بوش لن يتغير.. العرب يجب أن يتغيروا!
كل الشواهد تدل على أن الرئيس جورج بوش سوف يظل حتى آخر يوم فى حكمه متمسكا بقناعاته ومؤمنا بأن استراتيجيته فى الشرق الأوسط- وفى العالم- هى الصواب.. وجميع الدول والقادة والشعوب على خطأ. لن يوافق على رحيل القوات الأمريكية من العراق مهما ضغط الكونجرس ومهما سارت المظاهرات فى الشوارع وتجمعت الآلاف من الأمهات الثكالى اللاتى فقدن أبناءهن فى حرب بلا سبب، فهو حين أرسل القوات لغزو العراق أرسلها لتبقى سنوات طويلة وليس لترحل حتى بعد إزاحة حكم صدام واستيلاء أمريكا على البترول وتدمير دولة كانت مصدر قلق لإسرائيل.. وبعد أن نجح فى تهديد الدول العربية حين أصبحت قوات الغزو الأمريكية على حدود سوريا والأردن والسعودية وقريبة جدا من الدول العربية الأخرى.
والرئيس بوش لن ينفذ وعوده التى يكررها كل يوم عن إقامة الدولة الفلسطينية على الرغم من أنه بدأ يتفهم أخيرا أن القضية الفلسطينية هى مصدر التوتر فى المنطقة، فهو لا يهتم باستمرار التوتر والدمار فهما جزء من فلسفته السياسية التى أعلنها عن الفوضى التى تُسهِّل على أمريكا إعادة تركيب وبناء المنطقة، وفقا لمصالح أمريكا وإسرائيل.
وهو لن يسمح بتدخل الأمم المتحدة بأى صورة من الصور فى العراق لأن الجيوش التى أرسلها سوف تظل تحت العلم الأمريكى وحده، لتعلن هيمنة أمريكا وانفرادها بتحديد مستقبل ومصير المنطقة.
وسوف تستمر القوات الأمريكية فى استخدام الأسلحة الحديثة التى تجربها عمليا فى العراق، وهى أسلحة ذات قوة قتل وتدمير غير مسبوقة، ولن يهمه أن يزيد عدد القتلى العراقيين على نصف مليون إنسان، بينما يستدعى طاقم أطباء ليلا لإسعاف كلبه المدلل حين أصابته وعكة صحية خفيفة (!).
ولن يحقق شيئا من مطالب الوطنيين العراقيين بأن يقدم كشف حساب عن ثروات العراق التى لم يعد لها أثر.. أين مليارات الدولارات التى كانت فى البنك المركزى ووزارة البترول وقصور صدام ورجاله وهى مليارات استولت عليها القوات الأمريكية وشوهدت تلك القوات على شاشات التليفزيون وهى تحمل صناديق مليئة بالدولارات، وتحدثت الصحف الأمريكية عن مليارات من أموال العراق اختفت ولم يعثر أحد على مستندات الصرف ومليارات استولت عليها شركات أمريكية بالتزوير.. وخلافه.
وسوف يستمر فى تغيير مناهج التعليم لكى ينشأ الجيل الجديد من أبناء العراق بفكر جديد يؤمن بالاستسلام والتنازل عن الحقوق الوطنية والإعجاب بالمغتصبين وتقليدهم وقبول هيمنة الشركات الأجنبية على الاقتصاد العراقى وفتح العراق للمغامرين الأمريكيين والإسرائيليين باسم الواقعية وثقافة السلام، والانقلاب على فكرة القومية والانتماء العربى، والانكفاء داخل الحدود التى ستفرض على أساس الانتماءات العرقية والمذهبية.
ولن يهتم الرئيس بوش بالحقيقة التى بدأ يدركها الأمريكيون وتكشف حقيقة نواياه.. كما فعل الخبير الأمريكى فى شئون الدفاع (مايكل كلير) الذى أعلن أن إدارة بوش تستخدم قوتها العسكرية المتفوقة وإستراتيجية الحرب الاستباقية لفرض هيمنتها الاقتصادية على العالم عن طريق السيطرة على الموارد الطبيعية وأهمها البترول.. أى أن كل ما قيل ويقال كذب فى كذب.. فليس الهدف نشر الديمقراطية ولا تحرير الشعوب من الحكام الفاسدين المستبدين، ولا مساعدة الدول على الدخول فى العولمة بما يعنيه ذلك من تنمية مواردها وقدراتها التكنولوجية لتأهيلها للتعامل مع الدول المتقدمة.. ولا الحرب ضد الإرهاب.. كله كلام فى كلام.. كانت الإدارة الأمريكية تستخدم هذه الأكاذيب إلى أن تتمكن من السيطرة وتحقيق أهدافها، فلما حققت ذلك بدأت تلعب على المكشوف وتظهر انفرادها بقيادة العالم.. وتنفذ صراحة ما سبق أن أعلنه مهندس الاستراتيجية الأمريكية الثعلب العجوز هنرى كيسنجر من أن أمريكا ستعمل على أن تكون إسرائيل هى القوة الرئيسية فى الشرق الأوسط، وأن تكون العلاقة معها علاقة شراكة استراتيجية، وأن يستمر تهديد إسرائيل للعرب لأن ذلك هو الضمان لهرولتهم دائما إلى أبواب البيت الأبيض. وهذا ما يفسر الضغوط الأمريكية على إيران ومحاولة تقليص أو تدمير قوتها إن أمكن.
وسوف يظل الرئيس بوش يتلاعب بالملف الفلسطينى، بإطلاق التصريحات والوعود لإحياء الآمال عند العرب وضمان سيرهم خلفه، وبالتلويح بمباحثات ولقاءات وتخفيف القيود التى تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين مقابل تنازلات من الفلسطينيين والعرب وبعدها تفرض إسرائيل قيودا جديدة وتطلب تنازلات جديدة وخلفها البيت الأبيض طبعا، وفى النهاية لا يبدو لدى إسرائيل حل للقضية الفلسطينية بعد سنوات أخرى من (الدوخة) إلا أن يتحول الشعب الفلسطينى إلى كانتونات معزولة عن بعضها تحيط بها إسرائيل من كل جانب.
وسوف يظل الرئيس بوش غارقا فى المستنقع العراقى.. واستنزاف أموال دافعى الضرائب الأمريكية سوف يستمر حتى بعد أن بلغت تكلفة الحرب فى العراق وأفغانستان 300 مليار دولار ووصلت تكلفة حرب العراق الآن 12 مليار دولار شهريا، ومع ذلك سيظل الرئيس بوش يعلن يوميا فى أحاديثه أنه حقق النصر فى العراق ويعلن فى اليوم التالى أن النصر يبدو صعبا ويستلزم تضحيات أكبر، وكأنه يخاطب شعبا من الأطفال وعالما يعيش فى مستشفى الأمراض العقلية.
ما العمل؟
بعض خبراء الاستراتيجية الأمريكيين يرون أن أمريكا ستحتل العراق لسنوات طويلة ولكنها- بعد الفشل الذى جعل العالم يعيد النظر فى مكانها- سوف تفقد الانفراد بالهيمنة خلال سنوات قليلة.. وسوف تكون حرب العراق نقطة انطلاق نحو تغيير استراتيجى كبير على مستوى العالم ولن يطول الزمن كثيرا حتى تظهر قوى جديدة تعيد التوازن فى العالم وتنهى النظام العالمى القائم على القطب الواحد. ويقولون إن القوات الأمريكية ستبقى فى العراق كقوات احتلال تقوم بنفس المهام التى كانت تقوم بها جيوش الاستعمار القديم.. ولكن لن يطول ذلك كثيرا لأن الكراهية للسياسة الأمريكية سوف تزداد ومقاومة الاحتلال سوف تستمر كما فعلت كل الشعوب وليس شعب العراق أقل حرصا على الحرية والاستقلال من الشعب الأمريكى الذى حارب الاستعمار البريطانى، أو الشعب الفرنسى الذى قاوم الاحتلال الألمانى، أو الشعب المصرى الذى قاوم الاحتلال البريطانى، أو الشعب الجزائرى الذى قاوم الاحتلال الفرنسى.. وتاريخ العالم ملىء بقصص مقاومة الشعوب للاحتلال.
لا يهتم الرئيس بوش بغضب الشعوب العربية لرفضه الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضى الفلسطينية والكف عن ممارساتها الوحشية وبناء السور العازل وإعلانها قائمة بأسماء الفلسطينيين الذين سوف تقوم بقتلهم علنا أمام عيون العالم، ولكنه بعد أن يغادر البيت الأبيض ويعود إلى مزرعته ليواصل تربية الخيول والأبقار وإدارة شركات البترول التى يملكها هو ووالده، ربما يدرك أنه بذلك ارتكب خطأ فادحا تسبب فى أضرار جسيمة لأمريكا وليس للفلسطينيين وللعرب وحدهم! ووقتها لن يصدق أحد ما سوف يقوله استمرارا لمسلسل الأكاذيب- أنه لم يقدر على الضغط على إسرائيل، لأن العالم يعرف كيف يساعدهم على المضى فى هذه السياسة وما هى الأموال والأسلحة التى قدمها لها والدعم السياسى بلا حدود الذى ساندها به فى الأمم المتحدة وضد إرادة دول العالم التى يرفض ضميرها هذا الظلم.
الأمر المؤكد أن استراتيجية بوش سوف تدفع دولا كثيرة إلى التفكير فى أن تصبح دولا نووية بعد أن أشعل فى العالم الحروب وأظهر أن العالم أصبح غابة يسيطر فيها القوى وحده ويفعل ما يشاء وليس أمام الضعفاء إلا الاستسلام والرضوخ، ولكن لا بد أن يأتى وقت- لن يكون بعيدا جدا- تستيقظ فيه الدول الضعيفة وتدرك أن سبيلها الوحيد للخلاص هو أن تتوحد وتكتسب عوامل القوة. وأمريكا تستسهل الاعتداء على الدول الصغيرة ولكنها لا تفكر فى غزو دولة تملك القوة النووية ولهذا لم تحشد جيوشا لتدمير الأسلحة النووية فى كوريا الجنوبية لأنها تملك هذه الأسلحة وحشدت الجيوش ودمرت العراق لأنها كانت متأكدة أن العراق ليس لديه أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل.
الدرس للعرب.. أمريكا لا تسمح بقيام أية صيغة للتكامل أو التنسيق أو وحدة الصف العربى. مفهوم. ولكن مع ذلك أمام العرب أن يبدأوا بالتنسيق.. أن يتوقفوا عن الظن بأن كل دولة تستطيع أن تنجو بنفسها إذا انفردت بالعمل وحدها، الحقيقة هى العكس.. لن تنجو دولة عربية تغرد خارج السرب.. فمن السهل اصطيادها.
إن قضية الأمن القومى العربى هى القضية الأساسية التى يجب أن يعمل من أجلها العرب جميعا وبإخلاص. ومفهوم أن أمريكا تسعى إلى إيجاد نظام أمنى يشمل الدول العربية وخاصة دول الخليج، وفى استطاعة العرب أن يرفضوا هذا المشروع كما رفضوه من قبل ويمكنهم البدء.. إذا توافرت لديهم الإرادة- على بناء نظام أمنى عربى قبل أن يسبقهم المخطط الأمريكى- الإسرائيلى. سيواجه مشروع النظام العربى للأمن بمقاومة أمريكية، ولكن ليس كل ما تريده أمريكا تستطيع أن تفرضه إذا كانت هناك إرادة عربية موحدة- وأكرر- ومخلصة- وليس ذلك مجرد كلام، ففى وقت من الأوقات استطاع العرب أن يقولوا لا.. استطاعوا أن يخلقوا الظروف التى تجعلهم قادرين على أن يعلنوا إرادتهم ويعملوا لتحقيق مصالحهم.. فلماذا لا يفعلون ذلك مرة أخرى والله قال لهم فى كتابه العزيز: (ولا تفرقوا فتذهب ريحكم).. وقال: (وأن هذه أمتكم أمة واحدة)