الضرورات والمحظورات فى قانون الإرهاب
شهدت مدينة الدار البيضاء المغربية ثلاثة تفجيرات انتحارية فى يوم واحد، أدت إلى مقتل 16 شخصًا وإصابة عشرات من المواطنين وأفراد الشرطة الذين تصادف وجودهم. كان ذلك يوم 10 أبريل الحالى. قبل ذلك بشهر وبالتحديد يوم 11 مارس الماضى فجر زعيم مجموعة انتحارية مغربية نفسه بحزام ناسف.. قبل ذلك بشهر وبالتحديد يوم 11 مارس الماضى فجر زعيم مجموعة انتحارية مغربية نفسه بحزام ناسف.. وأعلن مسئولو الأمن أن الإرهابيين خططوا لتفجير سفن أجنبية فى ميناء الدار البيضاء وفى مواقع أخرى من بينها فنادق فى مدينتى مراكش وأغادير. وقامت أجهزة الأمن باعتقال أكثر من 40 شخصًا يعيشون فى مناطق فقيرة بالدار البيضاء.
وفى اليوم التالى - يوم 11 أبريل الحالى- شهدت العاصمة الجزائرية سلسلة تفجيرات إرهابية فى وقت واحد، وصفتها الصحف بأنها هى الأعنف والأخطر منذ عدة سنوات. استهدف أحد هذه التفجيرات مقر رئيس الوزراء الذى يوجد به أيضًا مكتب وزير الداخلية، وبلغت حصيلة القتلى 33 شخصًا، ووصل عدد الجرحى والمصابين 223 شخصًا. وكان واضحًا أن هذه الهجمات بمثابة إعلان عن عودة الجماعات الإرهابية إلى القتل والتخريب العشوائى، وأن لديها الأموال والسيارات والمتفجرات والشبان الجاهزين والمستعدين لتفجير أنفسهم. وبعد ذلك تمكنت قوات الأمن من تفكيك سيارة ملغومة كانت تحمل أكثر من 500 كيلوجرام من المتفجرات.
الهدف واضح.. نشر الذعر والخراب، والدليل على ذلك أن انتحاريان جديدان قاما بعد أربعة أيام فقط بتفجير نفسيهما بالقرب من المركز الثقافى الأمريكى فى الدار البيضاء. وفى الجزائر سادت حالة من الفزع على سكان شرق الجزائر عقب قيام الإرهابيين بتفجير أكبر أنبوب للغاز فى المنطقة الصناعية هناك مما أدى إلى تسرب كميات هائلة من الغاز هددت بتدمير المنطقة بكاملها. وفى نفس الوقت تم اكتشاف عبوة ناسفة أمام مبنى السفارة الفرنسية فى العاصمة الجزائرية، وفى موقع ثالث متاخم للعاصمة قام الإرهابيون بالهجوم على رجال الشرطة وأمطروهم بوابل الرصاص فقتلوا جنديًا وأصابوا اثنين آخرين، وفر الإرهابيون هاربين قبل وصول تعزيزات الأمن. وفى منطقة رابعة انفجر لغم فى أحد أفراد الحرس أدى إلى بتر ساقه.
لم يكن القتل العشوائى فى المغرب والجزائر فقط. ففى نفس الوقت شهد العراق تفجيرات بشعة.. مقتل وإصابة 49 فى عملية انتحارية فى بغداد نفذتها امرأة. انفجار فى كركوك يؤدى إلى قتل 57 وإصابة 70، انفجار فى وسط بغداد يؤدى إلى قتل 10 وإصابة 15، انفجارات تؤدى إلى قتل 200. وهكذا وهكذا.. الأرواح فى العراق رخيصة.. والدماء تملأ الشوارع.. ومشاهد القتل أصبحت من الأمور اليومية والمعتادة.. والمشكلة التى تواجه العراقيين الآن هى صعوبة تدبير النعوش والمقابر لكل هذه الآلاف التى تتساقط. ولم تعد أية جهة قادرة على حصر أعداد القتلى بدقة وإن كانت التقديرات أن العدد يزيد على 250 ألفًا.
ما معنى كل ذلك؟
معناه باختصار – أن المنطقة تعيش الآن على برميل بارود، بل إنها فى الحقيقة تعيش فى مرحلة حرب. ويحيط بها الخطر من كل جانب. الإدارة الأمريكية ماضية فى تنفيذ سياسة عدوانية ضد الشعوب العربية والإسلامية باسم محاربة الإرهاب وهى تعلم أن سياستها العدوانية هى التى تدفع جماعات من أبناء المنطقة إلى الانخراط فى تنظيمات سرية تتخذ العنف وسيلة لاستعادة الحرية لبلادها، حيث لا توجد أمامها بارقة أمل فى تحقيق العدالة بسبب سياسة القوة التى تتبعها الولايات المتحدة وإسرائيل فى المنطقة. وهذا ما يجعل التوقعات تشير إلى احتمال انتشار المنظمات الإرهابية فى الشرق الأوسط وفى كثير من دول العالم. وفى رأى خبير الإرهاب اللواء فؤاد علام أن الظروف الدولية أدت إلى ظهور كل التنظيمات الإرهابية، كما أن هناك عوامل محلية فى معظم الدول العربية مثل إنعدام الديمقراطية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية فى كثير من هذه الدول، وانتشار ثقافة الإرهاب، والممارسات الأمنية الخاطئة، وتراجع دور المؤسسات الدينية الرسمية، وانتشار الأفكار الدينية المنحرفة والتكفير. ويتوقع اللواء علام ظهور موجة إرهابية جديدة تنتشر فى كثير من دول المنطقة على الرغم من المراجعات الفكرية التى صدرت عن الجماعة الإسلامية والتى على وشك الصدور من جماعة الجهاد، لأن عوامل ظهور جماعات جديدة ما زالت موجودة، وخروج جماعة أو أكثر من دائــرة العنف لا يعنى خلو الساحة من أسباب ظهور العنف.
ما العمل؟
كان إعلان حالة الطوارىء هو الحل فى الثمانينات، ولكن قانون الطوارىء استمر تطبيقه لسنوات طالت بأكثر مما يجب، وهو قانون يعطى لسلطات الإدارة والسلطة التنفيذية الحق فى اعتقال من يشتبه فيهم، ويعطى للنيابة سلطة حبس المتهمين حبسًا يمتد لعدة أشهر، كما يفرض قيودًا على حق الاجتماع، وحق الانتقال، وحق الإقامة، ويعطى للسلطات الحق فى مراقبة الرسائل والصحف والمطبوعات والرسوم ووسائل الإعلان قبل نشرها. ويعطيها الحق فى مصادرة هذه المواد وإغلاق أماكن طباعتها، ويعطيها أيضًا سلطة تحديد مواعيد فتح وإغلاق المحلات، وسلطة إغلاق هذه المحلات وحتى إغلاق بعض المناطق أو عزلها، وتنظيم وسائل النقل: وهكذا فإن إعلان حالة الطوارىء يعنى إطلاق يد السلطة التنفيذية بسلطات استثنائية على حساب حريات وحقوق المواطنين فى سبيل حماية البلاد من الخطر. وإن كانت السلطات المصرية فى التطبيق لم تستخدم من هذه الوسائل إلا سلطة الاعتقال للمشتبه فى نشاطهم الإرهابى، وتجار المخدرات، إلا أن الإحساس بوطأة قانون الطوارىء كان له تأثيرا سىء على النشاط السياسى والحزبى والفكرى بوجه عام.
ما العمل لحل هذه المعادلة الصعبة: إلغاء قانون الطوارىء وضمان حماية البلاد فى هذا الوقت الذى يتوقع فيه الجميع ظهور موجة إرهابية جديدة قد لا ينجو منها أى بلد فى العالم؟ الدول الكبرى رأت أن الحل هو إصدار قانون لمكافحة الإرهاب وسبقت إلى ذلك الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وغيرها من الدول الديمقراطية، وفى قوانين مكافحة الإرهاب فى هذه الدول سلطات استثنائية فى المراقبة، والتفتيش والاعتقال. وبعض هذه القوانين يعطى لأجهزة الأمن والسلطة التنفيذية سلطات تفوق ما كان فى قانون الطوارىء عندنا. وبعد التعديلات الدستورية لم يعد قانون الطوارىء قائمًا وسوف يحل محله قانون لمكافحة الإرهاب وضعت التعديلات الدستورية حدوده وأسلحته.
وقانون الإرهاب ضرورى لحماية البلاد، ولكن هناك شرط لا يمكن التفريط فيه وهو ألا يكون هذه القانون سلاحًا يحرم المواطنين من حريتهم وخصوصيتهم وحقوقهم الدستورية أو يجعلهم يعيشون مهددين ويتحركون تحت ضغط مشاعر الخوف ويوفر لهم الضمانات الكامنة.. كيف ذلك؟ يقدم اللواء علام تصورًا لما يجب أن يكون عليه القانون فى ضوء خبرته.
أولاً: يجب أن يتضمن القانون تعريفًا واضحًا ومحددًا للإرهاب يتفق مع القوانين الدولية وميثاق حقوق الإنسان.
وثانيًا: أن يتضمن القانون إنشاء نيابات ومحاكم خاصة للتحقيق والنظر فى جرائم الإرهاب، لأنها جرائم لها سمات خاصة تختلف عن الجرائم العادية. مما يقتضى أن يكون القائمون على التحقيق والمحاكمة متخصصين فى هذه النوعية من الجرائم.
وثالثًا: ما دام الإرهاب فى العالم العربى والإسلامى يتستر بالدين الإسلامى ويستغل منابر المساجد والزوايا فى نشر أفكاره، فإن القانون يجب أن يقضى على فوضى وعشوائية الدعوة الإسلامية وينص على أن إلقاء الخطب فى المساجد ليس من حق الهواة وغير المتخصصين الثقاة، ولا يجوز ممارسة الخطابة فى المساجد والزوايا إلا بترخيص من الجهة الدينية المختصة (وزارة الأوقاف أو الأزهر) وأن يكون ذلك للحاصلين على شهادة من إحدى كليات جامعة الأزهر – على أساس أن الدعوة تحتاج إلى دراسة منهجية وتخصص، وليس ذلك غريبًا، فقد كان الحق فى الدعوة والافتاء فى العصور الأولى للإسلام مقصورًا على من يحصلون على إجازة من أحد العلماء والفقهاء الكبار وكانوا هم عمداء المؤسسة الدينية فى ذلك الزمان وكان الراغبون فى ممارسة الخطابة والافتاء يسافرون إلى الأقطار التى يدرس فيها هؤلاء العلماء ويتتلمذون على أيديهم سنوات حتى يحصلوا على إجازة منهم بصلاحيتهم لتعليم الناس شئون دينهم والتصدى للافتاء فى قضايا تحتاج إلى تعمق فى دراسة علوم التفسير والحديث وأصول الفقه وأقوال الأئمة أصحاب المذاهب.
رابعًا: إن الساحة تشهد منذ سنوات نشر الكتب الصفراء القديمة التى تتضمن أفكار الجماعات المنحرفة التى ظهرت فى عصور انحطاط الدولة الإسلامية واندست فى الجماعة الإسلامية ونفثت سمومها للإساءة إلى الإسلام. وهذه الكتب مليئة بالإسرائيليات، والخرافات، والأحاديث المنسوبة كذبًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والآراء المدسوسة على الصحابة. وكان المفروض أن تتصدى جهة علمية لمراجعة هذه الكتب وبيان ما فيها من انحرافات وأكاذيب وتنقية التراث الإسلامى من الأفكار الدخيلة والغريبة عن روح الإسلام. لكن ذلك لم يحدث مع الأسف، ولم يبق أمامنا إلا النص فى القانون على شرط الحصول على موافقة الأزهر قبل طبع كتب التراث الإسلامى الخاصة بالتفسير والحديث والعقيدة والفقه. وليس فى ذلك دعوة إلى اقحام الأزهر فى الرقابة على الكتب، ولكن فيه دعوة إلى قيام الأزهر بمسئوليته فى حماية الإسلام من أفكار منحرفة ظهرت فى عصور الظلام والانقسامات والطائفية وتسلل فيها أعداء الإسلام إلى صفوف المسلمين لتخريب الإسلام من الداخل، وقد نجحوا فعلاً فى شق صفوف المسلمين وإثارة العداوات والحروب فيما بينهم. ولم تعد وحدة المسلمين قائمة بسبب ذلك.
خامسًا: إن مكافحة الإرهاب لن تتحقق إلا بوضع ضوابط سليمة لحق الافتاء. فليس من المعقول أن يترك حق الافتاء لكل من قرأ كتابًا أو أكثر دون أن يتسلح بالمنهج العلمى والإلمام الكافى بعلوم الدين والخبرة والكفاءة. وهذا ما جعل قادة التنظيمات يصدرون فتاوى تبيح ارتكاب جرائم السرقة والقتل العشوائى والتخريب. وقد تكون هذه هى الفرصة للنص على اختصاص جهة علمية- ولتكن دار الافتار- على أن أن تصدر عنها الفتاوى فى شئون الدين عن طريق لجنة من كبار العلماء وبذلك تتوقف سيول الفتاوى والاجتهادات الفردية المتسرعة المتضاربة التى وصلت إلى حد تشكيك المسلمين فى عقيدتهم وفى الثوابت والمسلمات التى يؤمنون بها.
سادسًا: يقترح النص فى القانون على عقوبة لكل من تتوافر لديه معلومات عن نشاط إرهابى ولا يقوم بإبلاغ السلطات المختصة بهذه المعلومات لأن محاربة نشاط الإرهاب ليست مسئولية أجهزة الأمن وحدها ولكنها مسئولية المواطنين والمجتمع كله، وواجب لا يجوز التساهل مع من يتخلى عنه ويتسبب بذلك فى الإضرار بالبلد.
وعلى الجانب الآخر فإن الحياة السياسية والفكرية لا تكتسب الحيوية وتزدهر إلا فى مناخ الحرية. فإذا أدى قانون مكافحة الإرهاب إلى خنق الحريات من أجل حماية المواطنين فسوف يكون مثل الدبة التى قتلت صاحبها فى المثل المشهور.