أين الجنـة.. وماذا فى الجحـيم؟
قدمت بربارا والترز أشهر مذيعة فى التليفزيون الأمريكى برنامجاً مثيراً منذ أيام موضوعه (الجنة).. ذهبت إلى القدس، ودخلت السجون الإسرائيلية، وقابلت عدداً من الحاخامات اليهود والقسس المسيحيين والشيوخ المسلمين، وصعدت جبال الهيمالايا لمقابلة الدلاى لاما زعيم الطائفة البوذية ونقلت طقوس العبادة لجميع هذه الديانات والعقائد، كما قابلت علماء غارقين فى أبحاث لكشف أسرار التركيب المعقد لمخ الإنسان، وتأثير الجينات الوراثية على السلوك البشرى.. وفى لقطات سريعة، طرحت عليهم أسئلة ذكية ومركزة، أين الجنة؟ وكيف ستكون الحياة فيها؟ ومن الذى سيحظى بدخولها ومن سيحرم منها؟ هل هى لأصحاب دين واحد وسيحرم منها أصحاب الديانات الأخرى؟ ونفس الأسئلة تقريباً عن الجحيم.
قال حاخامات اليهود إن الجنة ستكون لليهود، لأنهم شعب الله المختار، وفى التوراة وعدهم الله بالأرض المقدسة فى الحياة الدنيا وبالجنة فى الحياة الآخرة، وهم يؤمنون بخلود الروح بعد الموت وتحلل الجسد.. وفى الجنة سوف يعيش أهلها فى سلام ونعيم ولا يعرفون الحزن أو الألم أو الشعور بالوحدة ولن يعانى أحد منهم من الآلام النفسية والجسدية التى يعانى منها الإنسان فى الدنيا، وهكذا يكون جزاء اليهودى الصالح المخلص فى اتباع تعاليم الرب كما جاءت فى التوراة.
وزعيم الكنيسة البروتستانتينية التى ينتمى إليها الرئيس بوش فإنه يرأس القداس الأسبوعى الذى يحضره 25 ألفا من أتباع هذه الطائفة يجتمعون فى استاد ولهذا التجمع الهائل تأثيره البالغ الذى يشبه السحر على الحاضرين.. قال إن الجنة موجودة فى السماء حيث يوجد الرب، وسيدخلها المسيحى المخلص الذى يؤمن بيسوع المسيح الرب المخلص ويتبع تعاليمه، وإذا كان قلبه مع يسوع فإنه سوف يحظى بلمسة منه يشعر معها بشعور لا يمكن وصفه من السمو والفرح والسعادة الروحية. وهناك كثيرون شعروا بهذه اللحظة وتوحدوا فى المسيح ومنهم الرئيس بوش. وبعد هذه اللحظة يعيش الإنسان بقية عمره فى حياة روحية مع المسيح، ولا تفارقه الطمأنينة والسعادة الروحية التى شعر بها فى تلك اللحظة السماوية.. وبعد الموت تنطلق روحه إلى حيث المسيح ليعيش معه فى سعادة وسلام دائمين.. إنه يجزم بأن الجنة ستكون لهؤلاء فقط.. وفى الجنة سوف يلتقى المؤمنون بكل من أحبوهم فى الدنيا. وسيجدون فيها كل ما يشتهون من طعام وشراب وملذات ولن يشعروا بشىء من متاعب الدنيا. سيأكلون كثيراً ولن يشعروا بالتخمة ولن يعانوا من الوزن الزائد(!)
وفى لقاء بربارا والترز مع داعية إسلامى أمريكى من أصل عربى قال إن الموت- وفقا للعقيدة الإسلامية- لا يعنى الفناء للإنسان، الجسد يتحلل إلى عناصره الأولية، أما الروح فهى ليست قابلة للموت أو الفناء، ولذلك تصعد إلى حيث تنال الجزاء العادل على ما فعله الإنسان فى حياته، وعندما تقوم القيامة يعيد الله الجسد مرة أخرى إلى الروح، وليس فى ذلك شك لأن الله الذى خلق الإنسان وخلق السماوات والأرض قادر على أن يعيد خلقهم، ثم يقف الناس جميعا أمام الله للحساب فلا تنطق ألسنتهم التى اعتادت الكذب ولكن تنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما فعله كل واحد منهم فى حياته من خير أو شر، فإن كان الخير أكثر يدخل الجنة، ويغفر الله عن الخطايا لمن يشاء.
وسألته بربارا والترز: هل ستكون الجنة للمسلمين وحدهم فأجابها: ستكون للمؤمنين الصالحين من المسلمين والمسيحيين واليهود والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وفى القدس أجاب الحاخامات اليهود بنفس إجابات زملائهم فى أمريكا. وذهبت إلى سجن إسرائيلى مخصص للشبان الفلسطينيين الذين حاولوا القيام بعمليات انتحارية ضد الإسرائيليين وفشلت محاولاتهم لسبب أو لآخر، وسألت شابا من حماس كان يحمل عبوة ناسفة فى حقيبة، وعندما اقترب منه أحد الجنود الإسرائيليين ضغط على المفجر فلم تنفجر العبوة وقبض عليه. قال: إنه قام بهذه العملية على أمل أن يكون شهيدا لأن الشهداء لهم أعلى منزلة فى الجنة.. والجنة فيها حياة النعيم ويجد فيها المؤمن كل ما كان محروما منه فى الدنيا.. فيها فواكه وخمر وعسل ولكل شهيد 72 عذراء يستمتع بهن وكل شىء يخطر على باله يجده حاضرا أمامه فى ذات اللحظة، ويكرمه الله بأن يجعله يلتقى بكل من كان يحبهم فى الدنيا.
وسألته بربارا والترز: هل الجنة للسلمين فقط؟.. فأجابها وهو يهز رأسه: نعم. سألته: أنا الآن أجلس أمامك ولست مسلمة هل سأدخل الجنة؟.. فخفض رأسه وتمتم: نعم. قالت: إذن ماذا أفعل فى رأيك لكى أدخل الجنة؟، فأجابها: أن تؤمنى بمحمد.. وسألته عن جهنم فقال: هى نار هائلة لا مثيل لها، وكلما احترق الإنسان يعود جسده من جديد ليحترق مرة أخرى وهكذا إلى مالا نهاية.
وقابلت زعيمة طائفة فى أمريكا لا تؤمن بالأديان ولا بالجنة والنار ولا بالحياة الآخرة، وتقيم معسكرا لتعليم أفكار ومبادئ هذه الطائفة لأبناء المؤمنين بها. قالت بثقة: الجنة والنار هنا على الأرض.. الجنة هى الشعور بالسعادة والسلام فى الدنيا، والجحيم هو الشعور بالتعاسة والقلق، وليس بعد هذه الحياة حياة أخرى ولذلك يجب على الإنسان أن يغتنم هذه الفرصة الوحيدة، والذين يؤمنون بوجود الجنة يلتمسون العزاء لأنفسهم بأن الموت ليس نهاية حياتهم وبذلك يتقبلون فكرة الموت ويشعرون بالأمل فى لقاء أحبائهم الذين افتقدوهم، لأنهم يخشون الموت ويعانون من الشعور بالحزن لفراق من يحبونهم الذين ماتوا.
وفى جبال الهيمالايا قال الدلاى لاما إن الجنة هى أن يصل الإنسان المؤمن إلى درجة من الروحانية والصفاء والسمو يصبح فيها هو نفسه (بوذا) وسيجد مكافأته فى الدنيا أيضاً لأنه سيعود إلى حياة بعد الموت فى صورة أفضل ويعيش حياة يتمتع فيها بالنعيم، لأن تناسخ الأرواح عقيدة يؤمن بها البوذيون، ومن يعمل شرا فإن الجحيم بالنسبة له أن يعود إلى الحياة بعد موته فى صورة حيوان.. بقرة.. أو كلب.. فإذا عاش بقرة صالحة أو كلبا صالحا يعود فى حياته التالية إنسانا سعيدا.. وهكذا.. وكان الدلاى لاما مرحا وضاحكا وبسيطا وكأنه صديق قديم للمذيعة المخضرمة حتى أنها استأذنته لكى تقبله فأعطاها خده، وحياها بطريقة البوذيين بأن لمس أنفها بأنفه!
وفى معمل الكيمياء الحيوية قال لها أحد العلماء الأمريكيين إن بعض الناس لديهم استعداد للإيمان والشعور الدينى وبعضهم ليسوا كذلك، والأبحاث تجرى الآن لكشف السبب البيولوجى.. ويرجح هذا العالِم أن الجينات الوراثية هى المسئولة عن ذلك، وهو يحاول الوصول إلى تحديد الجين الوراثى الذى يجعل الإنسان قابلاً للإيمان سواء كان الإيمان بدين أو بفكرة أو بمبدأ.. ولكن لم يتم التوصل إلى تحديد هذا الجين حتى الآن، وإن كان رسم المخ قد كشف أن الإنسان المؤمن حين يستغرق فى الصلاة بروحانية عالية تحدث تغيرات فى الجزء الأمامى من المخ ويظهر فى الرسم نشاطا ملحوظا فى هذا الجزء مما يدل على أن الإيمان يؤثر فى كيمياء المخ، وهذا ما يجعل المؤمن يشعر بالطمأنينة.
والتقت بربارا والترز مع عدد من السيدات والأطفال والرجال مروا بتجربة الموت وعادوا إلى الحياة. سيدة توقف قلبها تماما فى المستشفى أربع دقائق، قالت إنها شاهدت خلالها السماء بلون أزرق ليس له مثيل فى الدنيا، وشعرت بأن روحها تنطلق فى السماء فى حالة من السعادة لا يمكن أن توصف.. وعندما عادت إلى الحياة بعد محاولات الأطباء وجدت أن نظرتها للحياة تغيرت.. شعرت أن عليها أن تقترب من الله.. وبأن لها رسالة فى الحياة عادت من أجلها وعليها أن تؤدى رسالتها نحو أسرتها وأطفالها.
وفتاة فى الرابعة عشر من عمرها قالت إنها ماتت فى المستشفى أيضا ورأت روحها تنطلق من نفق طويل ثم تخرج منه إلى مساحة هائلة من النور ورأت جدتها التى توفيت تجلس على مقعد وتنظر إليها بابتسامة حلوة جداً.. ثم عادت بعد ذلك إلى الحياة بعد أن نجح الأطباء فى إنقاذها.
وسألت بربارا والترز أشخاصا عاديين فقال معظمهم إن الجنة موجودة فى مكان ما ولا يعرفون أين هى، وفيها طعام كثير متنوع وملذات أخرى لا نهائية لا يعرفون طبيعتها.. وسيأكل أهل الجنة كثيرا جدا دون أن يصابوا بالتخمة أو السِمنة! ولن يفارقهم الشعور بالسعادة لحظة واحدة.
كان فى البرامج أكثر من ذلك، ولكن ضيق المساحة يجعلنى أتوقف لأقول: إن مثل هذا البرنامج كفيل بأن يؤثر فى المشاهدين أكثر ألف مرة من أحاديث شيوخ التليفزيون.. المذيعة هادئة.. واثقة.. متواضعة.. وتنتقل بنا من أمريكا إلى مصر والسعودية والقدس والهند إلى جبال الهيمالايا، وتناقش موضوعها مع العلماء ورجال الأديان جميعا ومع الملحدين والأشخاص العاديين.. وتجيد إلقاء الأسئلة بحرفية عالية دون أن توحى بإجابة أو تتدخل برأى..
حقيقة إن باربارا والترز تستحق أن تحصل على أجر بملايين الدولارات.. وليت التليفزيون المصرى يستطيع تقديم هذا البرنامج، أو حتى عرضه على العاملين فيه ليتعلموا كيف تكون البرامج وكيف تكون المذيعة.. بدلاً من استعراضات الذكاء الكاذب وثرثرة الأحاديث المكررة.