كيف نختار رئيسنا؟
من حيث المبدأ.. كل شعب يختار الحاكم الذى يستحقه، والحكمة القديمة تقول: كما تكونوا يولى عليكم.. وكل مصرى سيشارك فى تشكيل صورة مستقبل بلده، من خلال صوته فى انتخابات الرئاسة. لذلك فعليه أن يفكر عشر مرات قبل أن يقرر لمن سيعطى صوته، وعليه أن يدرك أنه مسئول عن اختياره، وعليه أن يكون مستعدا لتحمل المسئولية إذا أساء الاختيار ولا يلقى بالمسئولية على غيره، فهذا الاختيار سيحدد مستقبل البلد فى السنوات الأربع القادمة وربما لما بعد ذلك.
ومن حيث المبدأ فليست كل الوعود التى يقدمها كل مرشح، سوف يستطيع تنفيذها كلها، مع افتراض حُسن النية والإخلاص فى الرغبة فى الوفاء بها، لأن الوعود التى أغدق علينا بها كل مرشح تفوق طاقة رئيس واحد فى فترة رئاسة واحدة أو حتى فى فترتين، وأحد المرشحين أعلن أن لديه مشروع يستغرق تنفيذه 16 سنة، مما يعنى أنه إذا وصل إلى الرئاسة فلن يتركها إلا بعد أن يستكمل تنفيذ مشروعه (!).
ومن حيث المبدأ، لابد أن نوطّن أنفسنا على أنه من الصعب تلبية جميع المطالب على الفور، فكل شىء فى الحياة، لا يمكن أن يتم إلا فى الزمن، كل عمل يحتاج إلى زمن للإعداد وللتنفيذ ثم لجنى الثمار، وما يمكن أن يعطيه الرئيس للمصريين يتوقف على ما يعطيه المصريون لبلدهم من عمل وإخلاص.. كذلك فإن القضاء على دولة الفساد لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة، لأن دولة الفساد ترسخت ولها أعوان وأنصار ولها أبواق ومنتفعون، ولديهم من القدرة على التلون ما يجعلهم قادرين على التعامل مع كل الظروف، والقفز على الصفوف الأولى فى كل زمن، ولا يستبعد أن يكون منهم من تسلل إلى صفوف الثوار ليغيروا مسار الثورة فى الوقت المناسب، إلى الاتجاه الذى يحقق مصالحهم واستمرار اغتصابهم لأموال وممتلكات الشعب..
صحيح أننا بعد 18 شهرا وأكثر لم تتحقق خطوات كافية فى اتجاه العدالة الاجتماعية، على الرغم من أن هذا هو الهدف الرئيسى للثورة مع الحرية والكرامة.. ولكن الطريق إلى العدالة الاجتماعية، يمكن أن نسير عليه بخطوات واثقة عندما نستكمل بناء معوقات الدولة.. الرئاسة، والدستور والبرلمان، وتكتمل سلطات الدولة، وعندما يكون لدينا دستور سنعرف إلى أين نسير، وما هو الصواب وما هو الخطأ، لأن الدستور هو العقد الاجتماعى الذى يحدد العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويضع الحدود لكل سلطة، ويحدد الحقوق والواجبات لكل مواطن، ويحدد الإطار الذى يجب أن تصدر القوانين وفقا له، ويرسم لنا كيف نحقق العدل والكرامة والحرية، وكيف نقيم دولة القانون، ويوجب الفصل بين السلطات، وصحيح أن رئيس الجمهورية ليس هو الذى سيضع الدستور، وليس له - فى الظاهر - حق التدخل فى أعمال لجنة إعداد الدستور، ولكنه بحكم الواقع وجريا على السوابق، فإن الرئيس له تأثيره فى وضع الدستور، ولذلك فلابد أن نضع فى اعتبارنا أن «لون» الرئيس سوف ينعكس فى مواد الدستور: هل سيكرس الحرية والديمقراطية أو سيفتح الطريق أمام ديكتاتورية جديدة بشكل مختلف؟.. علينا أن نختار الرئيس الذى يساعد على أن تعكس مواد الدستور مطالب الثورة، وخصوصا الحقوق الاجتماعية والسياسية. علينا أن نختار رئيسا يقبل أن يمارس سلطة مقيدة وليست سلطة مطلقة، ولا يكون رئيسا للمجلس الأعلى للقوات - ويكفى أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة - ولا يكون رئيسا للمجلس الأعلى للهيئات القضائية، ورئيسا للمجلس الأعلى للشرطة، ويقبل سلطات متوازنة، سلطات حقيقية ولكنها ليست مطلقة، ولابد أن يقبل أن رئيس الجمهورية يخضع للمحاسبة وتمكن محاكمته، وكل سلطة تقابله مسئولية ومساءلة.
???
مصر الآن تحتاج إلى رئيس يؤمن بالثورة، ويؤمن بضرورة التغيير وأن الإرادة الشعبية فى مصر أصبحت أقوى من أن تخضع أو يمكن خداعها، لذلك نريد رئيسا صادقا مع نفسه ومع الناس، مدركا لحجم المخاطر التى تحيط بالبلاد وتهدد أمنها القومى وقادراً على التعامل مع مصادر التهديد الخارجية والداخلية بكفاءة وحسم، ويدرك أن أحوال مصر لن تعود إلى ما كانت عليه، لأن الشعب استيقظ واسترد إرادته..
نختار الرئيس الذى يفتح الأبواب والنوافذ ولا يغلقها، ويقدر أهمية الفن والثقافة والفكر، وأهمية حرية المفكرين والمبدعين، وأهمية حرية الصحافة، ويتقبل النقد لشخصه ولقراراته ومواقفه، دون أن يعتبر ذلك خيانة للوطن وعمالة لأطراف أجنبية.. نريد رئيسا يحترم الإنسان المصرى باعتباره شريكا وليس باعتباره واحدا من الرعايا.. له الحق فى إبداء الرأى دون خوف أو تهديد أو ملاحقة، ودون أن يكون معرضا للاعتقال أو التعذيب أو الاختفاء، دون أن يعرف أحد أين هو؟.. نريد رئيسا يدرك أنه لا يمكن أن تكون الدولة المصرية دولة بوليسية بعد اليوم.. وأن البوليس له اختصاصات تتعلق بأمن المواطن وحمايته وحماية ممتلكاته ولا يملك الحق فى التسلط أو التدخل فى الحياة السياسية والفكرية أو تعقب المواطنين فى حياتهم الخاصة.. نريد رئيسا يؤمن بحماية الحياة الخاصة للمواطن، وحماية حرمة المسكن، ولا يسمح بالتنصت على المكالمات التليفونية، بدون إذن النيابة ولضرورة تقتضيها التحقيقات فى اتهامات جدية.
لا نريد رئيسا يتدخل فى كل صغيرة وكبيرة ولا يتم عمل إلا بناء على توجيهاته، وتظل أجهزة الدولة فى حالة انتظار دائم لهذه التوجيهات، نريد الرئيس الذى يفوض بعض اختصاصاته لمن يليه، ويترك مساحة للحركة الغائبة، ويستعين بعدد من الشباب ذوى الكفاءات لإعدادهم للقيادة فى المستقبل، ويفتح الطريق للشباب للعمل والاستفادة من قدراتهم وطاقاتهم بدلا من إهدارها وتهميش أصحاب الكفاءة..
هل يمكن أن تفكر جيدا، قبل أن تقرر لِمَنْ ستعطى صوتك، وتصور أن مستقبلك، ومستقبل أولادك وربما أيضاً مستقبل أحفادك سيتضرر بناء على اختيارك.. لا أقول لك مَنْ الذى يجب أن تختار، ولكن أقول: فكر جيداً واعلم أنه لن يكون أمامنا فرصة للعدول عن اختيارنا.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف