حـزب الله الأمريكى!
نتحدث كثيرًا عن تأثير اللوبى اليهودى فى السياسة الأمريكية، ولا نعرف مدى تأثير اللوبى المسيحى أيضًا. ومن أهم المراجع الأمريكية عن تأثير الدين فى السياسة الأمريكية كتاب أكاديمى بعنوان (الدين والسياسة فى الولايات المتحدة) من تأليف البروفيسور مايكل كوربت أستاذ العلوم السياسية وزوجته البروفيسور جوليا ميتشل كوربت أستاذة الدراسات الدينية بجامعة (بال) يكشف عن مدى تغلغل تأثير التعصب الدينى فى التوجهات والقرارات السياسية فى السنوات الأخيرة، ومدى انتشار الجماعات الدينية عمومًا إلى حد أن 90% من الشعب الأمريكى ينتمى إليها، أو يتأثر بها، و10% فقط هم الليبراليون والذين لا يؤمنون بالأديان وأصحاب الديانات الأخرى غير المسيحية.
ولشعور المؤلفين بأن الحقائق والمعلومات التى يضمها هذا الكتاب ستثير دهشة القراء وربما عدم تصديقهم لها فقد اعتمدا على استطلاعات الرأى وأشارا فى المقدمة إلى موقعهما على الانترنت لمن يريد معلومات وتفاصيل أكثر. وللإجابة عن الأسئلة والاستفسارات. وبالإضافة إلى ذلك قاما بتوثيق معلوماتهما بعشرات الكتب والمصادر الأمريكية حول هذا الموضوع وعنوان الموقع لمن يهمه الأمر: (http:/bsuvc.bsu/00amcorbett/: relpo.htm).
يقول الكتاب إن رؤساء أمريكا ابتداء من جورج واشنطن وإلى اليوم يعتمدون على إثارة المشاعر الدينية لتمرير أهدافهم السياسية، حتى أن الرئيس كلينتون فى أول خطاب رئاسى له عام 1997 ردد ما فى الكتاب المقدس عن أرض الميعاد ودعا الأمريكيين إلى العمل من أجل أمريكا باعتبارها (أرض الميعاد الجديدة). ويشير الكتاب إلى أن الدين والسياسة شكلا نسيجًا متداخلاً فى تاريخ الولايات المتحدة منذ البداية وحتى وقتنا الحاضر، ونتيجة لذلك فإن عقائد الجماعات الدينية تؤثر فى موقف السياسيين والمواطنين الأمريكيين من الحرب منذ الثورة الأمريكية وحتى اليوم، كما تؤثر فى سلوك الأمريكيين فى حياتهم الخاصة وفى المواقف من العبودية والفصل العنصرى. ومع أن اليهود يؤمنون بالوحدة بين الدين والسياسة إلا أنهم فى أمريكا يعملون لنشر الليبرالية والحرية الدينية لأن ذلك يفتح المجال لهم للعمل بحرية لتحقيق أهدافهم. وإن كانت الكنيسة فى أمريكا فى الظاهر مستقلة عن الدولة من الناحية المؤسسية إلا أنها فى الواقع مؤثرة فى سياسات الدولة بشكل كبير. وهناك اتفاق على أن يكون التعاون بين المؤسسات الدينية والدولة (من أجل تحقيق الأهداف المشتركة بينهما) وهذا ما يسمونه (الدين المدنى الأمريكى).
وابتداء من عام 1960 ظهرت حركة (اليمين المسيحى الجديد) وظهرت جماعات الضغط الدينية وعشرات من شبكات التلفزيون الدينية، وقد عين الرئيس الأمريكى عددًا من اليمين المسيحى الجديد فى المناصب السياسية، وخفض الضرائب لأولياء أمور تلاميذ المدارس الدينية (الأبرشيات) وقرر أن تكون الصلاة فى المدارس إجبارية واليمين المسيحى يطالب بأن تظل الولايات المتحدة القوة العسكرية العظمى الأولى فى العالم وأن يثبت ذلك للعالم بممارسة القوة، ويعتبرون أن أمريكا كدولة تمثل مشيئة الرب، وأنها (أمة الرب المختارة)، ولذلك يطالبون دائمًا بأن تكون القوانين المدنية مطابقة للتعاليم الدينية.
ومحطات التلفزيون الدينية يسيطر على أغلبها التعصب الدينى وتقود حملات لمعاداة الإسلام والفلسطينيين وتأييد إسرائيل فى سياستها العدوانية، وجمهورها بالملايين وأهمها قناة القس بيلى جراهام، وقناة القس جيمى سواجارت وقناة القس جيرى فالويل التى توصف بأنها إمبراطورية إعلامية دينية وهى تبث مواد تعمق التعصب الدينى والكراهية للآخرين، وأصبح القس جيرى فالويل يمتلك جامعة دينية، وبرنامجا دراسيا يلتحق به مئات الآلاف للتعليم الدينى المستمر، وكلية الحقوق.
وبذلك أصبحت شبكات التلفزيون الدينية المتعصبة فى المركز بالنسبة للثقافة الشعبية الأمريكية وعن طريقها يتزايد تأثير المحافظين المتدينين أكثر وأكثر.
وفى استطلاع للرأى أيد 72% اقتراحًا بأن يبدأ الكونجرس جلساته بصلاة علنية، وأيد 64% أن تبدأ المباريات والاحتفالات بالصلاة، وطالب 37% الحكومة بأن تلزم المدارس بالتشديد على القيم اليهودية والمسيحية لطلبة المدارس العامة، وقال 71% أنه لا يوجد مكان فى أمريكا للدين الإسلامى، وأيد 61% أن تعطى الجماعات اليهودية الأموال إلى السياسيين الأمريكيين الذين يؤيدون إسرائيل، وأيد 64% دعم رجال الدين للمرشحين فى الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية، وأيد 66% أن يقوم رجال الدين بإغلاق محال ومكتبات العروض الإباحية. وفى استطلاعات أخرى عديدة أظهرت أن هناك تزايدًا كبيرًا لتأييد الأمريكيين لمشاركة الكنيسة ورجال الدين فى السياسة، ومع أن الفكرة الشائعة أن نسبة الأمريكيين الذين لا يؤمنون بالأديان والملحدون كبيرة إلا أن الدراسة تؤكد أنهم لا يزيدون على 9% وحتى هؤلاء فيهم من يؤمن بدين غير الأديان الثلاثة، ومنهم من ينتمى إلى فئة (لا أدرى)، ومنهم من يذهبون إلى الكنيسة بطريقة شبه منتظمة، وهكذا حتى (اللادينيين) فيهم نسبة ممن يعتنقون أحد الأديان أو يمارسون بعض الشعائر الدينية.
وأقوى قاعدة للحزب الجمهورى من البروتستانت الايفانجيليكيين، فهم الذين أيدوا الرئيس بوش الأب والرئيس بوش الابن الذى يؤمن بتأثير الله والشيطان فى السياسة ويعتبر نفسه من (حزب الله) بينما يعتبر إيران وسوريا وكوريا الشمالية من (حزب الشيطان) أو (محور الشر). والمتعصبون دينيا فى أمريكا هم الذين يقاومون المساواة العنصرية، ولا يؤيدون قضية حماية البيئة، وفى اعتقادهم أن تدهور البيئة من تدبير الإرادة الإلهية، دليل على أن نهاية العالم أصبحت قريبة، وهم أيضًا الذين يعارضون تقييد شراء وحمل السلاح.
ويتناول الكتاب تطور جماعة (أمة الإسلام) التى تكونت عام 1933 من الأمريكيين السود الذين اعتنقوا الإسلام، وكانت لهم مفاهيم عن الإسلام مختلفة عن الإسلام التقليدى. وقد تولى أليجا محمد قيادة هذه الجماعة عام 1934 حتى وفاته عام 1975 وكان يحدث أتباعه بأن المسيحية كانت دين العبيد وأنها بررت استغلال السادة البيض للعبيد وأن الإسلام هو الدين الحق للسود، وكان يدعو المسلمين السود إلى أن يعزلوا أنفسهم عن المجتمع الأمريكى لأنه مجتمع (الشياطين البيض). ولذلك كان ينادى بأنه مقصلة للسود داخل الولايات المتحدة. وفى منتصف القرن العشرين أصبح مالكولكم إكس هو الممثل لقائد أمة الإسلام فقامت الجماعة ببناء المساجد فى كثير من المدن الكبرى. وفى عام 1964 أنشأ مالكولكم إكس منظمة خاصة (جماعة المسلمين) وسافر إلى السعودية لأداء فريضة الحج وعاد بمفاهيم جديدة تتفق مع مفاهيم الإسلام الصحيح، أما جماعة أمة الإسلام بعد وفاة قائدها أوليجا محمد فقد انقسمت إلى جزءين. الجزء الأكبر بقيادة والاس ابن أوليجا محمد وأصبح اسمها مفوضية المسلمين الأمريكيين، تؤمن بأنه لا يوجد مسلمون سود ومسلمون بيض، ولكن يوجد مسلمون فقط، أما الجزء الثانى فقد ظل باسم (أمة الإسلام) بقيادة لويس فرخان، ويقدر أعضاء هذه الجماعة بين 20 و30 ألفا، وهؤلاء ينظرون إلى البيض على أنهم شياطين ويؤمنون بفكرة الفصل العنصرى بين البيض والسود، وفرخان متهم بمعاداته للسامية وهجومه على اليهود.
وفى مقابل جماعتى المسلمين السود هناك جماعات مسيحية للسود يزداد تدخلهم فى الشئون السياسية ويشجعهم القساوسة السود على ذلك. وعمومًا- كما يقول الكتاب- فإن الجماعات الدينية فى المجتمع الأمريكى أصبحت جماعات مصالح تؤثر فى السياسيين وفى الرأى العام وتنظم حملات إعلامية، وتستخدم أسلوب (اللوبى) برفع القضايا فى المحاكم، وحشد المظاهرات، وتستخدم الصحافة والإذاعة والتليفزيون والمواعظ فى الكنائس، وتستفيد من الدعم المالى الكبير الذى تمنحه لها الكنائس، وأنشط الجماعات الدينية هى الجماعات اليهودية. واليهود فى أمريكا 3% من السكان ومع ذلك فإن لهم تأثيرا كبيرا جدًا فى السياسة ولهم قنوات اتصال مفتوحة مع البيت الأبيض والكونجرس والإعلام، ولهم نفوذ قال عنه مدير منظمة (إيباك) (لجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأمريكية): (إننا نعمل فى الأنشطة السياسية على مدار الأربع والعشرين ساعة، وتأثير اليهود مهم جدًا فى كل انتخابات ويعمل له المرشحون والأحزاب ألف حساب. وهدف إيباك الأول والأخير مصالح (إسرائيل) وحشد التأييد الرسمى والشعبى فى كل المواقف.
يقول مؤلفا الكتاب إن التدخل الزائد للدين فى السياسة أساء إلى السياسة الأمريكية، لأن رؤية رجال الدين مختلفة عن رؤية رجال السياسة، والخلط بين الدين والسياسة – كما يقول المؤلفان – كالخلط بين الزيت والماء، فالدين يلزم باتباع الصواب والخير والأخلاق ويؤهل الإنسان الفاضل للآخرة، والسياسة تعمل للدنيا، ولا تلتزم بالأخلاق وإنما تلتزم فقط بالمصالح.
البروتستانت هم الأغلبية فى الولايات المتحدة ولهم جماعات متعددة وأهمها الميثوديون، واللوثريون، والمشيخيون، وحوارى المسيح، وكنيسة المسيح المتحدة، والأسقيون، أما الكاثوليك فإنهم 25% من تعداد الأمريكيين وهم يؤمنون بأن الكنيسة الكاثوليكية كنيسة عالمية واحدة لها قائد واحد هو بابا الفاتيكان، وأن سلطة البابا تعود إلى المسيح نفسه، وللبابا سلطة تحديد الحلال والحرام وسلطة غفران الذنوب أو الحرمان من الخلاص، والكنيسة هى وحدها المختصة بتفسير الكتاب المقدس، والكنيسة الكاثوليكية لها دور سياسى معروف والبابا نفسه هو رئيس دولة الفاتيكان وهى دولة لها وزراء وسفراء ولها تدخلات فى السياسات الدولية وأشهرها دورها فى إسقاط الاتحاد السوفيتى.
أهمية هذا الكتاب أنه يشرح بالتفصيل لماذا تؤثر الاعتقادات الدينية فى السياسات الأمريكية وفى الرئيس بوش بالذات؟ وحسنا فعلت مكتبة الشروق الدولية بإصدارها الطبعة العربية فى وقت تحتاج فيه معرفة الكثير عن حقائق السياسات الأمريكية التى لم نكن نعلمها.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف