الإرهاب يدق جميع الأبواب!
بعد التفجيرات الإرهابية فى الجزائر والمغرب انتقل الإرهاب إلى السعودية، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ فى أى بلد عربى آخر سوف يضرب الإرهاب ضربته، فالواضح أن الدول العربية جميعها ودون استثناء هدف دائم للإرهاب العـابر للحـدود، وللإرهـاب المحلى المستوطن فى المجتمعات العربية، وكلاهما (الإرهاب الدولى والإرهاب المحلى) أصبحت لديهما الخبرة والإمكانات (الفكر والتمويل والمتفجرات وأدوات الاتصال) مما يجعلهما قادرين على التخطيط والتنفيذ واختيار الوقت والمكان لكى يحدثا أكبر قدر من الخسائر. لذلك يقول خبراء الاستراتيجية إن الإرهاب أصبح الآن التهديد المباشر للأمن القومى، بل إن البعض يرى أنه التهديد الأكبر للأمن القومى، مما يفرض على الحكومات والشعــوب أن تتخـذ أقصى إجراءات الاحتيـاط والحـذر.
والمشكلة أن الإرهاب عدو مجهول.. خفى.. يعيش بيننا ولا نستطيع أن تكشفه بسهولة.. وشبكات الإرهاب تتحرك متسترة بمظهر برئ. فى السعودية منذ أيام قليلة بالتحديد يوم 27 أبريل تم ضبط 7 خلايا تضم 172 إرهابيا من جنسيات مختلفة كانت تهدف إلى تفجير منشآت بترولية وقتل شخصيات عامة، وقال بيان وزارة الداخلية السعودية إن أفراد هذه الخلايا من المتأثرين بالفكر الضال وإنهم جعلوا أنفسهم أدوات فى أيدى الغير للإساءة إلى دينهم ومجتمعهم ووطنهم، واتخذوا من تكفير المسلمين وسيلة لاستباحة الدماء والأموال. يلفت النظر أن بعض هذه الخلايا- كما أعلنت الداخلية السعودية- يرتبط بعناصر خارجية لديها معسكرات فى الخارج لتدريب الشباب المضلل على استخدام الأسلحة والمتفجرات وإعادتهم إلى بلدهم لتنفيذ الأعمال الإرهابية. وأغرب ما فى القصة أن بعض الإرهابيين قاموا بمبايعة زعيمهم عند الكعبة المشرفة على السمع والطاعة وتنفيذ جميع أوامره، وأن برنامج تدريبهم شمل دراسة الطيران تمهيدا للقيام بعمليات شبيهة بأحداث 11 سبتمبر فى نيويورك وواشنطن، وقد جمع زعيم هذه الجماعات أموالا طائلة من المواطنين بحجة استثمارها فى شركات وهمية.
وما حدث فى السعودية حدث فى دول عربية وإسلامية أخرى ويمكن أن يتكرر وأن يتسع نطاق هذه العمليات.. والمشكلة أن الإرهاب عدو مجهول.. خفى.. يعيش وسط المواطنين الآمنين ولا يمكن اكتشافه بسهولة.. وشبكات الإرهاب تتحرك متسترة بمظهر البراءة وهى مدربة على أعلى مستوى على عمليات الخداع، وتستفيد من الحريات المتاحة.. حرية التنقل.. وحرية الاتصال.. وحرية الاجتماع.. وحرية الرأى.. الخ وهذه الحريات المفروض أن تكون لخدمة المواطنين ولصالح المجتمع ولتوفير مناخ التنمية والإصلاح السياسى والاقتصادى، ولكن الإرهاب يستفيد منها أيضا ويحتمى بها.
استراتيجية الإرهاب قائمة على السيطرة على العقول وتوظيف الدين لذلك، والقيام بعمليات لترويع المجتمع وإلقاء الرعب فى النفوس، والإرهاب يقوم بهذه العمليات لقتل أكبر عدد من الناس دون تمييز، وتدمير أكبر قدر من المنشآت عشوائيا، وقد لاحظ الخبراء أنه ليست هناك علاقة بين الضحية والهدف، وليست هناك علاقة بين الضحايا والإرهابيين، فالإرهابى يفجر ويقتل ويخرب وهو لا يعرف ضحاياه ولا يقصدهم تحديدا، بحيث يتوقع أفراد المجتمع الموت فى أية لحظة، كما لاحظ الخبراء أن الإرهابيين يختارون (مسرح) العمليات بحيث يشاهد التخريب أكبر عدد من المشاهدين لكى ينتشر الرعب فى نفوس الجميع ويشعر كل فرد بأنه قد يكون الضحية القادمة.
فى دراسة للدكتورة رباب الحسينى الخبير بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية أن هناك علاقة بين الإرهاب وتجارة المخدرات وعصابات الجريمة الدولية، وأن بعض الجماعات الإرهابية تحصل على الأموال عن طريق الاتجار فى المخدرات والأسلحة (فضلا عن التبرعات التى يقدمها أهل الخير من الأثرياء فى الدول العربية بحسن نية على أنها مساهمة فى نشر الدعوة الإسلامية ومساعدة الشعوب العربية والإسلامية التى تعانى من الفقر أو الاحتلال الأجنبى) وتشير وثائق الأمم المتحدة إلى أن التحالف بين جماعات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية يرجع إلى حاجة منظمات التجارة الدولية فى المخدرات فى الاستفادة من الهياكل والكوادر والقوة القتالية للجماعات الإرهابية، واحتياج الجماعات الإرهابية إلى الأموال.
وعن خطر الإرهاب على الأمن القومى يقول الدكتور عبد المنعم المشاط- أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- إن الهدف الأسمى للدولة هو الحفاظ على الأمن القومى وتقويته، ولذلك تحرص الدول على تحقيق الاستقرار الداخلى والتوازن الخارجى مع الأطراف المؤثرة فى النظام الدولى. وهذا ما يدفع الدول إلى التركيز على الوحدة الداخلية وحماية مجتمعها من كل أشكال العنف ولكن أغلب دول العالم الثالث ومنها الدول العربية تنظر إلى الأمن القومى نظرة ضيقة من زاوية القدرة العسكرية واستخدام وسائل القوة المادية والإكراه السياسى وتعتبر ذلك كافيا لتحقيق الأمن القومى دون أن تمد بعدها وسياساتها العامة إلى الأبعاد الرئيسية للأمن القومى التى تضمن الولاء والانتماء وتقود إلى الاستقرار دون الحاجة إلى اللجوء إلى أدوات الإكراه والقمع. وتنفذ الدول العربية سياسات تتميز بالمغالاة فى الانفاق على التسلح اعتقادا منها أن ذلك هو الضمان لبناء دولة قوية تردع الطامعين من الأعداء وتخوف من تسول له نفسه من الجماعات الداخلية مناصبة النظام العداء، لكن المغالاة فى الاعتماد على الأداة العسكرية يعود على الدول المنتجة للسلاح بأرباح مؤكدة ويؤدى إلى تنشيط صناعة وتجارة السلاح فى الدول الكبرى، ولكنه بالنسبة للدول العربية يؤدى إلى استقطاع نسبة كبيرة من الناتج القومى الإجمالى قد تصل إلى أكثر من 35% فى بعض الأحيان.
الإرهاب مثل السرطان منتشر فى أنحاء العالم وكذلك فى الدول العربية والإسلامية. وهو الخطر الأكبر على الاستقرار والتنمية، وهو التهديد الحالى للأمن القومى.
وللمسألة جانب آخر. بعض الباحثين يرى أن الإرهاب ظاهرة دخيلة على الإسلام وعلى العالم العربى وأن وجوده مرتبط بمؤامرة يمكن فهمها فى ضوء ما يجرى من تطبيقيات للعولمة وصدام الحضارات والعداء للإسلام كبديل للعدو السابق (الاتحاد السوفيتى والشيوعية) ولذلك فإن العالم الغربى لا يستخدم لفظ الإرهاب إلا للإشارة إلى أعمال العنف فى العالم العربى وما تنفذه عناصر عربية أو إسلامية فى أنحاء متفرقة من العالم.
وكان الدكتور حامد ربيع أستاذ العلوم السياسية الكبير الراحل يكرر التنبيه إلى أهمية العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية والدولية التى تؤدى إلى تزايد خطر الإرهاب على الأمن القومى. فالمواطن يعانى من التمزق النفسى نتيجة التحول إلى المجتمع البرجوازى الاستهلاكى فضلا عن سيطرة الفكر المتعصب وتزايد الشعور بالعزلة والضياع فى جيل يمكن أن يتحول إلى رغبة لا شعورية فى تحطيم الذات، وتطلعات طبقية ورغبة فى اللحاق بالأثرياء الذين حققوا الثراء بقفزات سريعة غير مفهومة. وإذا أدركنا أن كل عصر له جرائمه، فإن هذه الاعتبارات جميعها تزيد من تعقيد وظيفة الأمن، ثم إن التحلل الأخلاقى يضيف عاملا آخر لإثارة مشاعر جانب من الشباب، ويكفى أن نشير إلى انتشار المخدرات والمشاهد والأفلام الجنسية فى التليفزيون والسينما، ومظاهر التحلل والسفه فى سلوك الطبقة الجديدة.
أقصر الطرق المؤدية إلى الإرهاب هو التعصب المذهبى والعقائدى، وأخطر ما حدث فى السنوات الأخيرة هو استخدام الإرهاب الدولى أداة من أدوات السياسة الخارجية (خطف وقتل القيادات والزعماء- تفجير السفارات والمنشآت الحيوية وأماكن التجمعات والمواقع الحكومية الحساسة.. الخ) وقد تطورت هذه الوسائل من مجرد أدوات تلجأ إليها الدول الصغرى التى تسيطر عليها حكومات متعصبة فأصبحت تستخدمها الدول العظمى أيضا مع وسائل أخرى مثل تشجيع الأقليات على التمرد، وخلق القلاقل الداخلية والتوتر بين فئات المجتمع، ويضاف إلى كل ذلك التطور الرهيب لأسلحة الحرب النفسية ومحاولات التدخل والتأثير فى المجتمعات بهدف إضعاف الإرادة القومية وشغل الدولة بمشاكل داخلية.
وكان الدكتور حامد ربيع ينبه إلى سعى القوة العظمى إلى تطويع نفسية المواطن العادى وإعداده لتقبل أى تغيير لصالح التدخل الأجنبى، وكان يشير إلى الأبحاث المتقدمة فى الولايات المتحدة وفى معهد شيكاغو بالذات الذى تعتبر أبحاثه من الأسرار العسكرية حول استخدامات ظاهرة الذعر الجماعى.
إذا تصورنا أن حماية الأمن القومى من تهديدات الإرهاب هو مسئولية الحكومة وأجهزة الأمن فقط نكون مخطئين، لأن الأمن القومى مسئولية المجتمع كله.. الدولة وأجهزة الأمن والمواطنين.. المخاطر الحالية تستلزم أعلى درجة من درجات التماسك القومى ولن يتم ذلك إلا من خلال الثقة والتعاون بين المواطن وجهاز الأمن.. وهذه مسألة تحتاج إلى إعادة النظر فى الأساليب الحالية لتنشئة المواطن وإعداد رجل الأمن، بل الأمر يقتضى إعادة النظر فى فلسفة واستراتيجية مؤسسة الأمن ومؤسسات التربية والإعلام والثقافة. ومهما تكن المهمة صعبة فإن سلامة الوطن تستحق أن يتقبل الجميع القيام بالمهام الصعبة.