أشهر قضايا البهائية
أشهر قضايا البهائية كانت فى إيران فقد أصدرت المحاكم الجنائية فى طهران أحكاما بالإعدام على معتنقى البهائية، وأثارت هذه الأحكام ضجة فى الولايات المتحدة إلى حد أن أعلن الرئيس رونالد ريجان بنفسه إدانته لهذه الأحكام وقال إنها ضد حقوق الإنسان، كما صدرت بيانات إدانة من الخارجية الأمريكية ومن المحافل البهائية فى أمريكا، بل من لجنة حقوق الإنسان فى الأمم المتحدة وتضمنت جميع البيانات أن هذه الأحكام تتعارض مع حرية الإنسان فى اختيار الديانة التى يعتنقها.
ولا تقل شهرة عن القضايا الإيرانية القضية التى أصدرت فيها المحكمة الجنائية فى المغرب حكما بإعدام ثلاثة من البهائيين، وبالأشغال الشاقة المؤبدة على خمسة آخرين وبالأشغال الشاقة 15 سنة على شخص سادس، وكان هؤلاء قد شكلوا خلية بهائية فى المغرب وقالت المحكمة فى حكمها إن البهائية عقيدة منحرفة تهدف إلى الإساءة إلى الأديان كما تهدف إلى بلبلة العقول وقلب الحكومات، وقد نشرت (الأهرام) تفاصيل القضية فى يوم 18 ديسمبر 1962.
أما فى مصر فهناك عشرات القضايا التى اهتزت لها مشاعر المصريين وأثارت الرأى العام وكان لها ردود أفعال فى الخارج خصوصا فى أمريكا.
وأشهر هذه القضايا على الإطلاق هى التى عرفت باسم (قضية بيكار) وبدأت فى محكمة جنح قصر النيل فى مايو 1987.
وكانت النيابة قد أمرت بالقبض على 50 شخصا اعترفوا بأنهم يعتنقون البهائية، وكان المتهم الأول فى القضية هو الرسام الشهير حسين بيكار الذى قدم بطاقته العائلية الصادرة من مكتب السجل المدنى فى قسم قصر النيل بتاريخ 6/7/1962، وقرر فى أقواله أمام النيابة إنه الأب الروحى للبهائيين فى مصر والسودان، وأنه مكلف بذلك من اللجنة المشرفة على شئون البهائيين فى العالم، وأنه زار (بيت العدل) فى إسرائيل وهو المقر الرئيسى للبهائية فى العالم.
وقال بيكار فى التحقيقات أيضا إن البهائية ديانة مستقلة، وإنها رسالة سماوية تؤلف بين البشر من جميع الأديان، وإن فيها ما يؤكد ظهور إله جديد هو ما نعتقد أنه بهاء الله، وإن دعوة (بهاء الله) هى توحيد الديانات فى دين واحد هو البهائية، وأحكام الشريعة البهائية تطبق من خلال نظام إدارى هرمى قاعدته المحافل المحلية التى تنشأ فى المدن وكل محفل مكون من تسعة على الأقل من البهائيين، وهناك المحفل البهائى المركزى فى كل دولة، ثم يوجد رأس التنظيم فى (بيت العدل) فى حيفا فى إسرائيل، وهو يتكون من 19 عضوا منتخبين من المحافل المركزية فى الدول المختلفة، وكانت الدورة الأولى للمحفل المركزى فيها أربعة من الأمريكيين، واثنان من البريطانيين وثلاثة من الإيرانيين والباقى من جنسيات مختلفة، وتعقد المحافل البهائية اجتماعاتها الرسمية فى أعياد البهائيين، وتقام فيها مراسم زواج وطلاق البهائيين، وتجمع التبرعات من القادرين، وتُقدم المساعدات للمحتاجين وتقوم المحافل المركزية بالإضافة إلى ذلك بطبع الكتب والنشرات التى تحوى تنظيمات وأحكام (الشريعة) البهائية!.
وقدمت النيابة إلى المحكمة تسجيلات صوتية لاجتماعات هذه المجموعة فى منازل عدة منها منزل بيكار، ومنزل شخص يدعى أمين الله أبو الفتوح بطاح، ومنزل والدته، ومنزل شخص اسمه هنرى حليم جرجس، ومنزل محمد على شيرازى، وفى هذه الاجتماعات كانت المجموعة تقرأ المناجاة الخاصة بالبهائيين، وهى الأدعية التى يؤمنون بأنها نزلت من حضرة بهاء الله كما كانوا يقرأون فقرات من (كتاب الأقدس) وهو بمنزلة القرآن عند المسلمين والأنجيل عند المسيحيين والتوراة عند اليهود.
وقدمت النيابة أيضا مجموعة من الكتب والأوراق الخاصة التى تم ضبطها فى مقر الجماعة.. وجاء فى أقوال الفنان بيكار: إن البهائية حلقة من سلسلة الرسالات السماوية بدءا من آدم إلى أن يشاء الله، والبهائية تنسخ ما قبلها من رسالات، وهى الرسالة السماوية التى تنتظرها جميع الأديان، فاليهود ينتظرون ظهور (جيسيه)، والنصارى ينتظرون عودة المسيح، والمسلمون ينتظرون (المهدى المنتظر). والبهائية هى الرسالة التى ينتظرونها.
وقد بدأت عام 1844 ميلادية على يد (الباب) أى الشخص المؤدى إلى الله، وقد بشر بمجىء موعود آخر ليضع أساس الديانة الجديدة لكى يسير العالم عليها.. وقال أيضا: (نحن نعتبر البهاء رسول العصر الذى أتى ليصحح المفاهيم العقائدية فى مختلف الطوائف).
وجاء فى أقوال بيكار أيضا: إننى حضرت للقاهرة عام 1928 ودخلت المحافل وعمرى 28 سنة وهى تضم مسلمين ومسيحيين يأتون بأدلة من القرآن والكتاب المقدس تؤكد ظهور (بهاء الله) وأن (بهاء الله) هو الظهور الإلهى بعد محمد (صلى الله عليه وسلم) وأن من يكفر ببهاء الله يكون كافرا بكل الأديان.
وقال إنه انتخب نائبا لرئيس المحفل المركزى لمصر والسودان وشمال أفريقيا إلى أن منع نشاط البهائية بقرار بقانون سنة 1960 وكان لابد أن تعقد البهائية اجتماعات للمحفل فحولوها إلى زيارات بينهم كأصحاب عقيدة وقال: (.. وكان طبيعيا أن نتزوج من بعضنا دون النظر إلى الديانة وكنا نقرأ المناجاة الخاصة بالبهائيين وهى عبارة عن الأدعية التى نزلها حضرة بهاء الله. ونقرأ فى كتاب الأقدس الذى تجمعت فيه الأحكام البهائية وهى منزلة على بهاء الله من الله سبحانه وتعالى، وأما (الألواح) فهو كتاب مقدس يضم خطابات كان يكتبها بهاء الله تتضمن مبادئه وتعاليمه ونصائحه، والكتابان هما مصادر التشريع فى البهائية.
وشرح بيكار فى تحقيقات النيابة تفاصيل الشعائر البهائية وأحكام الصلاة، والحج، والزواج، والميراث والمزارات المقدسة، والتقويم السنوى والشهرى والأسبوعى.
وكانت التهمة التى وجهتها النيابة إلى هذه المجموعة هى (إدارة جماعة الغرض منها مناهضة المبادئ الأساسية التى يقوم عليها نظام الحكم فى البلاد والترويج لأفكار متطرفة. وأرفقت النيابة بأوراق القضية تقريرا من الدكتور الحسينى هاشم وكيل الأزهر إلى المستشار رجاء العربى النائب العام جاء فيه أن جميع الفتاوى من مشيخة الأزهر التى صدرت منذ عهد المرحوم الإمام الأكبر الشيخ خضر حسين تقضى بتكفير هذه الجماعة لقولها إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) ليس آخر الأنبياء، وإنكارهم ما جاء فى القرآن بل قولهم بإلغائه وهذا كفر صريح.. وحشد التقرير الأدلة على فساد عقيدة البهائية، وأرفقت النيابة بيان لجنة الفتوى بالأزهر الذى قرر أن البهائية مذهب باطل ليس من الإسلام أو المسيحية أو اليهودية يدعى أنه ناسخ لجميع الأديان.
وصدر الحكم من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بحبس عدد من المتهمين- بينهم بيكار- ثلاث سنوات مع الشغل وكفالة ألف جنيه لكل منهم لوقف التنفيذ. واستندت المحكمة إلى اعترافات المتهمين والتسجيلات التى قدمتها النيابة والكتب والأوراق والخطابات التى ضبطت فى حوزتهم، كما استندت إلى القانون رقم 263 لسنة 1960 الذى يقضى بحل جميع المحافل البهائية ومراكزها ووقف نشاطها، ومعاقبة المخالف بالحبس ستة أشهر على الأقل وغرامة لا تتجاوز مائة جنيه أو بإحدى العقوبتين. وقالت المحكمة إن المتهمين تحايلوا على القانون فقاموا بعقد اجتماعات دورية سرية مرة كل تسعة عشر يوما فى منازل بعضهم بقصد مباشرة نشاطهم مما يعنى استمرار نشاطهم البهائى. وحيث إن الجريمة ثابتة باعتراف المتهمين فقد حكمت المحكمة بإدانتهم.
أثارت هذه القضية ضجة كبيرة وأفردت لها (الأخبار) صفحات وكتب الأستاذ مصطفى أمين فى عموده الشهير (فكرة) يدافع عن الحرية الدينية. وفى نفس الوقت استأنف المتهمون الحكم فأصدرت حكمها بالبراءة للجميع، وجاء فى حيثيات الحكم أنه ثبت يقينا من أقوال المتهمين ومن التحقيقات أن أيا منهم لم يباشر نشاط المحافل المنحلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون 263 لسنة 1960، وان الضيافات التى تعقدها هى زيارات منزلية، لا ترقى إلى مرتبة النشاط المحفلى المنظم، ولم تتبين المحكمة من الأوراق ما يدل على وجود هيكل إدارى أو نشاطات معينة تهدف إلى إحياء المحافل البهائية، كما لم يثبت من الأوراق أن أحدا من المتهمين يبشر بعقيدته أو يدعو إليها الآخرين، الأمر الذى يجعل الحكم الصادر بإدانتهم غير قائم على سند من الواقع. ولذلك تقضى المحكمة ببراءتهم لعدم كفاية الأدلة ولم تتعرض المحكمة للعقيدة البهائية.
طبعا أثار حكم الاستئناف الرأى العام أكثر من حكم الإدانة وانقسم رأى القانونيين بين مؤيد ومعارض.. وكتب الأستاذ مصطفى أمين يشيد بالحكم باعتباره انتصارا للحرية الدينية.
ومن الواضح أن هذا الحكم لم يتعرض للعقيدة البهائية ولم يناقش هل هى ديانة أو هى عقيدة فاسدة كما يقرر الأزهر، ولكنه تعرض لشىء واحد هو هل هذه الاجتماعات تمثل نشاطا لمحفل أو مركز بهائى أو أنها اجتماعات يعقدها بهائيون ليتدارسوا عقيدتهم، والقانون منع المحافل والمراكز والنشاط البهائى ولكنه لم يمنع الناس من اعتناقها، لأن أمور الاعتقاد فى القلب والضمير ولا حساب على ما فى الضمائر، ولكن الحساب على خروج هذا الاعتقاد من دائرة الإيمان إلى دائرة العمل والدعوة والتنظيمات..
على أية حال.. هذه وجهة نظر.. وهناك من يخالفها.
ولايزال فى قصص المحاكم ما يستحق العودة إليه.