صناعــة الفتنــة فــى واشنطـــن!
 

لم يكن غريبا أن يعقد فى واشنطن مؤتمر عن اضطـهاد الأقباط فى مصر، فهو ليس سوى حلقة من حلقات سبقتها من محاولات دوائر أمريكية وعملائها لإثارة الفتنة فى مصر وتأليب الإدارة الأمريكية عليها.
ولم يكن غريبا أن يكون الدكتور سعد الدين إبراهيم هو الأعلى صوتا والأكثر حماسا فهذا المؤتمر بالنسبة له ليس سوى خطوة من خطوات كثيرة أخرى فى هذا الاتجاه هو ومجموعة معينة تعمل بنشاط لتكوين رأى عام فى أمريكا وأوروبا ضد مصر وتقديم صورة مشوهة عن أحوالها ونشر أخبار كاذبة عن التمييز ضد الأقباط وتعرضهم للاضطهاد.. إلخ.. وهذه المجموعة تضم أسماء لها علاقات واتصالات مشبوهة مثل مايكل منير، ونادية غالى، وميلاد اسكندر، وعدلى أبادير، ومعم شخصيات من اللوبى الصهيونى فى أمريكا، وأعضاء فى الكونجرس معروفون بانحيازهم لإسرائيل وعدائهم لمصر مثل عضو الكونجرس ستيف روثمان رئيس لجنة تقرير المعونات الخارجية، وفرانك وولف الذى اقترح على إسرائيل يوما أن تضرب السد العالى!
ولم يكن غريبا إصرار منظمى المؤتمر على عقده بالرغم من استنكار البابا شنودة له، وإعلانه رفض الكنيسة مناقشة شئون الأقباط المصريين خارج بلدهم.. وتكليف البابا المحامى الخاص له فى أمريكا بالاتصال بكل أعضاء الكونجرس وإبلاغهم برفض الكنيسة والأقباط لهذا المؤتمر. ولم يكن غريبا أن يهاجم المليونير المصرى المقيم فى سويسرا عدلى أبادير الحكومة والشعب فى مصر وأن يقول للأمريكيين إن قضية الأقباط تمثل إحدى قضايا حقوق الإنسان، وأن يطالب باللجوء إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لعرض قضيتهم وتدعى معه نادية غالى عضو منظمة الأقباط فى استراليا أن الفتيات القاصرات من الأقباط يتم اختطافهن فى مصر وإجبارهن على اعتناق الإسلام!! ثم تتحول إلى الهجوم على الدين الإسلامى وعلى القرآن مما كشف عن نوايا لتحويل المؤتمر إلى صراع بين الإسلام والمسيحية فى إطار صراع الثقافات والحضارات التى يؤمن بها معظم أفراد الدائرة الحاكمة فى واشنطن. ولم يكن ذلك كل شىء، فقد ترددت فى هذا المؤتمر أفكار مسمومة مثل المطالبة بالتدخل الأجنبى، واقتراح الدكتور سعد الدين إبراهيم بأن يتضمن الدستور تخصيص نسبة من مقاعد مجلس الشعب للأقباط على الرغم من أنه يعلم أن هذه الفكرة رفضها الأقباط عند إعداد دستور 1923 ومازالوا يرفضونها إلى اليوم لأنهم يرفضون التمييز فى أية صورة حتى ولو بدعوى انصافهم، كما طالب الدكتور سعد الدين إبراهيم بإنشاء صندوق مالى لدعم تحرك الأقباط من أجل الحصول على حقوقهم، مما يدل على أن الحصول على مزيد من الدولارات كان الهدف الحقيقى وغير المعلن للمؤتمر، وبلغ العداء إلى حد أن ميلاد اسكندر حذر من تحول وضع الأقباط إلى وضع دارفور!
ومايكل منير المنسق العام للمؤتمر- كما ذكرت الكاتبة سحر الجعارة- تخلى عن جنسيته وأقسم يمين الولاء لأمريكا، وهناك روايات عن اتجاه لتوقيفه لاتهامه بإساءة استخدام أموال ومعونات فيدرالية مخصصة تحت بند دعم الإصلاح فى مصر (وفقا لسياسة أمريكا ونواياها طبعا) كما أن هناك علامات استفهام تحاصره بالقانون الأمريكى الذى يعتبر الكذب والتهرب من الضرائب جرائم لا تغتفر،وهو لهذا يسعى إلى الفوز بعضوية الكونجرس عن ولاية ميرلاند ويقدم لذلك أوراق اعتماده للوبى الصهيونى المؤثر فى الانتخابات الأمريكية، وفى برنامج (بلا حدود) فى قناة الجزيرة مع مايكل منير كشف حافظ الميرازى عن أن مايكل منير يشترك فى نشاط مع يهودى صهيونى يعمل مستشارا فى السفارة الإسرائيلية فى واشنطن ويشمل هذا النشاط كتابة مقالات تسىء إلى مصر فى الصحف الأمريكية.
كل ذلك ليس غريبا لأن هذه ليست أول مرة أو آخر مرة، ولكن الغريب أن أحدا لم يذكر من أين تكاليف المؤتمر التى بلغت أكثر من مليون دولار لإقامة 200 شخص فى فندق 5 نجوم لمدة خمس ليال..ولماذا لم يفسر أحد اشتراك جماعة جنود المسيح الدولية وبيت الحرية الأمريكى المعروف بعلاقته باللوبى الصهيونى؟.. ولماذا دعى رافائيل ليوزان اليهودى الليبى وما علاقته بالمسيحيين أو بغيرهم فى مصر؟ وما معنى أن يشترك أيضا المساعد الشخصى للرئيس بوش ومدير المراسم فى البيت الأبيض ويرسل كل منهما رسالة تشجيع للمؤتمر؟.. وما معنى أن منظمة العهد الأسرائيلى الجديد أصدرت بيانا لتأييد المؤتمر وقراراته، وما شأن إسرائيل ومنظماتها بالأقباط ومنظماتهم فى الخارج؟ والأمر الذى لا يمكن تصديقه أن يوقع مصريون على وثيقة المؤتمر الذى تقول بأن الحكومة المصرية تتعمد اضطهاد الأقباط وتعمل على تعميق الهوس والتطرف الدينى وتصديره إلى جميع أنحاء العالم، أى أن المؤتمر يحاول تحريض دول العالم وليس أمريكا وحدها، ويتهمها بأنها مصدر التطرف الدينى فى العالم العربى والإسلامى ويطالب بتدخل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لفرض الحماية القانونية للأقباط فى مصر. أما قرارات المؤتمر فهى غريبة، وكما قالت سحر الجعارة فإن المطالبة بتخصيص نسبة من المقاعد والوظائف للأقباط يقضى على مفهوم الديمقراطية ويحتكم للديانة بدلا من الكفاءة.. وأن المطالبة بإلغاء النص فى الدستور على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمى والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع يعنى مواجهة التطرف الإسلامى بتطرف مضاد، وأن المطالبة بإلغاء شرط الحصول على ترخيص لبناء الكنائس لتحقيق المساواة فى بناء الكنائس والمساجد مطلب ينسف فكرة تخصيص نسبة للأقباط فى كل شىء، والمطالبة بإلغاء خانة الهوية الدينية فى جميع الوثائق الحكومية لا يمكن تنفيذها فى بطاقات الهوية الشخصية لما يترتب على ذكر الديانة من حقوق ترتبط بالميراث قواعد الزواج.
لكن موقف عموم الأقباط كان موقفا وطنيا مشرفا، فقد رفض يوسف سيدهم التوقيع على قرارات المؤتمر وقال إنه يتحدث فى مصر بما يريد ومن خلال القنوات الشرعية، وكتب عادل نجيب رزق أن المؤتمر كان بورصة لبيع الضمير، وقال أيضا إن هذا المؤتمر ناقش شئون الأقباط بدون الأقباط- لكثرة أعداد حاملى الجنسية الأمريكية.
وتبقى علامة الاستفهام الكبيرة على دور الدكتور سعد الدين إبراهيم لحماسه الغريب ونشاطه هنا وهناك لإثارة القضايا التى تعمق المشاعر الطائفية، واتصالاته مع الكونجرس ووزارة الخارجية الأمريكية والكتابة فى الصحف والظهور فى برامج التليفزيون الأمريكية المختلفة، وهو ينتقل بين مصر وأمريكا باعتباره أمريكى الجنسية مصرى المولد. وقبل ذهابه هذه المر إلى أمريكا لإدارة المؤتمر كتب مقالين أولهما يطالب فيه بتخصيص نسبة من مقاعد مجلس الشعب للأقباط، ويقول إن هذا المطلب كان مرفوضا عند إعداد دستور 1923، ولكنه مطلوب الآن لاختلاف الظروف المحيطة بالأقباط، والمقال الثانى نشر فيه إحصائية عن أحداث العنف بين المسلمين والأقباط خلال 37 عاما، ولم يذكر عدد حوادث العنف التى وقعت خلال هذه الفترة بين مسلمين ومسلمين حتى يدرك أن العنف ظاهرة اجتماعية بين أفراد المجتمع بصرف النظر عن الديانة، ومثل كل مجتمع قد تكون المشاعر الدينية وراء بعض أحداث العنف، ولكنها ليست السبب الوحيد، وعددها محدود جدا، ومعظمها له أسباب لا دخل للدين فيها.. خلافات بين شركاء فى تجارة.. أو جيران فى البيت أو الحى.. أو مماطلة فى سداد دين.. أو مشاجرات عادية مما يحدث كل يوم بين الناس وليس للهوية الدينية صلة بها.
والدكتور سعد الدين إبراهيم يتردد على أمريكا كثيرا، ويذهب إلى الكونجرس ليقدم نصائح بالضغط على مصر ويقترح الوسائل المؤثرة لذلك، ويعلن أن الحكومة المصرية تنكر دائما وقوع حوادث طائفية، ويتجاهل تحقيقات النيابة، ومحاكمات القضاء فى كل حادثة، ومواقف الحكومة ورجال الدين المسيحى والإسلامى وعقلاء الأمة فى استنكار هذه الأحداث وليس إنكارها.
الدكتور سعد الدين وأصحاب بورصة بيع الضمير فى واشنطن وصناع الفتنة أمامهم ألف دليل على أن المسيحيين فى مصر يرفضون محاولات اشعال الفتنة، ولكنه يرفض رفضهم.. بل إن صديقه مايكل منير ادعى أن البابا والكنيسة فى مصر لا يمثلان الأقباط؟
لم يكن حاضرا فى هذا المؤتمر من الأقباط المصريين المعبرين عن الضمير الوطنى سوى واحد أو اثنين ولكن السى. آى. إيه كانت حاضرة على معظم المقاعد!
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف