مَنْ الرئيـس القــــادم؟
مثل كل المصريين قضيت الأيام الماضية استمع وأشارك فى حوارات تدور كلها حول سؤال: من سنختار.. مرشح من النظام السابق أم مرشح من الاخوان حتى وصلت إلى درجة يكاد فيها رأسى ينفجر كما حدث لكثير غيرى.
قال لى صديق: هل قرأت ما كتبه الأستاذ أحمد رجب، إنه قال إن لم يعد أمامنا غير شفيق ومرسى كيف أختار مرشحا لم تثق فيه جماعته بالدرجة الأولى فرشحته بديلا للشاطر اذا تعذر ترشيحه ليس أمامى إلا شفيق..
وقال لى صديق آخر: هل سمعت ماقاله شيخ المشايخ فى التيار الاسلامى الشيخ محمد عبد المقصود: إن الذى يختار محمد مرسى يختار الشريعة ومن يختار غيره فهو رافض للشريعة. قلت: وهل حدد لنا ماهى الشريعة فى مفهومه فكل فريق وجماعة اسلامية لها مفهوم مختلف عن الشريعة وإطلاق الكلمة هكذا غامضة ومبهمة لا يطمئن وأظن أن الواجب على كل من يتحدث عن الشريعة أن يقول لنا إنه يقصد كذا وكذا وكذا لأن الشريعة هى الفقه والفقه اجتهاد بشرى وفيه اختلافات بين الفرق والمذاهب فقل لنا يامولانا ماذا تقصد بتطبيق الشريعة؟ هل هى قطع اليد والأذن؟ هل هى العداء لغير المسلم؟ هل هى حرمان المرأة من حقوق الانسان الذى كرمه الله؟ هل هى فرض ملابس معينة على المسلمين لم يرد بها نص فى الكتاب أو السنة؟ هل هى فى استسهال اصدار الفتوى بأن هذا حرام وهذا حرام؟ واستعمال الفتوى بأن هذا كافر وهذا منكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة؟ فى فرض «شريعة» المسلمين؟ واذا كانت كذلك فهل توافق على أن يفرض على غير المسلمين شريعة غير الشريعة الإسلامية من باب «المعاملة بالمثل» فى البلاد غير الإسلامية وكل أصحاب شريعة يرون أن شريعتهم هى الحق وغيرها هى الباطل!
***
الدكتور إبراهيم نصر الدين استاذ العلوم السياسية يقول لنا إن المشروع الاسلامى فى السودان انتهى بوقوف جميع الدول ضد السودان وبنظرة متشائمة يرى الدكتور نصر الدين أن وصول الاسلاميين لمقعد الرئاسة قد ينتهى بتقسيم مصر، والذين يقولون إنهم سيعيدون تطبيق نظام دولة المدينة لايدركون أن السياسة متغيرة واذا كنا نتحدث عن فصل الدين عن السياسة فلا يعنى ذلك فصل الدين عن حياة الناس، والكارثة أن التيار الدينى يقسم المصريين إلى مؤمنين وكفار، واذا فاز الاسلاميون فسيتعاملون بمنطق الغنائم، وستكون كل المناصب وميزانية الدولة فى أيديهم وسيتمسكون بالحكم إلى الأبد ولن يقبلوا أبدا بتداول السلطة لأن عقيدتهم لا تؤمن بذلك ولديهم إيمان بأن السلطة من حقهم وحدهم لأنهم هم المؤمنون حقا، وهم الأعلم بالشريعة وهم الأقدر على تطبيقها وإذا تخلوا عن الحكم فكأنهم تخلوا عن الشريعة(!).
ويضرب لنا اساتذة العلوم السياسية الأمثلة.. ماجرى من خراب فى الصومال وباكستان وافغانستان والعراق وكلها تعرضت للتدمير نتيجة وصول الاسلاميين فيها للحكم ويضيف اساتذة العلوم السياسية إلى ذلك أنهم يتوقعون فى حالة وصول الاسلاميين للحكم أن تسوء العلاقات مع الغرب ومع دول حوض النيل، ولذلك يجب أن نفكر بمفهوم الدولة الوطنية وليس الدولة الدينية التى ستؤدى إلى أزمات فى الداخل والخارج. وتذكروا أن الاسلاميين لا يعترفون بأى دستور ودائما يرددون: القرآن دستورنا والقرآن عقيدة وليس كتابا خاصا بنظام الحكم.
***
عندما تزوج ابنتك تختار لها شابا يعرف كيف يحسن معاملتها ويكفل لها حياة كريمة، وعندما تختار شيخ الجامع تختاره حافظا للقرآن ودارساً لعلوم التفسير والحديث والفقه وعالما بالأحكام الشرعية.. ولكن عندما تختار رئيسا لحكم البلاد فإنك تختاره لقدراته القيادية ولقدرته على أن يكون رئيسا لكل المصريين ويتعامل مع المختلفين معه والمعارضين دون اقصائهم أو اتهامهم فى دينهم أو وطنيتهم. ولا يضيق بالنقد لشخصه أو لقدراته وسياساته ولا يعتبر النقد تطاولا أو خروجا على الحدود الأدبية أو جريمة فى حق الوطن.. معهم أن يكون هذا الرئيس مدركا لمبدأ تداول السلطة وقابلا لفكرة انه اليوم الرئيس ولا يكون كذلك بعد فترة رئاسة ، ويفعل كما فعل الرئيس الفرنسى السابق ساركوزى بعد أن فشل فى الانتخابات الرئاسية ونجح خصمه «أولاند» فأعلن على الفور قبوله للنتيجة واحترامه لارادة الناخبين وخرج من قصر الاليزيه بدون اللجاجة أو مماحكة، وقال: هذه هى الديمقراطية والشعب هو الذى يختار ويجب أن نحترم اختياره هل يمكن أن يكون لدينا من يتصرف هكذا ويقبل أن يخرج من القصر الجمهورى بعد انتخابات حرة فعلا ونزيهة فعلا؟ ثم إن الرئيس يجب ألا يسلم قياده للدوائر المحيطة به، ولا يتلقى الوحى والتعليمات من مصدر خارج دائرة الحكم.. ويستشير كل من له رأى وينفتح على جميع التيارات والآراء ويطلب ان تعرض عليه بدائل لكل قرار ولكن فى النهاية يكون قادرا على الوصول إلى القرار الصحيح الذى يحقق مصلحة الشعب وليس مصلحة فئة أو جماعة أو يحقق مصلحته هو ومصلحة أتباعه نحتاج إلى رئيس لا يقوم بدور فرعون ويدرك ان الشعب هو الذى اختاره والشعب يملك أن ينهى حكمه بالانتخابات والشعب هو الذى يدفع راتبه، وله الحق فى أن يحاسبه ويحاكمه كذلك اذا لزم الأمر.. لا تحتاج مصر إلى فرعون ولكن تحتاج إلى رئيس، ولا تحتاج مصر إلى زعيم ملهم فقد تعبت من الزعماء الملهمين وذاقت على أيديهم الويل..
من ستختار اذن؟
انت حر!!
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف