الغضب فى مجلس المرأة
يبدو أن الشعور بالغضب المنتشر لدى قيادات العمل النسائى سوف يتصاعد ويتحول إلى ثورة نسائية أو إلى دعوة إلى السلبية وعدم المشاركة فى الحياة السياسية، ما دام كل ما هو مطلوب من المرأة المصرية أن تسجل اسمها فى جداول الناخبين، وتذهب إلى لجان الانتخابات لتعطـى صوتها للرجال، دون أن تحصل على نصيبها العادل من مقاعد مجلس الشعب والمجالس المحلية.
ظـهر هذا الشعور واضحا فى ندوة دعت فيها الدكتورة فرخندة حسن الأمين العام للمجلس القومى للمرأة حشدا من الشخصيات العامة رجالا ونساء حول مائدة مستديرة.
كان من بينهم رؤساء أحزاب، وممثلو جمعيات أهلية، وأصحاب أقلام، وأساتذة جامعات، وقيل فيها كلام كثير يدور حول تساؤل عن أسباب تجاهل الأحزاب للمرأة فى اختيار مرشحيها لمجلس الشعب، وأسباب فشل معظم المرشحات بدون دعم حزبى وهل يكون الحل بإصدار تشريع يخصص مقاعد للمرأة كما هو الحال مع العمال والفلاحين، والحكمة واحدة ؟!.. مقاعد الفلاحين والعمال خصصت لإنصاف فئة كانت مهمشة فى الحياة السياسية، ولم تكن أمامها فرصة للحصول على حقها فى المشاركة فى السلطة التشريعية إلا بنص ملزم فى الدستور، فكان من نتيجة ذلك تشجيع هذه الفئة على المساهمة بالفكر وشعورهم بالولاء لبلدهم، لأن الشعور بالولاء يتولد من المشاركة، والشعور بالسلبية وعدم الانتماء هما نتيجة للتجاهل والتهميش، ومادامت المرأة مهمشة وهى نصف المجتمع فماذا تريدون منها؟ ويستدعى هذا الحال قول الحكيم العربى: من يهمل شيئا يفقده. من يهمل عمله يفقد فرصة التقدم فيه، ومن يهمل أولاده يفقدهم، ومن يهمل ماله يفقده.. وهذا ينطبق على المجتمع تماما، فالمجتمع الذى يهمل فئة يفقدها وتخرج من الدائرة.. المجتمع الذى يهمل الشباب يفقده، والذى يهمل المرأة يفقدها.. وهكذا. كيف نتدارك الموقف قبل أن نصل إلى نقطة التباعد والانعزال؟ الدستور ينص على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل فى الحقوق والواجبات، ولكن الذى يحدث فى الواقع أنه ليست هناك مساواة فى الجانب السياسى وصحيح أن المرأة المصرية حصلت على حقوق كثيرة فى الجانب الاجتماعى.. مثل محكمة الأسرة.. والحق فى الخلع.. وحصول ابن المتزوجة من أجنبى على الجنسية المصرية.. وضمان الحصول على النفقة عن طريق بنك ناصر لحماية المطلقة من تعسف الزوج.. ولكن ماذا عن الجانب السياسى؟ طالبت المرأة بحقها فى تولى القضاء فلم تحصل إلا على مقعد واحد فى المحكمة الدستورية للعرض فقط، ولمجرد إسكات كل من يكرر المطالبة، وليس فى القضاء المصرى حتى الآن سوى سيدة واحدة فقط لا غير من بين آلاف القضاة. وطالبت المرأة بحقها فى تولى المناصب العامة فلم تحصل إلا سيدة واحدة على منصب العمدة، وواحدة رئيس مدينة واثنتان رئيس قرية، وحتى الآن لم تصل امرأة إلى منصب السكرتير العام المساعد أو السكرتر العام أو المحافظ.. أو رئيس جامعة حكومية!
أذكر فى زيارة الرئيس مبارك الأخيرة إلى أسبانيا أن وجدنا رئيسة مجلس الشيوخ، ورئيسة مجلس النواب، ومحافظة العاصمة مدريد كلهن من النساء، وسمعت الكثير عن نشاط وانجازات ومقدرة ونجاح كل منهن، وليس ذلك غريبا، ففى ألمانيا رئيسة الدولة سيدة فى منصب المستشارة وفى فرنسا وزيرة الدفاع سيدة، وفى أمريكا وزيرة الخارجية سيدة، وفى دول أوربا أكثر من رئيسة للوزراء من السيدات.. وكل سيدة أثبتت أنها لا تقل عن أفضل الرجال وأكثرهم حنكة وحكمة فى العمل السياسى والتنفيذى، ومقياس تقدم الأمم فى هذا العصر يعتمد على عدم وجود فئة مهمشة أو مستبعدة من المشاركة السياسية-فماذا نحن-ومصر ليست دولة متخلفة- تكرر الكلام عن دور المرأة، وحقوقها السياسية، وندعوها للمشاركة، ثم نهملها عند الترشيح ولا نقدم لها المساعدة الواجبة لكى تتخطى العقبات الاجتماعية من ميراث سنوات التخلف والظلام.
لقد انتهى الزمن الذى كانت المرأة فيه أقل مرتبة من الرجل، ونحن الآن فى عصر ينظر فيه إلى الإنسان على أنه إنسان بصرف النظر عن كونه رجلا أو امرأة.
هل الحل تعديل الدستور للنص فيه على تخصيص نسبة للمرأة كما فعلنا للعمال والفلاحين، أو أن الأمر لا يحتاج إلى تعديل الدستور وقد يطول انتظار هذا التعديل، ويمكن أن يكون الحل بإصدار قانون يتمشى مع الدستور ويعطى للمرأة حقها؟
قيل إن نظام الانتخاب بالقائمة النسبية للأحزاب والمستقلين هو الحل وقيل إن القوائم يجب ألا تكون قوائم حزبية ويدخل مرشحو الأحزاب فى القوائم مع غيرهم وقيل لا يمكن الحديث عن قضايا المرأة بمعزل عن الإصلاح الشامل، وأن التشريع وحده لا يغير المجتمع ولكنه يعكس درجة التقدم أو التخلف التى وصل إليها المجتمع. وقيل إن هناك تخوفا دائما من القوانين لأن فى مصر قوانين كثيرة لا تنفذ. وقيل إن التيار الداعى للتخلف، والمعادى للمرأة الذى يعتبرها رجسا من عمل الشيطان يجب إخفاؤه عن العيون وحبسه فى محبس أمين، سوف يقف بالمرصاد لكل محاولة للتقدم.
وقيل إن هناك خللا واضحا فى تكوين المجلس التشريعى بانعدام التناسب بين تعداد النساء فى مصر وبين تمثيلها بالغ الضآلة فى البرلمان، فكيف يمكن القول بأن يكون للمرأة 12 مقعدا من بين 454 مقعدا. وهذا الخلل هو فى الأساس خلل ثقافى، وتقاليد لا تعترف بحق المرأة فى المشاركة السياسية، ولا يترك أهمية هذه المشاركة فى تحقيق التنمية الشاملة وتحريك المجتمع كله إلى آفاق التقدم.
وقيل إن انتظار التغيير لهذه التقاليد والأفكار البالية أمر يطول، وتطول معه فترة حرمان المجتمع كله من ثمرات هذه المشاركة، فى ظروف محلية وإقليمية ودولية تجعل هذه المشاركة أحد العناصر الأساسية للإصلاح السياسى الذى ينادى به الجميع، وعلى ذلك لابد من تعديل تشريعى يحقق-دون إبطاء-مشاركة المرأة فى الحياة السياسية بحصولها على عدد من مقاعد المجلس النيابى يؤكد حقها الطبيعى والدستورى.
كيف ننفذ عمليا هذه الفكرة؟
قيل إن الموضع الطبيعى لهذا التعديل التشريعى هو قانون مجلس الشعب لتخصيص نسبة من مقاعد المجلس للمرأة. فهل يتعارض هذا التعديل التشريعى مع الدستور ويتعرض للحكم بعدم دستوريته؟
قيل من فقهاء القانون الدستورى إن ذلك لن يتعارض مع الدستورـ لأن المحكمة الدستورية سبق أن قررت أن مبادئ الشريعة الإسلامية لا تضيق مطلقا عن ممارسة المرأة حقوقها فى العمل وفى المشاركة، وقررت ايضا أن المرأة شريكة للرجل وأن ممارستها لأعمال تفيد المجتمع ولا يعارضها الشرع يزيل عنها عوامل الخمول ويوقظ ملكاتها فيكون نشاطها لصالح المجتمع ومتفقا مع أوضاع العصر. وإن منعها من عمل جائز شرعا وفيه مصلحة هو إهدار لآدميتها، والشريعة غايتها أن تفتح للرجل والمرأة الطريق للعمل لما فيه خير المجتمع، فكلاهما قوة منتجة لها نصيب عادل فى المجتمع، وانعزال المرأة عن مجتمعها يمثل نكسة ويفقدها قدرتها على التأثير فى مجتمعها. وقيل إن الوضع الحالى هو المخالف للدستور لأنه يكرس حرمان المرأة من حق من الحقوق المقررة لكل إنسان وكل مواطن، والمادة (8) من الدستور تقرر أن الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين. والمادة (11) تقرر أن الدولة تكفل التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها ونحو عملها فى المجتمع كما تكفل مساواة المرأة بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون إخلال بأحكام الشريعية الإسلامية. والمادة (40) تنص على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الدين.
وقيل من فقهاء القانون الدستورى إن النصوص القانونية وسائل لخدمة مصالح المجتمع، فإذا كانت النصوص القانونية لا تحقق ذلك وتهدر مصالح المجتمع أو مصالح فئة من المجتمع فإنها نصوص ظالمة وتستحق الإلغاء، وهذا معروف فى الفقه الدستورى والاجتماعى باسم (الفقه الاجتماعى) وهو المعروف فى الفقه الإسلامى باسم (فقه المقاصد)، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الظلم ليست من الشريعة، وفى الفقه الحنبلى أنه إذا تعارض النص مع المصلحة تقدم المصلحة على النصوص، وفى الفقه الدستورى أن مبدأ المساواة بين المواطنين لا يمكن الالتفاف عليه، وبالتالى فإن التمييز ضد المرأة بسبب الثقافة السائدة مخالف للدستور لأنه مخالف لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، والمحكمة الدستورية قررت فى أحكامها أن صور التمييز المجافية للدستور هى كل تفرقة، أو تفضيل، أو استبعاد ينتقص بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، وبوجه خاص فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
المرأة لا تطلب المساواة الحسابية بمعنى أن يكون لها نصف المقاعد فى البرلمان والحكومة وبقية مؤسسات المجتمع، ولكنها تطلب المساواة بمعنى تكافؤ الفرص، وإذا كان المجتمع غير مؤهل لذلك فإن التشريع كفيل بإعطاء هذا الحق إلى أن يستقر فى المجتمع العدل والمساواة والإنصاف.
الشريعة والدستور وطبيعة العصر مع إعطاء المرأة حقها المشروع وعدم حرمانها من هذا الحق. فماذا ننتظر لإعداد هذا التشريع.
غريب أمرنا.. إذا أرادوا إصدار تشريع أصدروه فى يوم وليلة، وإذا أرادوا قتل التشريع أطالوا البحث والدراسة لسنوات وسنوات وتعللوا بالشريعة والدستور وكلاهما ادعاء باطل.
غريب أمرنا.. فنحن نقول كلاما ونفعل عكسه.
وكم ذا بمصر من المضحكات.. كما قال أبو الطيب المتنبى يرحمه الله..