شعرة معاوية بين إيران وأمريكا!
ليس لأمريكا صديق، لأمريكا مصالح تجعلها تعادى أصدقاءها وتصادق أعداءها، ومن يعتمد على صداقة أمريكا فسوف ينتهى به الأمر إلى أن يصبح عاريًا بعد أن تجرده من كل شىء.. والعاقل من يتعظ بغيره، وعلاقة أمريكا بإيران يمكن أن تكون نموذجًا لدراسة العلاقة بين الأخلاق والسياسة فى مفهوم الإدارة الأمريكية الحالية.. والبداية كانت خلال الحملة الانتخابية للرئيس جورج دبليو بوش فى ولايته الأولى عام 2001 فقد كان يصف إيران بأنها مجال واسع لعلاقات الصداقة والشراكة الاقتصادية ولاستثمارات شركات البترول الأمريكية، وعندما تولى الرئيس بوش الرئاسة كانت الإدارة السابقة للرئيس كلينتون قد فرضت فى عام 1996 عقوبات على إيران لمدة خمس سنوات ثم تجدد خمس سنوات أخرى، فقرر بوش مد العقوبات سنتين فقط وليس خمساً كخطوة لتحسين العلاقات.
ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر فقررت إدارة بوش مد يدها إلى إيران لمساعدتها على التخلص من نظام طالبان فى أفغانستان، وكان نظام طالبان يسبب قلقًا لإيران خاصة بعد أن اشترك فى مجزرة تم فيها قتل 13 دبلوماسيًا إيرانيًا فى مدينة مزار الشريف الأفغانية. وقد حصلت القوات الأمريكية التى قامت بغزو أفغانستان على تسهيلات كبيرة من إيران فى مهامها القتالية وفى عمليات البحث والإنقاذ خصوصًا فى منطقة غرب أفغانستان. ولكن الإدارة الأمريكية بعد أن استقرت أوضاعها نسبيًا فى أفغانستان اتهمت إيران بأنها لم تغلق حدودها مع أفغانستان وتركت ثغرة لهروب الملا عمر زعيم طالبان وعناصر من تنظيم القاعدة فرت من المعركة الشهيرة فى تورا بورا التى استخدمت أمريكا فيها أسلحتها الحديثة التى لا مثيل لها فى قوة القتل والتدمير على أمل الإجهاز على أسامة بن لادن وأعوانه.
ثم بدأت إيران تشعر بالخطر وبأنها لا تستطيع أن تطمئن إلى وعود الإدارة الأمريكية بينما الجيوش الأمريكية تحيط بها من كل جانب.. من أفغانستان، وتركيا، والعراق، وجمهوريات آسيا الوسطى، ولذلك بدأت فى السعى إلى الحصول على التكنولوجيا النووية بعد أن أصبح واضحًا أن أمريكا لا تعتدى على دولة تمتلك أسلحة نووية (مثل كوريا الشمالية) بينما تستسهل تدمير أية دولة لا تمتلك هذه الأسلحة (مثل العراق وأفغانستان)، ثم ظهر عنصر ثالث هو أن إيران أصبحت تدعم المنظمات التى تشن الهجمات على إسرائيل، وإسرائيل بالنسبة لأمريكا مسألة لها حساسية بالغة بحيث تعتبر أى محاولة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلى إرهابًا يستوجب أشد العقاب. هنا أطلق الرئيس بوش حكمه الشهير باعتبار إيران ضمن (محور الشر) وأعلن أنها بذلك أصبحت من قائمة الدول التى تطبق عليها استراتيجية (الحرب الاستباقية) وأن (العدالة الأمريكية)، سوف تطبق عليها، وبعد ذلك أحكمت القوات الأمريكية الطوق على إيران من حدودها الشمالية والشرقية والغربية. وفى نفس الوقت أعلن وزير الخارجية الأمريكية (كولن باول) أن إيران لعبت دورًا مهمًا فى (التعاون) مع الإدارة الأمريكية وأن سياستها كانت بناءة فى الحملة الأمريكية على أفغانستان، وبعد ذلك أعلن الرئيس بوش أن الولايات المتحدة سوف تتعامل مع إيران دبلوماسيًا، ثم أعلنت الإدارة الأمريكية أنها بدأت التفكير فى تغيير النظام الحاكم فى إيران. وفى نفس الوقت صدرت تصريحات من مسئولين أمريكيين تفيد بأن الحرب الأمريكية ضد العراق وأفغانستان أوجدت فرصة للتعاون بين أمريكا وإيران، فقد قامت أمريكا بالقضاء على نظام حكم فى أفغانستان كان يهدد أمن إيران، وقامت بالقضاء على حكم صدام حسين الذى كان ضاغطًا على شيعة العراق، وبذلك أطلقت المارد من القمقم ولإيران أهدافها فى العراق، وقد تمت لقاءات عديدة بين دبلوماسيين أمريكيين وإيرانيين برعاية الأمم المتحدة أدت إلى تفاهم بينهما، لأن وجود القوات الأمريكية فى العراق على الحدود الإيرانية كان من الممكن أن يؤدى إلى احتكاكات أو صدامات لكن ذلك لم يحدث، وإن كانت الإدارة الأمريكية تعمل على قلب نظام الحكم فى إيران عن طريق عناصر من المخابرات الأمريكية وأعوانها داخل إيران إلا أنها وافقت على إضافة منظمة مجاهدى خلق إلى قائمة التنظيمات الإرهابية، ومنظمة مجاهدى خلق جيش مسلح معارض للحكم القائم فى إيران ويعمل على القضاء عليه.
ثم خطت الإدارة الأمريكية خطوة أخرى حين قامت القوات الأمريكية فى العراق بقصف مواقع مجاهدى خلق والضغط عليهم لتسليم أسلحتهم الثقيلة، ولكن سرعان ما انقلبت الأحوال ووجهت الإدارة الأمريكية إلى إيران اتهامات شديدة بأنها تقوم بتسليح المقاومة الشيعية ضد القوات الأمريكية، وحين وقعت عملية إرهابية فى العاصمة السعودية الرياض راح ضحيتها 34 من الأمريكيين والسعوديين والأردنيين والفلبينيين أعلنت الإدارة الأمريكية أن هذه العملية قامت بها (القاعدة) وأن التخطيط لها تم فى إيران، ثم أعلن مسئولون فى الخارجية الأمريكية أن إيران ليست متورطة فى هذا الحادث!
تواترت الأنباء فى الإعلام الأمريكى بأن نائب الرئيس ديك تشينى وقيادات وزارة الدفاع (البنتاجون) يخططون لعمل تغيير نظام الحكم فى إيران بواسطة ثورة شعبية، واقتربت الإدارة الأمريكية من منظمة مجاهدى خلق الإيرانية المعارضة وعملت على إعداد الميليشيات الكردية فى شمال العراق بالاستيلاء على جزء من الأراضى الإيرانية أثناء قيام هذه الثورة الشعبية، وتردد رأى فى الإدارة الأمريكية (هو رأى تشينى فى الغالب) بأن تقوم القوات الأمريكية بضربة جوية صاروخية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. ودارت مناقشات مطولة بين البنتاجون والخارجية حول تقدير الموقف الشعبى الإيرانى إزاء التدخل العسكرى الأمريكى، ولأن المسألة لم تحسم اكتفى الرئيس بوش بإعلان أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية دون أن يحدد ماذا ستفعل الولايات المتحدة لتنفيذ ذلك.. وطالبت الإدارة الأمريكية إيران بأن تقبل تفتيش هيئة الطاقة الذرية على منشآتها للتأكد من أنها لأغراض سلمية، ولما وافقت إيران على ذلك اعتبرت الإدارة الأمريكية أن ذلك لا يعنى أن إيران لا تعتزم إنتاج أسلحة نووية.
فى رأى كثير من المحللين الأمريكيين أن المسألة مسألة وقت لقيام أمريكا بضرب المنشآت النووية الإيرانية، وبعض المحللين يرون أن الطريق أمام أمريكا مسدود ولن تستطيع القيام بهذه الضربة الآن وقواتها فى العراق تواجه ما يسمى (المأزق الاستراتيجى) وقد يكون من مصلحة أمريكا أن تنتظر إلا أن ينتهى الصراع الداخلى فى إيران بين التيار المتشدد والتيار الإصلاحى الذى لم يحسم بعد وهذا عنصر مهم فى تحديد السياسة الإيرانية بعد حكم أحمدى نجاد. وفى نفس الوقت فإن نظام الحكم فى إيران يتبع سياسة (شعرة معاوية) مع أمريكا، إذا شدت أمريكا ترخى إيران، وإذا أرخت أمريكا تشد إيران، وهكذا لا تنقطع الشعرة.
هل ستقوم أمريكا بغزو إيران فى وقت قريب؟
فى رأى المشير عبد الحليم أبو غزالة أن هذا الغزو أمامه صعوبات عسكرية، لأن أرض المعركة فى إيران مختلفة عن أرض المعركة فى العراق أو أفغانستان، وإيران لديها قدرات عسكرية لا يستهان بها، والولايات المتحدة فى وضعها الحالى فى العراق وأفغانستان ومعارضة الرأى العام والكونجرس للحروب الأمريكية لا يمكنها حشد قوات بالحجم المطلوب للقيام بهذا الغزو، كما أن الرأى العام الدولى سيعارض هذا الغزو ولن تستطيع تكوين تحالف لمشاركتها فى مثل هذه المغامرة، وفى نفس الوقت فإن إيران يبدو أنها استعدت لكل الاحتمالات وقامت بدراسة استراتيجية الحرب الأمريكية وتكتيكاتها فى غزو العراق وأفغانستان وأعدت استراتيجية مضادة، ومعروف أن الجيش النظامى فى إيران يتكون من (350) ألف جندى وألوف الدبابات وقطع المدفعية ومركبات القتال المدرعة والصواريخ التى يصل مداها إلى 1300 كيلو متر، ونظام الدفاع الجوى لديها مزود بصواريخ موجهة مضادة للطائرات، بالإضافة إلى قوات الحرس الثورى وعددها (125) ألف مقاتل فى فرق مدرعة ومشاة. وقوات البحرية مكونة من 20 ألف مقاتل وقوات جوية خاصة للبحرية، و180 ألف مقاتل فى البحريـة و6 غواصات و3 فرقاطات و10 لنشات صواريخ و7 كاسحات ألغام و9 سفن ابرار و22 سفينة دعم، أما قوة الطيران الجوية فهى مكونة من 2000 فرد ومزودة بطائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر. والقوات الجوية تضم (52) ألف فرد و302 طائرة مقاتلة قاذفة بالإضافة إلى قوة احتياطى شبه عسكرية تضم 40 ألف جندى. وهذه الأرقام من المصادر الأمريكية.
إيران قوة لا يستهان بها. لذلك يبدو أن سياسة (شعرة معاوية) سوف تستمر، وربما تنتقل أمريكا إلى تنفيذ سياسة (حافة الهاوية) دون أن تقع فى الهاوية!