هل الإسلام فى موقف الدفاع ؟
موقفان متعارضان فى كيفية التعامل مع الإهانات التى يشعر بها المسلمون فى أنحاء العالم نتيجة لنشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم ولدين الإسلام. موقف يمثله عمرو خالد هو الذهاب على رأس وفد من علماء المسلمين إلى الدانمارك لإجراء حوارات لشرح حقائق الإسلام والرد على الاتهامات الموجهة إليه.. وموقف آخر على النقيض يمثله الشيخ يوسف القرضاوى يرفض الذهاب ويرى أن واجب المسلمين أن يستمروا فى هذه الانتفاضة للتعبير عن الغضب والانتصار لدينهم وإظـهار الغيرة عليه.
وكل موقف لديه مبررات عقلية وشرعية وله أنصار ومؤيدون، أيهما على صواب، وأيهما خطـأ.. هذا سؤال يحتاج إلى تفكير.ونحن نذكر انتفاضة إسلامية سابقة فى منتصف العام الماضى حين نشرت الصحف الأمريكية بعض الجرائم التى ترتكب ضد المسلمين والإسلام فى معتقل جوانتانامو الأمريكى، ومن هذه الاعتداءات تدنيس القرآن بالقاذورات ودهس الجنود الأمريكيين المصحف بأقدامهم، وتكررت الكتابات فى الصحافة الغربية تستنكر رد فعل المسلمين من المغرب إلى ماليزيا والفلبين وأندونيسيا، حتى أن صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية كتبت افتتاحية أول يونيو 2005 بعنوان (ازدراء الغرب للدين) قالت فيها إن حدة الغضب جعلت الغرب يتساءل بتعجب: (ماذا أصاب هذه المجتمعات؟ وكيف يمكن لحادثة صغيرة مثل تدنيس القرآن أن تثير كل هذا الغضب؟).
ومثل هذه التعليقات تعكس طبيعة المشكلة بين العالم الإسلامى والغرب العلمانى الذى لا يمكن أن يتفهم مدى ارتباط المسلمين بعقيدتهم وغيرتهم عليها واستعدادهم للموت دفاعا عنها، فالمسلمون يعيشون طول الوقت فى علاقة مع الله فى كل أعمالهم، أما الغرب فإن معظم أهله لا يعرفون هذه المبالغة فى القداسة للمعتقدات والنصوص والرموز والشخصيات الدينية، فما يعتبره المسلمون مقدسا لا ينظر إليه الغرب على أنه مقدس. والتيار السائد هو اعتبار التدين شأناً خاصاً بالفرد يجب ألا يتعدى فكره وقلبه وجدران مكان العبادة، وليس للدين دخل فى شئون الحياة اليومية والعلاقات والأحكام التى تحكم سلوك الفرد.. وهذه هى الحرية الفردية كما يفهمها الغرب.. أنت حر.. وليس لأحد عليك سلطان سوى القانون.. تؤمن أو لا تؤمن أنت حر.. وأنت أيضاً حر فى اختيار الدين أو العقيدة التى تؤمن بها مادمت لا تؤذى غيرك ولا تعتدى على الآخرين..
فك الارتباط بين الدين والحياة، وبين الدين والدولة فى الغرب جاء رد فعل على طغيان الكنيسة خلال قرون الظلام والتخلف كما يطلقون على قرون ما قبل عصر النهضة. كانت الكنيسة معادية للعقل وللبحث العلمى وللتفكير وللمعرفة بشكل عام، وكانت سيطرة الكنيسة على العقول وعلى مقاليد الأمور، ومحاكم التفتيش التى كانت تحكم على كل صاحب رأى بالإعدام بتهمة الزندقة والتحريف.. وانتهى بها الأمر إلى فرض الجمود على الحياة وعلى العقول، وإلى طرد أعداد كبيرة من رحمة الله- أى من الكنيسة- ولا يزال فى الذاكرة صكوك الغفران التى كانت تمنحها الكنيسة لمن يدفع الثمن لكى يضمن دخول الجنة بتصريح من البطاركة! وحتى اليوم لا يزال الانفصال قائما. فقد تجد فى الغرب من يذهب إلى الكنيسة يوم الأحد، ولكنه لا يشعر بالانزعاج عندما يقرأ بحثا فى نقد نصوص الكتاب المقدس ومعارضتها كلها أو بعضها، ولا يتعجب عندما يجد أفلاما ومقالات وكتبا تسخر من الأنبياء أو من الديانات، ولا يغضب عندما يشاهد (مادونا) وهى ترقص شبه عارية فى حركات جنسية مثيرة وهى تضع على صدرها الصليب (!) وحتى عندما ظهرت أفلام عن عبدة الشيطان وهم يدنسون الصليب ويسيئون إلى السيد المسيح والسيدة العذراء لم يظهر الغضب أبدا، ونظروا إليها على أنها ممارسة لحرية التعبير وحرية الرأى وحرية الفن.. وأن لكل واحد أن يقرر لنفسه ما يقبله وما يرفضه فى حدوده هو وحده فقط.
هذا ما يفسر- ولا يبرر- عدم تفهم معظم الغربيين لهذا القدر الكبير من الشعور بالغضب والألم عندما يمس أحد عقيدتهم أو نبيهم أو كتابهم، وهذا شىء لصيق بالإنسان المسلم، لأنه تعلم إذا أراد أن يكون مسلما فلابد أن يحترم جميع الأنبياء والرسل، والكتب والديانات السماوية، وألا يفرق بين أحد من رسله. وإذا لم يفهم الغرب ذك فلن يستطيع أبدا أن يعبر الجسر ليتواصل مع المسلمين، لابد أن يتفهم الغرب أن كل إهانة للدين الإسلامى ضربة لقطع الجسر بين العالمين.. ولابد أن يتفهم أن رواية منحطة مثل رواية سلمان رشدى (آيات شيطانية) كانت طعنة فى عقيدة راسخة غير مسموح بالمساس بها.. وهذا جعل المسلمين فى أنحاء العالم يخرجون فى مظاهرات غاضبة للاحتجاج على تحدى الغرب لهم وإصراره على نشر هذه الرواية والدفاع عن حق المرتد سلمان رشدى فى تشويه الإسلام والإساءة إلى النبى الكريم وزوجاته أمهات المؤمنين.. لابد أن يتفهم الغرب لماذا احتشد عشرات الآلاف فى أفغانستان وباكستان والفلبين وأندونيسيا وواجهوا طلقات الرصاص من الشرطة وسقطوا وقتلوا واعتبرهم الآخرون شهداء، وذلك فى مظاهرات الاحتجاج على تدنيس القرآن فى جوانتانامو والإساءة إلى الرسول الكريم فى صحف الغرب.
ومما يزيد من عمق الهوة بين المسلمين والغرب هذه الاستهانة التى يقابل بها المسئولون فى الغرب موجات الغضب الإسلامى.. بالرغم من تأكيد زعماء الغرب- وآخرهم الرئيس بوش- على أنهم يسعون إلى الفوز فى معركة كسب قلوب وعقول المسلمين.. ومن الغريب أن يكون أول رد فعل لوزيرة الخارجية الأمريكية هو استنكار خروج المظاهرات وإدانة العنف الذى بدر من البعض واتهام سوريا وإيران بإثارة العداء ضد الغرب، دون أن تقول كلمة واحدة فى إدانة هذه الرسوم البذيئة التى أثارت الغضب. بل إن مجلة (تايم) الأمريكية ذكرت ما أعلنه مسئول أمريكى رسمى أن أول رد فعل للرئيس بوش هو اتصاله من طائرته الرئاسية برئيس وزراء الدانمارك الذى تربطه به علاقة وثيقة لكى يؤكد له موقف أمريكا المؤيد لرئيس الوزراء. ولكنه قال إن نشر هذه الرسوم لم يكن مناسبا فى وقت تحارب فيه أمريكا فى دولتين مسلمتين وتعمل على إحباط طموح دولة إسلامية ثالثة لامتلاك قدرات نووية وتريد من الدول العربية والإسلامية تأييدها فى ذلك.
ولقد تساءل بعض الكتاب الغربيين إذا كانت المقدسات لدى المسلمين ليست مقدسات عند الغربيين، فهل يلزم غير المسلم بتقديس ما يقدسه المسلمون؟ والإجابة طبعا أن كل إنسان حر فى عقيدته وآرائه ولكنه ملزم باحترام عقائد وآراء الآخرين، فهناك فرق معروف بين ممارسة الحرية والاعتداء على حرية الغير، لأننا إذا سمحنا بإهانة عقائد الآخرين فقد ينتهى الأمر إلى حرب بين الأديان وهذه هى أخطر الحروب. وتساءل آخرون: هل يريد منا المسلمون أن نحرّم شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وفقا للشريعة الإسلامية؟ والإجابة أن المسلمين لا يفكرون فى فرض شعائرهم على غيرهم ولكنهم يطلبون فقط احترام شعائرهم وعدم الإساءة إلى مقدساتهم. وقد كتب أندرو سلفان فى مجلة تايم مقالا بعنوان (المقدسات عندك ليست مقدسات عندى) ونحن نقول له هذا صحيح ولا يطالب المسلمون بتقديس رموزهم لدى غير المسلمين.. فقط يطالب المسلمون باحترام عقائدهم.. المسألة واضحة ولا تحتاج إلى شرح ولكن هناك من ينفخ فى النار ويريد أن يظل المسلمون فى موقف الدفاع عن دينهم وأن يظل دينهم موضع اتهام. وعلينا أن نفوت الفرصة على الذين ينفخون فى النار لتزداد اشتعالا حتى تحرق المسلمين أنفسهم!!