كلمة أخيرة عن البهائية والبهائيين
للدكتور بطرس غالى رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان رأى آخر فى موضوع البهائية، ويذكر فى كتابه (بانتظار بدر البدور) أنه كان فى طائرة فى طريقه إلى باريس وطلب شاب فرنسى أن يتحدث إليه، وقال له: أود أن أتحدث إليك فى مسألة شخصية.. أنا بهائى.. وقد ألقى فى السجن عدد من أتباعنا فى مصر بجريمة الدعوة إلى هذا الدين.
ويعلق الدكتور بطرس غالى على حديث الشاب الفرنسى فيقول: يشعرنى هذا الانتقاد بالإهانة، إنى مستاء من حكومة بلدى التى غالبا ما تقع تحت وطأة أصولية القرون الوسطى، فالديانات السماوية الثلاث وحدها هى المعترف بها فى مصر، ومن المستحيل بناء معبد هندوسى أو بهائى، والأسوأ من ذلك أن البهائيين يعتبرون فى مصر هراطقة ويسجنون.
ويقول الدكتور غالى أيضا: إن لم تكف مصر عن ذلك وإن لم تفتح الأبواب والنوافذ للحريات الأساسية التى أقرها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، فستنزلق قريبا فى هوة التخلف العقلى الذى نقدر حجم نتائجه فى أفغانستان، وإيران، والسودان.
ويضيف الدكتور بطرس: أشعر بغضب كبير تجاه الجمود المسيطر على حكومتنا حتى أننى لا أتمكن من النوم.. تتسرب إلى أذنى عبر السماعات موسيقى مقطوعة (فالس الامبراطور) لجوهان شتراوس، أستمع إليها للمرة الألف وأنا أنتظر بفارغ الصبر أن يطلع الفجر الجديد على باريس.
هكذا يعبّر الدكتور بطرس غالى عن رأيه فى موضوع الحرية الدينية عموما، وفى حق البهائيين فى أن يعتبروا عقيدتهم ديانة وأن يمارسوا طقوس عبادتهم الخاصة علنا، وأن تكون لهم محافل رسمية، وأن يكون للهندوس وغيرهم نفس الحقوق، وألا يقتصر الاعتراف على الديانات السماوية الثلاث، ويرى أن هذه هى الحرية التى تتفق مع مواثيق حقوق الإنسان.
وليس الدكتور غالى على هذا الرأى، فقد كتب الدكتور سعد الدين إبراهيم مقالا فى صحيفة (المصرى اليوم) يوم السبت 3 يونيو الحالى أشار فيه إلى أن الدوائر المهتمة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية انشغلت بالقضية الاجتماعية المثارة فى مصر وهى (محنة) أبناء الطائفة البهائية، وقال إن أبناء هذه الطائفة تتقاذفهم أحكام المستويات المختلفة للقضاء الإدارى من ناحية، وفتاوى الأزهر والمتشددين الإسلاميين من ناحية أخرى، وقد صدرت خمس عشرة فتوى على الأقل تدين البهائية وتدفعها بالكفر أو الهرطقة أو الارتداد عن صحيح الإسلام، هذا بعد أن ظهرت البهائية بقرن كامل، فقد كان مولد البهائية فى إيران عام 1860 وانتشرت تدريجيا فى بلدان الشرق الأوسط ومنها مصر، حيث اعتنقها قلة من المصريين من أصول فارسية وفلسطينية وسورية، وكذلك مصريون أقحاح من الإسكندرية حتى أسوان، ولكنهم ظلوا بالعشرات، ثم بالمئات ولم تتجاوز أعدادهم حتى عام 1960 عشرة آلاف من الذين يقرون علنا ويعتزون بعقيدتهم البهائية.
أما لماذا جذبت هذه العقيدة بعض الناس ففى رأى الدكتور سعد الدين إبراهيم أن ذلك يرجع إلى بساطتها المتناهية واعترافها بكل ما سبقها من ديانات سماوية (مثل الإسلام والمسيحية واليهودية) وديانات غير سماوية (مثل الهندوكية والبوذية والكونفوشية) وهى تؤمن بالتسامح والتعايش بين كل المعتقدات وبين كل البشر، وتعاليمها أقرب إلى الإسلام فيما يتعلق بالتوحيد ومكارم الأخلاق، وبأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو آخر (الأنبياء) ولكنه ليس آخر (المرسلين) أى أن البهائية تفرق بين (النبوة) و(الرسالة) فعند البهائية أن الرسل لم ينقطعوا منذ بدأت الخليقة ولن ينقطعوا مادام البشر يتواجدون على ظهر البسيطة، ومادام بعضهم سيحتاج إلى الهداية المتجددة من أجل لآخر، ومن هنا ظهر (البهاء) كأحد الرسل ضمن سلسلة بدأت بآدم وستستمر إلى يوم القيامة.
بعد ذلك يعلق الدكتور سعد الدين قائلا: طبعا يتعارض هذا التفكير والاعتقاد مع تفكيرنا ومعتقداتنا نحن كمسلمين حيث لا تفرقة لدينا بين الأنبياء والرسل، ونؤمن بأن محمدا عليه الصلاة والسلام هو آخر الأنبياء والمرسلين، أى أننا فى أحسن الأحوال يمكن أن نعتبر البهائية مجرد اجتهاد، لا يختلف كثيرا عن اعتقاد معظمنا بأنه يظهر فى نهاية الزمن أو كل قرن هجرى هادٍ نسميه نحن (المهدى المنتظر)، وعلى سبيل المثال ذهب إلى ذلك المنحى الإخوة السودانيون حيث اعتبروا مصلحاً دينيا هو السيد/ محمد أحمد عبدالله صانع القوارب فى أم درمان والذى لقبه أتباعه (بالمهدى) وقاد حركة دينية اجتماعية سياسية هى التى اقتلعت الحكم المصرى- العثمانى من السودان فى أواخر القرن التاسع عشر، ومن الطريف أن تزامن ظهور البهائية فى إيران، والأحمدية فى شبه القارة الهندية، والسنوسية فى المغرب العربى، أى أن النصف الثانى من القرن التاسع عشر كان حافلا بظهور تلك الحركات الدينية التى قاد كلا منها مصلح كبير قدسه أتباعه فاعتبروه مهديا منتظرا ( كما فى حالة المهدية والسنوسية) أو رسولا (كما فى حالة الأحمدية والبهائية).
ثم يقول الدكتور سعد الدين إن اضطهاد الشيعة الاثنا عشرية للطائفة البهائية طوال قرن ونصف قرن لم يقض عليها.. بل إن البهائيين قد تكاثروا إلى ما يزيد على ستة ملايين فى العالم طبقا لآخر تقديرات مجموعة الأقليات الدولية عام 2004 ويتوزع البهائيون فى مائة وستين دولة وتحترم معظم هذه الدول العقيدة البهائية، وتسمح لمعتنقيها بممارسة حرياتهم المدنية والدينية ولا تنتقص من حقوق مواطنتهم، لكن إيران الشيعية ومصر السنية هما فقط بلدان فى العالم يضطهدان البهائيين، والغريب والطريف أن نفس البلدين يضطهدان أتباع الطوائف المختلفة الإسلامية منها وغير الإسلامية وإن كان بدرجات متفاوتة، ففى مصر مثلا تضطهد المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة فى الأزهر، والحكومة ممثلة فى مباحث أمن الدولة، الشيعة، وأيضا آل البيت، والقرآنيين، ولأن الاضطهاد عقلية واتجاه وموقف وممارسة فإنه حينما يبدأ ويتغلغل فى النفوس فإنه لا يقف عند حد، نعم قد يبدأ مع البهائيين وهم قلة مستضعفة لكنه سرعان ما يمتد إلى الشيعة الذين يقدر عددهم فى مصر بين مليونين وأربعة ملايين، ثم يمتد ولو على استحياء إلى المسيحيين وهم أكثر من سبعة ملايين، وهكذا لا يقف التعصب والاضطهاد عند حد.. قد يكون البهائيون منحرفين فى عقائدهم، أو حتى كفارا، فهل يعطينا ذلك الحق فى انتهاك حقهم الإنسانى فى حرية الاعتقاد؟
وتقول الدكتورة زينب موسى أستاذة الجراحة بجامعة القاهرة إن ما يطالب به البهائيون هو أن يتركوا فى حالهم، وفقط الاعتراف بهوياتهم فى البطاقة الشخصية (الرقم القومى)، إما كبهائيين وإما فئة (بدون). هم لا يريدون أن تفرض عليهم اليهودية أو المسيحية أو الإسلام، فهم يحترمون هذه الديانات الثلاث، ولكنهم لا ينتمون لأى منها، فهل هذه المطالب الإنسانية البسيطة التى تجعلنا نحن وآيات الله فى إيران فى مركب واحد يضطهد البهائيين، كيف لأمة قوامها 75 مليون مصرى معظمهم مسلمون أن تتصرف بهذا الأسلوب الجاهلى المجهول مع أقلية دينية لا تطالب إلا بأبسط حقوقها الدستورية والإنسانية.. إنها حقا لمحنة للمصريين والمسلمين قبل أن تكون محنة للبهائيين.
هذا بالنص ما يقوله أكبر المدافعين عن البهائيين، أردت أن أعرضه بالكامل ليكون المنطق الذى يستندون إليه واضحا دون تحريف، ولكى نكون قد عرضنا بأمانة وجهة نظر المعارضين والمؤيدين لحق البهائيين فى إعلان عقيدتهم وممارسة شعائرهم مع اعتراف بعض الدافعين أنفسهم بأنها عقيدة فاسدة ومنحرفة.
وعلى أى حال، فإن الصورة تكتمل بإجابة مدير المنظمة الأفريقية لدراسات حقوق الإنسان د. محمد منيب، فقد سئل: هل يتعارض حظر البهائية مع حقوق الإنسان؟ فأجاب بأن مواثيق حقوق الإنسان لا تتعارض ولا تمس الأديان على أى نحو، بل على العكس فإنها تلزم الجميع باحترام الأديان وممارسة الشعائر فى حدود عدم الاعتداء على العقائد الأخرى، ومن حق كل دولة أن تحتفظ لنفسها بما يخصها من موروث ثقافى ودينى وعقائدى، ولا يوجد من حيث المبدأ تناقض بين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وبين المعتقدات الأساسية للدول، فالمادة (19) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولى للحقوق الأساسية والمدنية والعهد الدولى للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كلها تنص على كفالة حرية الرأى والفكر والاعتقاد مع احترام خصوصيات الدول والشعوب.
فإذا كان (البهاء) فى كتابه المقدس (الأقدس) الذى يعتبره البهائيون فى منزلة القرآن والإنجيل والتوراة يقول: من توجه إلى فقد توجه إلى المعبود.. وإذا كان يقول: هؤلاء الهمج والرعاع (يقصد المسلمين) يتلون الفرقان (أى القرآن) كل صباح.. فماذا يكون الحكم على عقيدته.. أليس فيها عدوان صريح على الهوية والقومية الدينية باسم الحرية الدينية؟.
عرضنا وجهات النظر المختلفة حول البهائية.. وأعطينا المدافعين عنها فرصة لإبداء أوجه الدفاع.. وتبقى الكلمة للقضاء وللناس ليختاروا بين العقائد الصحيحة والعقائد الفاسدة ونحن فى زمن تتعرض فيه العقائد الدينية والهوية الوطنية والمصالح القومية لمخاطر شديدة تهدد العقائد والهوية والمصالح بدعاوى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.. وليس لهذه المحنة من دون الله كاشفة!
فهل نغلق الملف؟!