هل يريدون مصر إمارة إسلامية؟!
التيار الإسلامى فى مصر ليس تيارا واحدا، ولكنه يتضمن عدة تيارات فيما بينها خلافات جوهرية، فبعضها معتدل وبعضها جامح، وبعضها منغلق ومتشدد وأعضاؤه ضحايا لعملية غسيل مخ منظمة منذ سنوات، وبعضها أيضا نسخة وتكرار لتنظيم طالبان الذى ظهر فى أفغانستان وحكمها بعد ذلك وأضاف إلى مأساتها مآسى لا تعد ولا تحصى.
وتنظيم طالبان كان مكونا من جماعة من الطلبة تتلقى تعاليم متشددة باسم الإسلام فى باكستان بدعوى إقامة الحكم الإسلامى الذى يطبق الشريعة كما تعلموها، ومن المعروف أن هذه «الجماعة» تلقت مساعدات - ومازالت تتلقى - عبارة عن أموال تتدفق عليها من دول إسلامية، وعندما كانت طالبان تعلن «الجهاد» انجذبت إليها فئات من الشباب من عدة دول إسلامية وتطوعوا للقتال ضد القوات الأمريكية وحققوا بالفعل «المشروع الإسلامى» الذى كانوا يبشرون به، فماذا حدث؟ وعدوا الشعب الأفغانى بإنهاء الفقر والتخلف، ولكن الشعب الأفغانى ازداد فقرا وتخلفا وأضف إلى ذلك أحكام التكفير التى كانت تلاحق كل من يتمرد على حكمهم أو يختلف معهم، هل تحولت أفغانستان من «التبعية» إلى «الاستقلال» وحرية الإرادة كما وعدوا؟ وهل تحولت «مساكن الصفيح» إلى بنايات تليق بسكن البشر؟
لا أستطيع الإجابة على الأسئلة عما جناه الشعب الأفغانى تحت حكم «طالبان» لأنى لم أذهب إلى أفغانستان وهى تحت حكمهم لأحكم بنفسى على ما يحدث هناك، وإن كنت قد تلقيت منذ سنوات دعوة للذهاب إلى هناك ولم أذهب، واعتمدت على شهادة الأستاذ فهمى هويدى وهو موضع ثقة بالتأكيد، ولا يمكن اتهامه بمعاداة نظام إسلامى، وقد زار أفغانستان وكتب سلسلة مقالات فى صحيفة «الشرق الأوسط» عن مشاهداته لتجربة حكم إسلامى متشدد منذ عام 1996.. هكذا وصف الأستاذ فهمى هويدى ما رآه:(الأرض جرداء، والأشجار جف عودها حتى تكاد تسمعها وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة، والهزال سمت للحيوانات التى تتسكع على جانبى الطريق، وسيارات معطوبة هنا وهناك، ومبان مدمرة على مرمى البصر، وخيام على جانبى الطريق، وأربعة ملايين أفغانى هربوا من بلدهم ويعيشون لاجئين فى باكستان وإيران، والخيام التى يعيش فيها الناس استخدمت فيها كل الخامات المتاحة، من القماش المرقع إلى أكياس البلاستيك، إلى ضلف الخشب وجذوع الشجر، والمحظوظ من وجد جداراً من الطوب!
وقال «علماء الشريعة» وأصحاب الحق فى الإفتاء فى «الجماعة» إن الديمقراطية فسق وفجور، وهى بضاعة غربية يستخدمها الملحدون والكفار وهى مدخل للفساد والتحلل وتهديم قيم الإسلام، وهى السبب فيما وصل إليه الغرب من انحلال وفجور، وهى مصدر لفتنة المسلمين وتهديد معتقداتهم. واختلاط الجنسين محظور، والتليفزيون ممنوع والعلماء يحرمون التصوير، والإمارة الإسلامية فى أفغانستان هى أهم مصدر فى العالم لزراعة وتهريب الأفيون، وقامت جماعة طالبان بتحطيم التماثيل الأثرية المسجلة فى اليونسكو باعتبارها من الآثار التاريخية النادرة، وتطوير التعليم ممنوع شرعا بحيث يتم تدريس اللغة العربية من كتاب فى النحو يرجع تاريخ تأليفه إلى 600 عام وتلقن فيه قواعد اللغة العربية باللغة الفارسية!
يحكم طالبان «أمير المؤمنين» الملا عمر وقد عين أحد المتخصصين فى الدراسات الدينية وزيرا للصحة! وعين مسئولا فى كل ولاية عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكل الوزراء من دارسى الشريعة منهم وزير التجارة ووزير المواصلات والصحة، ويعتبر أمير المؤمنين أن هذا هو نظام الحكم الذى كان فى الدولة الإسلامية فى العصر الإسلامى الأول، واختيار الولاة يتم على أساس إحاطتهم بأمور الحلال والحرام وليس بناء على تخصصاتهم العلمية وشهاداتهم، وجماعة طالبان سيطرت على جميع المناصب (الوزراء والمديرين والولاة وحكام الأقاليم).
أما كيف تدار شئون الإمارة الإسلامية فإن أمير المؤمنين قدم له العلماء «البيعة» ويدعو له خطباء المساجد فى يوم الجمعة بالنصر والسداد. ومجلس الوزراء يسمونه «المجلس الحاكم» ومجلس الشورى يرأسه معاون أمير المؤمنين، وبعده «قاضى القضاة» ثم رئيس الإفتاء المركزى، ولا يوجد عند طالبان فصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والأمر بيد أمير المؤمنين، والشورى ليست ملزمة له، ولأمير المؤمنين أن يصدر قرارات تنفيذية وتشريعية دون أن يرجع لأحد سوى بعض مساعديه، ويمكنه أن يصدر قرارا ثم يعدل عنه فيتم له ما يريد، وأمير المؤمنين يرأس - بالإضافة إلى سلطاته المطلقة - مؤسسة أخرى يطلق عليها مجلس الطوارئ يختص بالمسائل العسكرية والأمنية، والوالى فى كل مقاطعة هو الحاكم العام للمقاطعة وله الكلمة الأخيرة.
ومن بين الوزارات أنشأت الجماعة وزارة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لمراقبة التزام الناس بالسلوك الإسلامى، ودار الإفتاء هى التى تحدد الموقف الشرعى فى كل الأمور، وتعرض القرارات على دار الإفتاء لضمان مدى شرعيتها.
***
طبعا الأفغان أحرار فى بلدهم يحكمونها كما يشاءون، وما يهمنا هو هل يمكن أن ينتقل فكرهم إلى جماعة من الجماعات الإسلامية فى مصر؟ وما يدعو للقلق أننا نجد بعض قادة جماعة أو أكثر يتحدثون عن «الأمير» وعن «البيعة» وعن الشورى غير ملزمة للحاكم وعن تنظيم لمراقبة سلوك المواطنين للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعن الخلافة وعن الفتح الإسلامى الثانى لمصر وعن السمع والطاعة وعن الزى الإسلامى وعن العودة إلى العصور الأولى وإلى رفض الحضارة الحديثة باسم العودة إلى الأصالة.
ما يدعو للقلق أن من الإسلاميين من يدعو إلى نظام قريب من نظام إيران، ومنهم من يدعو إلى نظام أقرب إلى نظام طالبان، ولذلك فإن الحذر واجب، ونسأل الله السلامة للبلاد والعباد.

 
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف