إنذار من المرأة للحزب الوطنى
أستاذنا الدكتور أحمد كمال أبو المجد له رأى فى الإصلاح السياسى يتعلق بوضع المرأة فى الحياة السياسية. والدكتور أبو المجد من أكبر فقهاء القانون الدستورى فى العالم العربى، ومن أكبر المفكرين العرب أصحاب العقول المتفتحة التى تجمع أطراف العلوم السياسية والقانونية والاقتصادية والأدبية أيضاً، وله تاريخ طويل مشرف فى خدمة بلاده وخدمة الثقافة والتنوير، وله فوق ذلك جهود كبيرة بعضها معلوم وأكثرها غير معلوم فى المجالين العربى والدولى. وباختصار فإن ما يقوله لابد أن يجد آذانا صاغية وأن نستمع إلى ما يقوله بمنتهى الاحترام.
ومنذ أيام وصلتنى رسالة من الدكتورة فرخندة حسن الأمين العام للمجلس القومى المرأة، ومعها تقرير من لجنة المشاركة السياسية واللجنة التشريعية بالمجلس أعده الدكتور أبو المجد بصفته مقرر اللجنة التشريعية، والدكتورة سلوى شعراوى جمعة بصفتها مقرر لجنة المشاركة السياسية. والدكتورة سلوى شعراوى جمعة من الأساتذة البارزين فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولها آراء مستنيرة ونشاط كبير فى قضايا الإصلاح الشامل.
أما رسالة الدكتورة فرخندة فإنها تفيض بالمرارة والشكوى من موقف الأحزاب جميعها فى الانتخابات الأخيرة الذى أثبت عدم إيمانها بأهمية مشاركة نصف المجتمع بنسبة معقولة فى السلطة التشريعية، على الرغم مما بذله المجلس القومى للمرأة من جهد فى تنظيم حملة لتوعية المرأة وتكوين رأى عام فى المجتمع بأهمية دورها وإزالة جميع أشكال التمييز ضدها. وكان من نتيجة هذه الحملة تزايد نسبة مشاركة المرأة فى الإدلاء بصوتها فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولكن ترشيح الأحزاب جميعها- بما فيها الحزب الوطنى- فلم يكن بالمستوى المناسب، وكانت نسبة المرشحات فى قوائم الأحزاب نسبة لا تذكر، وتجاهلت الأحزاب- بما فيها الحزب الوطنى- النداء الذى وجهه الرئيس مبارك فى الاجتماع المشترك لمجلسى الشعب والشورى عام 2004 الذى طالب فيه بتعديل تشريعى يسمح للمرأة بخوض الانتخابات فى المجالس النيابية، ولم يتم ذلك حتى الآن، كما لم تجد نداءات الرئيس للأحزاب استجابة بإعطاء الفرصة للمرأة فى الترشيح ومساندتها للفوز ببعض المقاعد لكى يتساوى وضعها مع وضع المرأة فى أريتريا مثلا.
وما حدث- مع الأسف- أن المرأة أصبحت تمثل 46% من مجموع المقيدين فى جداول الانتخابات فى بعض المحافظات، وبادرت 100 سيدة بدون مساندة الإخوان بالترشيح ولم تنجح سوى سبع سيدات فقط، ومعنى ذلك أن نصف المجتمع ممثل فى مجلس الشعب الحالى بنسبة 1.5% وزادت النسبة بعد تعيين أربع سيدات ليصل العدد إلى 11 سيدة بنسبة 2.4%. وهذا ليس من الإنصاف بأى حال من الأحوال كما تقول الدكتورة فرخندة. والحل الذى تطالب به هو تطبيق نظام انتخابى يجمع بين القائمة النسبية والتمثيل الفردى. وهذا النظام يسمح بتمثيل المرأة وشرائح أخرى بعيدة عن المشاركة البرلمانية رغم أهمية وجودها فى البرلمان لترشيد الممارسة السياسية والتشريعية، مثل أساتذة الجامعات، والعلماء، والأدباء، وأصحاب الفكر، وأصحاب الخبرات وليسوا من أصحاب الأموال، وذلك بعد أن أصبح المال يلعب دوراً أساسياً فى الانتخابات، وهذه الفئات لديها الفكر والخبرة وليس لديها المال، والنتيجة أن الحياة البرلمانية تفقد ركنا مهماً من أركان الديمقراطية، باختلال نسب التمثيل لشرائح المجتمع فيه، وقصر التمثيل على فئات معينة.
أما تقرير لجنة المشاركة السياسية الذى اعتمد على دراسة قانونية وفقهية ودستورية للدكتور أبو المجد فيطالب باستخدام أسلوب التمييز الإيجابى المؤقت الذى أثبت نجاحاً فى دول كثيرة لم تكن المرأة تجد فيها الإنصاف، وهذا الأسلوب أكدت عليه الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وهى اتفاقية وقّعت عليها وانضمت إليها مصر وأصبحت ملزمة لها.
وهذا التمييز الإيجابى يعتمد على تخصيص حصة من مقاعد مجلس الشعب تتنافس عليها السيدات كما هو الحال فى المقاعد المخصصة للعمال والفلاحين.
وهذا النظام طبّقته الأردن فأصبحت نسبة النساء فى برلمانها 6% والمغرب (10%) وأوغندا (39 مقعدا) والهند (33%) وبنجلاديش (30 مقعدا من 330) وأريتريا (10 مقاعد من 105) وتنزانيا (10 مقاعد من 255).
والرأى الذى توصلت إليه لجنة المشاركة السياسية واللجنة التشريعية بالمجلس هو إضافة 52 مقعدا جديداً إلى مقاعد مجلس الشعب بواقع مقعدين مخصصين للمرأة فى كل محافظة، على أن تكون إحداهما على الأقل من العمال والفلاحين، وبذلك تصبح نسبة مشاركة المرأة 10%. وتطبق هذه القاعدة بالنسبة لانتخابات مجلس الشورى والمجالس المحلية بما يحقق نفس النسبة على الأقل.
بذلك يتم تطبيق ما جاء فى المادتين 8 و40 من الدستور من الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين جميع المواطنين دون تمييز لأى سبب يتعلق بالجنس أو الدين، وتطبيق المادة 11 من الدستور التى تلزم الدولة باتخاذ كافة السُبل لتمكين المرأة من التوفيق بين واجباتها نحو الأسرة وعملها فى المجتمع ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. والاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التى تلزم مصر باتخاذ تدابير مؤقتة للقضاء على التمييز ضد المرأة فى الحياة السياسية إلى أن تتحقق المساواة الفعلية، ويصل المجتمع إلى درجة من النضج تجعله ينظر للمرأة على أنها إنسان أولا، ومواطن ثانيا ولها جميع الحقوق التى يتمتع بها الرجل.
الجديد فى دراسة الدكتور أبو المجد- بل المفاجأة- أنه يثبت خطأ الاعتقاد الشائع بأن المحكمة الدستورية حكمت بعدم دستورية تخصيص مقاعد للمرأة فى سنة 1983، والحقيقة أن الحكم الذى أصدرته المحكمة الدستورية لم يتعرض لعدم دستورية هذا النص تحديدا، وحكمت المحكمة بعدم قبول الطعن على هذا النص لعدم وجود مصلحة لصاحب الدعوى، وحكمت بعدم دستورية المواد الأخرى فى قانون الانتخابات فيما عدا النص على تخصيص مقاعد للمرأة، ولكن الحكومة هى التى قامت بإلغاء القانون كله وحرمان المرأة من هذا الحق. ولذلك يطالب الدكتور أبو المجد- الفقيه الدستورى الكبير- بإعادة النظر فى فكرة التمييز الإيجابى التى أخذت بها الدول الأخرى التى تتشابه معنا فى الظروف الاجتماعية المتحيزة ضد المرأة، وهذه الفكرة ملزمة لنا بحكم انضمامنا للاتفاقية الدولية.
والدكتور أبو المجد ينبه أخيراً إلى أن إضافة 52 مقعدا للمرأة يمثل 10% فقط من مقاعد مجلس الشعب، وهو إضافة لصالح المرأة والمجتمع، وليس فيه انتقاص أو خصم من حقوق باقى المواطنين، ويؤكد- وهو أستاذ القانون الدستورى- بأن هذا الاقتراح لا تشوبه أية شبهة بعدم الدستورية.
وإن كانت حالة الإحباط التى سادت فى المجلس القومى للمرأة لأن الجهود التى بذلها لم تحقق شيئاً يذكر مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومع الأحزاب والجمعيات الأهلية والإعلام ومع المسئولين فى الدولة، فإن الأمل ما زال قائماً فى أن يتحرك حزب الأغلبية مبكراً لإنصاف المرأة، وإلا فسوف يدفع الثمن فى الانتخابات التشريعية القادمة وربما فى انتخابات المجالس المحلية التى ستجرى فى وقت قريب، فمن حق المرأة ألا تعطى صوتها للحزب الوطنى بعد ذلك إذا لم يعطها الحزب الوطنى حقها المشروع بالدستور والاتفاقات الدولية وبالشريعة أيضاً وتذكروا أن أصوات المرأة لا يستهان به وستكون مؤثرة فى النتائج، تذكروا أنها أصبحت تمثل 46% من مجموع أصوات الناخبين فى بعض المحافظات وقريباً من هذه النسبة فى باقى المحافظات.. وتذكروا أن إهمال الأحزاب للمرأة سيقابله إهمال المرأة للأحزاب وهذا أمر طبيعى جداً.