرفيع، وبالتالى يكون مستعدا للخروج من القصر الجمهورى بهدوء ويسلم السلطة سلميا لمن يفوز فى الانتخابات بعد انتهاء ولايته.
لو تحقق الحلم، وكان لمصر هذا الرئيس فسوف يدخل هو التاريخ، وسوف يحقق المصريون أحلامهم.
هل سيتحقق الحلم.. أو سنظل ننتظر تحقيقه؟!