أخطاء وخطايا باسم الإسلام !
من السهل أن نوجه الهجوم على الذين يسيئون إلى الإسلام فى الغرب، ولكن من الصعب أن نعترف بأن هناك مسلمين يسيئون إلى الإسلام ويقدمون لأعداء الإسلام المبرر للهجوم عليه. من الصعب مواجهة النفس ومواجهة الحقيقة، لأن الطبيعة الإنسانية تجعل الناس يرون العيوب فى الآخرين ولا يرونها فى أنفسهم.
أقول ذلك لأن الإسلام يتعرض لهجمات شرسة فى الولايات المتحدة ودول أوروبا، والمؤسسات الإسلامية لم تتحرك للدفاع عن الإسلام باللغة التى يفهمها الغرب، وإذا تحركت فهى تفعل ذلك مرة واحدة أو مرتين ثم توجه الشكر إلى نفسها وتظل تتغنى بهذا الجهد وكأن زيارة أو لقاء أو محاضرة يمكن أن يكون لها مفعول السحر وتغير أفكارا وعقولا مليئة بالجهل أو بالكراهية نتيجة الاعلام المعادى، والجماعات المعادية، والمفكرين المعادين.
والمؤسسات الإسلامية مازالت حتى اليوم تعيش على الكتب القديمة، وتردد أقوال الأقدمين، وتطرح قضايا التى سبق طرحها منذ قرون، وتتحدث إلى المسلمين وإلى غير المسلمين بأسلوب كان مناسبا فى عصور سابقة ولم يعد مناسبا لعصر غزو الفضاء، والهندسة الوراثية، والكمبيوتر، والديجتال، والفمتوثانية، والاستنساخ.. عصر تقدمت فيه العلوم بصورة مذهلة، وأصبحت العقول تفكر فى قضايا جديدة مختلفة عن قضايا العصور الماضية، ولم تعد تقتنع بأسلوب الدعوة الخطابى الذى يخاطب العاطفة، ويعتمد على مسائل عامة على أنها مسلمات مفروغ منها فى زمن لم يعد يعترف بالمسلمات.. عصر لا يصدق أن هناك من يملك الحقيقة المطلقة، ويرى أن الحقيقة نسبية، وأن من حق الإنسان أن يعيد مناقشة المسلمات، ولا يؤمن إلا بعد تحليل ومناقشة وجدل واقناع واقتناع.. وبناء على دليل عقلى يناسب العصر.
أمام هذه الحقائق تبدو المؤسسات الإسلامية مستغرقة فى التكرار الممل، وكأن العقول قد توقفت عند مرحلة معينة ولا نستطيع أن ترى ما استجد فى العالم والمؤسسات الإسلامية تقليدية، ونمطية، ويبدو أنها غير قادرة على التجديد والتطور، ولا يزال شيوخنا الأجلاء يكررون الحديث عن آداب قضاء الحاجة، وحكم من جامع زوجته فى نهار رمضان، ومنهج الإسلام فى ضرب الزوجات، وفقه المسح على الخفين وتحريم تقلد المرأة لمواقع قيادية فى المجتمع، واعتبار صوت المرأة حرام، ووجه المرأة حرام، وسلام المرأة بيدها على رجل حرام، والموسيقى والغناء والسينما حرام، واذكر أنى حضرت مؤتمرا إسلاميا منذ سنوات فى إحدى العواصم الإسلامية شارك فيه عشرات من كبار علماء الدين الإسلامى، وفوجئت بالمفتى الرسمى فى هذا البلد يتحدث عن علوم الكافرين وواجب المسلمين ألا يتعلموا هذه العلوم وأن تكون لهم علومهم، لأنهم يعلمون المسلمين ما يتعارض مع دينهم مثل قولهم إن الأرض كروية والحقيقة أن الأرض ليست كروية، هى مبسوطة، أى مسطحة، ووقف أحد الشيوخ ليمدح فضيلة المفتى تملقا، وقال إن المسلمين عليهم أن يقدموا للعالم علومهم، فيقدموا علم الكيمياء الإسلامى، وعلم الطبيعة الإسلامى، وعلم الجغرافيا الإسلامى، وهكذا، ثم وقف أستاذ للمحاسبة.. من إحدى الجامعات المصرية مع الأسف ولكنه معار فى هذا البلد ويتقاضى منه ما جعله ينسى كل ما تعلمه فقال إنه وضع كتابا عن علم الإحصاء الإسلامى، فامتدحه بعض الشيوخ وقالوا: هكذا نقدم للمسلمين علوما إسلامية ولا نأخذ من الغرب علومهم..!
وكانت آخر العجائب فتوى من شيخ كبير فى بلد إسلامى بتحريم مباريات كرة القدم التى تتم حاليا واعتبارها خروجا علىصحيح الدين، وقال فى فتواه إن المسلمين إذا أرادوا أن يلعبوا كرة القدم فعليهم الالتزام بما يتفق مع دينهم لتكون هذه المباريات مباريات إسلامية. وقد أشار الأستاذ محمد عبد المنعم فى عموده اليومى فى جريدة الأخبار إلى هذه الفتوى نقلا عن صحيفة الوطن السعودية، وجاء فيها أن شروط المباريات الإسلامية عدم ارتداء ملابس الرياضة القصيرة التى تكشف عن سيقان اللاعبين، وأن تكون المباراة من ثلاثة أشواط وليس من شوطين فقط (ولا أعرف لماذا) وأن نجرى المباراة بدون حكم (!) ويحرم على الحكم والمعلق أن يستخدم العبارات التى يستخدمها الكفار مثل فاول، وأوت، وبنالتى، وكورنر، وجول (!) وإذا تعادل الفريقان فإنه من المحرّم شرعا اللعب فى الوقت الإضافى، كما يحرّم وجود جماهير للمشاهدة والتشجيع (!) وإذا سجل أحد اللاعبين هدفا وشعر بالزهو فعلى باقى اللاعبين أن يبصقوا على وجه ولا يفعلون كما يفعل الكفار باحتضانه وتقبيله والتصفيق له لأن الله لا يحب كل مختال فخور (!).
تصوروا ماذا يحدث عندما يطلع إنسان متحضر فى الغرب على هذه الفتوى وأمثالها.. وهل نلومه إذا استقر فى فكره أن هذا دين متخلف، وله العذر فى ذلك، وكيف نزيل آثار هذه الخزعبلات من بعد ذلك؟
وللدكتور جابر عصفور كتاب مهم بعنوان (مواجهة الإرهاب) يتحدث فيه عن التراث الحضارى والثقافى الذى يكشف عن ممارسات القمع والاستبداد والظلم والطغيان والتعصب والتطرف والإرهاب باسم الإسلام وكل ذلك كان الحكام يمارسونه على المحكومين، كما كان المحكومون يمارسونه على أنفسهم تجسيدا لمأساة القمع الذى يعيد فيه الضحية إنتاج القمع على الآخرين وعلى نفسه، ومن ذلك كتاب اسمه (كتاب الفتن) من تأليف عبد الله نعيم بن حماد المرزوى، وكتاب آخر اسمه (كتاب الفتن) للمروزى، و(كتاب المحن) للتميمى، وكتاب (النهاية فى الفتن والملاحم) للإمام الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير. وكتب أخرى كثيرة تتحدث عن السجون ومآسيها فى عصور كان الحكام يدعون أنهم يحكمون باسم الشريعة مثل كتاب (الفرج بعد الشدة) وكتاب (أنس المسجون وراحة المحزون) وهما من تأليف صفى الدين أبو الفتح عيسى بن البحترى الحلبى، وكل ذلك يدل على أن هناك أخطاء وخطايا وجرائم ارتكبت باسم الإسلام منذ القرون الأولى على يد الحكام والمحكومين وبعض رجال الدين أيضا، وليس غريبا بعد ذلك أن يؤلف باحث فى العصر الحديث كتابا عن (الاغتيال السياسى فى الإسلام) وكتاب (تاريخ التعذيب فى الإسلام) وهما من تأليف هادى العلوى، وكتاب (جهاز المخابرات فى الحضارة الإسلامية) تأليف محمد حسين الأعرجى، وكتاب (أخبار المصلوبين وقصص المعذبين فى العصرين الأموى والعباسى) تأليف عبد الأمير مهنا وحسين مرتضى، وكتاب (موسوعة العذاب) تأليف عبدود الشالحى وهو من سبعة أجزاء يروى فيه الأهوال التى كان يلاقيها المسلمون فى ظل حكم يدعى أنه حكم إسلامى.
ويكفى أن ننظر إلى عناوين هذه الكتب لندرك أن ما يقال من أن الناس عاشوا فى أحسن الأحوال فى ظل حكم يستخدم الشريعة ويرفع راية الإسلام، ليس إلا تضليلا وخداعا، فقد عانى المسلمون من السجون والتعذيب والظلم والقمع أكثر من كل شعوب الأرض، وكان ذلك على يد حكام مسلمين وباسم تطبيق الشريعة.
ولكن الادعاء بأن الذين حكموا باسم الإسلام كانوا كلهم مثل أبى بكر وعمر وعثمان وعلى هو الادعاء الشائع، والمجتمعات الإسلامية- ومنها مصر- تصدق هذا الادعاء، وتنخدع بالأمثلة البراقة للرجال العظام للسلف الصالح فى صدر الإسلام ولم يتكرروا بعد ذلك.. الناس فى المجتمعات الإسلامية لديهم شعور دينى قوى وراسخ، وتؤثر فيهم الادعاءات والاغراءات باسم الدين، لأن لديهم استعداد طبيعى لتقبل هذه الادعاءات. وفى المقابل ليس لدينا من لديه الجرأة على مناقشة هذه الادعاءات بالدليل الشرعى والتاريخى وبيان عدم صحتها وابتعادها عن الفهم الصحيح للإسلام. والمسلمون يتحملون الكثير من المتاعب فى الغرب لأن هناك من يتلقف الفتاوى والأفكار المنحرفة والمخادعة وينشرها فى الغرب ليدلل على التخلف الذى وصل إليه المسلمون ويعمق الفكرة السائدة عن عداء المسلمين للحضارة وللقيم المعاصرة.. وهكذا يشارك مسلمون فى صناعة العداء للإسلام فى الغرب.
وعلى مدى سنوات قلنا كثيرا، وكررنا ما قلناه، ولم تتحرك جهة للإصلاح.. قلنا إن على الحكومة أن تتنبه بوزاراتها وأجهزتها المختصة بالتعليم والثقافة والاعلام وتعمل مع المؤسسات الدينية عملا جادا وحقيقيا، ولا تكتفى بالاجتماعات والتصريحات والحديث عن خطط وبرامج دون تنفيذ وعمل، وقلنا يجب أن تكون لدينا استراتيجية شاملة للدعوة والتربية والإرشاد فى المجال الدينى، وأن تكون هذه الاستراتيجية واضحة، ومحددة، ومعلومة للجميع، ويشارك فى إعدادها ومناقشتها الجميع، وتكون هناك آليات للمحاسبة على ما ينفذ وما لا ينفذ منها، وآليات لحماية المجتمع من الفكر المنحرف، والتعصب، والفتاوى التى يصدرها جهلة ومتخلفون وأصحاب عقول مغلقة لا يهتمون بالحاضر ولا بالمستقبل ويعيشون فى الماضى ويسعون إلى جذب المسلمين جميعا إلى العيش فى الماضى.. وتلك مصيبة كبرى سوف يخسر المسلمون كثيرا جدا بسببها.. سوف تتكالب عليهم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها كما حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تذكروا تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سوف يكون المسلمون كثيرين، ولكنهم سيكونون مثل غثاء السيل وتتكالب عليهم الأمم.
أرجوكم أن تتذكروا قبل أن تفقدوا الذاكرة وتفقدوا كل شىء.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف