رسالة جديدة من الإرهاب!
التفجيرات التى حدثت فى المغرب والجزائر تمثل رسالة من الإرهاب بأنه ما زال موجودا. فالجماعة الإرهابية التى نفذت هذه التفجيرات وقتلت الأبرياء ودمرت المنشآت أطلقت على جريمتها اسم (غزوة بدر)، وقبل ذلك أطلق الإرهابيون على التفجيرات فى قلب العاصمة الأسبانية عام 2004 والتى قتلت العشرات من المدنيين اسم (غزوة الأندلس) وهكذا يربط الإرهابيون بين جرائمهم وبين الإسلام فيشوهون صورة الإسلام فى العالم ويشوهون التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية، ويقدمون بذلك المبرر لتيار اليمين المتعصب فى أوربا وأمريكا لاضطهاد المسلمين الذين يعيشون هناك والمطالبة بطردهم أو على الأقل اضطهادهم والإساءة إليهم، مما جعل بعض المحللين يرون أن هذه العمليات الإرهابية ليست إسلامية لأنها لا تفيد الإسلام ولا تخدم مصالح المسلمين، وأنها فى الغالب مدفوعة بأيد خبيثة خفية للإساءة إلى الجاليات الإسلامية فى أوربا وأمريكا، وإساءة العلاقات بين دول أوربا وأمريكا والدول الإسلامية بحيث يفقد المسلمون تعاطف الغرب مع قضاياهم العادلة وتتأكد النظرية الامبريالية التى تعتبر الإسلام عقيدة عنف وإرهاب وعدوان وتعتبر المسلمين خطرا على الحضارة الحديثة، وترتب على ذلك نظرية الصراع بين الإسلام والغرب.
لقد كشفت التفجيرات الإرهابية فى المغرب والجزائر عن حقائق غفلت بعض الحكومات والشعوب عنها بعد فترة الهدوء الخادعة وأهمها أن الإرهاب لم يتم القضاء عليه، ولن يتم القضاء عليه إلا بعد مواجهات بالفكر والسلاح والإصلاح الاجتماعى والثقافى والدينى ولابد أن يستمر ذلك وقتا طويلا ونكرس له جهودا كبيرة. والمشكلة أن الحكومات والشعوب تظن فى لحظات الهدوء أنها وصلت إلى بر الأمان ثم يتبين أنها لم تكن سوى هدنة يلتقط فيها الإرهابيون أنفاسهم ويعيدون ترتيب صفوفهم ويحددون أهدافهم وينتظرون الأوامر بالتحرك عندما تحين لهم الفرصة.
ولقد عبّر السيد عمرو موسى عن أن أهم أهداف الإرهاب هو ضرب مشروع التقدم فقال: حين كنا نبحث فى الجامعة العربية موضوع إدارة التنمية والسياسات الاجتماعية ومعوقات التنمية فى المنطقة العربية اتفقنا على أن هناك عائقا أساسيا يعوق التنمية هو الإرهاب، وأن هذه قضية تحتاج إلى دراسة متعمقة، فالأحداث الإرهابية تؤدى إلى إرهاق أجهزة الدولة وتصرف جهودها عن التنمية، كما أن جرائم الإرهاب تستنزف الموارد المخصصة للتنمية وهى فى الأصل موارد محدودة، وهكذا يفرض الإرهاب ثمنا باهظا على مقومات الاقتصاد الوطنى ويؤثر بالسلب على الدخل القومى، وعلى الصادرات، وعلى تدفقات الاستثمارات، ويؤدى ذلك بطبيعته إلى زيادة العجز فى الموازنة، كما يتسبب فى الإضرار بالسياحة والصناعة.
وأعتقد أن هذا التحليل أصاب الحقيقة، بدليل أن الإرهاب الذى أصبح موجودا فى كل البلاد العربية دون استثناء يختار أهدافه التى تحقق إصابة المجتمع بالتوتر وعدم الاستقرار وفقدان الأمان فى النشاط الاقتصادى بشكل عام، بل إن المنظمات الإرهابية تستهدف المؤسسات الاقتصادية الاستراتيجية مثل السياحة التى تمثل عنصرا مهما من عناصر الدخل القومى وتفتح أبواب العمل لقطاعات كبيرة من المواطنين، وحين تصاب السياحة بضربة- كما حدث فى شرم الشيخ والأردن والدار البيضاء- فإن موارد الدولة ومصادر رزق المواطنين تتأثر تأثيرا كبيرا.
وهناك 12 بلدا عربيا تعانى من الإرهاب- كما قال عمرو موسى- ونتيجة لذلك أصبحت هذه البلاد تعانى من انخفاض الموارد المالية التى كانت ستوجه إلى تحسين الخدمات الاجتماعية وتوفير مستلزمات التعليم والرعاية الصحية والصرف الصحى وتوفير مياه الشرب النقية، مما يعنى توقفا أو تباطؤا فى تحسين أوضاع المواطنين بسبب استنزاف الموارد- المحدودة أصلا- فى الإجراءات الأمنية والتعويضات التى تصرف للمضارين وإعادة بناء ما يدمره الإرهابيون، ويؤدى ذلك فى النهاية إلى تراجع مسيرة التنمية وتحسين الخدمات وتوجيه جزء غير قليل من التمويل المتاح لحماية المجتمع من خطر الإرهاب بدلاً من توجيهها إلى الاستثمار وزيادة فرص العمل.
والدليل على صحة هذا التحليل أن تفجيرات الجزائر تجددت بعد أن حدث تحسن فى الأحوال الاقتصادية وزاد الاحتياطى من النقد الأجنبى وبدأت صناعة البترول تزدهر ومشروعات التنمية الصناعية والسياحية تتقدم والاستثمارات الأجنبية تتدفق، فجاءت هذه الهجمات لتكون تهديدا لهذه المسيرة ونذيرا باحتمالات العودة إلى مرحلة الفوضى الأمنية. كذلك جاءت تفجيرات المغرب فى الوقت الذى بدأ فيه الاقتصاد المغربى يشهد مرحلة انطلاق وازدهرت السياحة- ونحن فى بدايات الموسم السياحى- وصاحب ذلك خطوات ملموسة للإصلاح السياسى غير مسبوقة تبشر بالمزيد من الخطوات نحو الديمقراطية. وأيضاً هذا ما حدث فى مصر، فقد تزامنت العمليات الإرهابية- فى القاهرة أو الأقصر أو شرم الشيخ- فى الفترات التى تزدهر فيها السياحة وتتحرك عجلة التنمية والاستثمار، وكل عملية إرهابية تؤدى إلى خسائر بالغة للشباب الذى وجد فرصة عمل، وصغار المستثمرين الذين بدأوا فى الانخراط فى الاقتصاد الوطنى وأصبحوا مساهمين فى الإنعاش الاقتصادى، وهؤلاء أصيبوا بأضرار بالغة ولا يستطيعون تعويض خسائرهم، وفى أعقاب كل عملية إرهابية حدثت فى مصر انخفضت تدفقات رؤوس الأموال من الداخل والخارج الموجهة للمشروعات الاستثمارية وتراجعت الصادرات وعاد الحديث عن محاولات الخروج من عنق الزجاجة.
هذا هو الهدف الحقيقى للإرهاب فى البلاد العربية.. الهدف الحقيقى هو وقف مسيرة التقدم الاقتصادى، وإعاقة عملية الإصلاح السياسى والاجتماعى، والقضاء على الطموح القومى فى تحقيق النهضة والأمل فى اللحاق بالدول التى سبقتنا، وشغل الحكومات وتخويف المواطنين والأجانب، وتوجيه الاقتصاد فى اتجاه آخر لحماية الوطن والمواطنين، بعد أن يفرض الإرهاب نفسه كخطر محقق على الأمن القومى، ولا تتمكن الحكومات من تنفيذ وعودها بتوفير حياة أفضل للمواطنين.
من المستفيد من التخريب وتعطيل التقدم والتنمية والإصلاح؟
هل تستفيد من ذلك الشعوب؟ هل تتحقق بذلك مقاصد الإسلام؟ هل يمكن أن يكون هؤلاء الذين يقتلون ويخربون عشوائيا ويثيرون الذعر والفزع ويملأون الساحات بأشلاء الأبرياء من المواطنين المسالمين؟.. هل يمكن أن يكونوا يريدون الخير لبلادهم؟.
لا يتفق مع العقل والمنطق أن يكون إصلاح المجتمع بتدمير منشآته واقتصاده وقتل أبنائه.. وهل يمكن أن يتحقق الإعمار بالتخريب؟! هذه الفكرة التى لا يقبلها عقل ولا منطق ليس لها نظير إلا لدى الإدارة الأمريكية الحالية التى أعلنت عن تنفيذ نظرية جديدة أطلقت عليها الفوضى الخلاّقة وبدأت بالعراق وأعلنت أن العراق هو النموذج لما ستصير إليه بقية الدول العربية. ونحن نرى نتائج تطبيق هذه النظرية فى العراق.. حمامات دم.. قتلى بالعشرات كل يوم.. أكثر من ربـع مليــون قتيل.. مليــون ونصف المليـون طفل يتيم.. مئات الآلاف من الأرامل.. شعب بأكمله لم يعد لديه قدرة على مواصلة الحياة وفقد الأمان ومصادر الرزق وانتشرت البطالة.. و.. و..
العراق- بفضل نظرية الفوضى وفى وجود 150 ألف جندى أمريكى تحول إلى أكبر ساحة للإرهاب فى المنطقة.. ساحة تستورد الإرهابيين من أجناس وأقطار متعددة، ويتم فيها تدريب وإعداد عناصر إرهابية جديدة تدريبا عمليا وسط المعارك والنيران، وتصدر الإرهابيين إلى الخارج (وهذا طبعا بخلاف العمليات التى تقوم بها المقاومة الوطنية العراقية للاحتلال الأجنبى). لقد تحول العراق بفضل هذه الفوضى إلى ساحة مفتوحة لأجهزة المخابرات من كل بلد له مصلحة فى تحويل دولة العراق المستقلة إلى أرض خراب وجعلها منصة انطلاق لنشاط وعمليات المخابرات المعروفة.
الواقع يشهد بأن الحرب على الإرهاب التى ادعت الإدارة الأمريكية أنها الهدف من غزو وتهديد دول الشرق الأوسط لم تحقق سوى زيادة مخاطر الإرهاب وانتشاره على نحو غير مسبوق وامتداد خطره إلى أوربا وأمريكا بأكثر مما كان. ولعلنا نفهم- بعد غزو العراق- لماذا ترفض بعض الدول اقتراح مصر بعقد مؤتمر دولى للاتفاق على خطة لمحاربة الإرهاب. ولماذا تحولت الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بالتعاون الدولى لمكافحة الإرهاب إلى حبر على ورق.
كما يشهد الواقع أيضا صحة ما وصل إليه المحللون من أن وجود جماعات الإرهاب فى البلاد العربية دليل على مدى التخلف الذى وصلت إليه أحوال العالم العربى، لأن هؤلاء الذين يفجرون مقر رئاسة الوزراء فى بلد عربى ويفجّرون الأتوبيسات والفنادق والقطارات والمقاهى ومراكز الإنترنت فى بلاد أخرى هم نتاج مرحلة الانحطاط الثقافى والاجتماعى. وبالتالى فإن على المثقفين أن يقفوا صفا واحدا، وألا يتخلف منهم إلا المتخاذل والعميل، للدخول فى معركة فاصلة مع الفكر المنحرف الذى يروج له كثيرون فى العالم العربى بحسن نية أو بسوء نية- وكما يقول الأستاذ هاشم صالح فإن محاربة الإرهاب بالوسائل البوليسية والمخابراتية ينبغى أن ترافقها عملية استئصال للجذور العميقة وللأسباب التى تنتج هذا الخطر. والقضية التى يجب التركيز عليها هى التصدى للفتاوى الدينية المنحرفة- كما حدث فى مراجعات الجماعة الإسلامية يجب أن يحدث على نطاق يشمل جميع الفتاوى والاجتهادات الخاطئة ويجب وقف من يجترئ على الفتوى من الهواة وغير المؤهلين للإفتاء والمتشددين الذين لا يرون فى الفقه الإسلامى إلا أقوال المتشددين والغلاة ولا يرون أقوال المعبرين بحق عن سماحة الإسلام ودعوته للعلم وللتفكير العقلى وللعمل والتقدم. مما جعل الباحث اللبنانى رضوان السيد يلاحظ أن الفتوى لدى المتشددين الإسلاميين صارت نوعين: الأول إحلال دم فلان وتكفيره كما فعل الشيخ عمر عبد الرحمن للرئيس السادات، والنوع الثانى من الفتاوى يتعلق بنظرية الإرهابيين عن إقامة دولة الإسلام عن طريق العنف والقتل العشوائى. ويقودنا ذلك إلى ضرورة استعادة الحق فى الفتوى من الهواة وإنصاف المؤهلين لتعود إلى أهل الفتوى الثقات، ولا يستمر الإفتاء فى الدين عملا لكل من لا عمل له. وهذا موضوع آخر.