الاتجاهات التي ظهرت في مناقشات لجنة إعداد الدستور تثير القلق علي مستقبل البلد, هل سيتقدم إلي الأمام ويلحق بالقرن الحادي والعشرين؟ أم يعود إلي الوراء ليعيش في القرن السابع أو الثامن أو حتي القرن العشرين الذي تجاوزته الدول المتقدمة؟!
في لجنة إعداد الدستور ارتفعت أصوات ترفض النص في أول دستور بعد الثورة علي التزام الدولة باتفاقيتي حقوق الإنسان, والقضاء علي جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة, علي الرغم من أن مصر وقعت علي الاتفاقيتين وعدم الالتزام بهما يعرض البلد للعزلة, وربما يعرضه لعقوبات دولية, وكذلك رفض هؤلاء النص علي الالتزام بتطبيق الاتفاقية الدولية لمنع الاتجار بالبشر, ورأوا أنه سيكون مانعا من تزويج الفتيات الصغيرات, ورفضوا الإشارة في الدستور إلي القضاء علي جميع أشكال التمييز في المناصب بسبب الجنس أو الدين.
يزيد من القلق ما نشر من أن موقف السلفيين في اللجنة أن مساواة المرأة بالرجل في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وفي الوظائف, يخالف الشريعة الإسلامية, وأن هذه المساواة تفتح الباب أمام المطالبة بالمساواة في المواريث, وهذا شيء لم ولن يخطر علي بال أحد, لأن المورايث محددة بالتفصيل بنص قاطع في القرآن الكريم ولا اجتهاد فيه, بل إن المسيحيين هم الذين طلبوا تطبيق أحكام المواريث الإسلامية عليهم.
من الواضح أن التيار السلفي يفكر علي أساس أنه يمتلك الحقيقة المطلقة, ويعرف مراد الله باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للإسلام, وأن بقية المسلمين من أصحاب المواقف والمذاهب الأخري في مصر وفي أنحاء العالم جاهلون بالإسلام, أو منكرون لأحكامه, وهؤلاء يحاولون إعادة مصر إلي عصر الحريم, ويطالبون بإلغاء جميع القوانين التي أعادت للمرأة المصرية كرامتها وإنسانيتها, ومنها قوانين الخلع والرؤية, ومنع ختان الإناث, وتخصيص نسبة في البرلمان للمرأة مع أنهم متحمسون لبقاء نصف المقاعد مخصصة للعمال والفلاحين حتي بعد أن أصبح تعريف العامل والفلاح يتسع لدخول كل الفئات تحت هذا المسمي, بينما تونس ـ بقيادة التيار الإسلامي أصدرت قانونا ينص علي تخصيص نصف مقاعد المجلس الوطني التأسيسي للمرأة, وكذلك فإن جماعة الإخوان الممثلة للتيار الإسلامي الأكبر, أصدرت منذ أكثر من عشرة أعوام وثيقة لتأصيل حق المرأة في المشاركة السياسية, وجدد هذا الموقف المرشد العام للجماعة لأكثر من مرة, وتقدمت الدكتورة صباح السقاري لخوض انتخابات رئاسة حزب الحرية والعدالة( الجناح السياسي لجماعة الإخوان) وأعلنت أن المرأة المصرية لن تسمح بتمرير دستور يهدر الحقوق التي حصلت عليها المرأة.
والحقيقة أن النظرة المتدنية للمرأة ليست من الإسلام, لكنها من عصور الانحطاط الفكري والاجتماعي التي أصابت الفقه والفكر الإسلامي بالجمود, وعزلت المرأة عن الحياة السياسية والاجتماعية, وعلماء المسلمين متفقون علي أن الإسلام هو الذي أنصف المرأة, وقد أعلن الشيخ راشد الغنوشي زعيم التيار الإسلامي في تونس, أنه حان الوقت لإزالة العقبات التي تعترض طريق المرأة, وإعادة النظر في المفاهيم المتعلقة بالمرأة في ضوء النصوص الثابتة, لأن المرأة من حيث إنها إنسان مساوية للرجل, وفي القرآن دعوة ملحة إلي الحد من سلطة الرجال التعسفية علي النساء والقرآن يرفع المرأة إلي مستوي الخلافة عند الله مساوية للرجل والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض التوبة71, ويقول الشيخ راشد الغنوشي: بأي نص شرعي تمنع المرأة من العمل مادام عملا شريفا, ودور الأمومة لا يمنع عملها وتفوقها في مختلف المجالات, كما نري في دول إسلامية كثيرة وصلت فيها المرأة إلي منصب رئيس الوزراء, بل وإلي منصب رئيس الدولة, وهي تنتمي إلي حزب إسلامي, وفي المجتمع الإسلامي قبيل عصر الانحطاط ـ كان اختلاط النساء والرجال في المساجد, والأسواق, وساحات الجهاد, حقيقة الإسلام المساواة بين الرجل والمرأة, كما جاء في الحديث النساء شقائق الرجال لهن مثل الذي عليهن بالمعروف, فلماذا يريد البعض العودة إلي عصر الانحطاط الذي حدثنا عنه الشيخ راشد الغنوشي وعلماء المسلمين الثقاة, وحقوق المرأة في مقدمة حقوق الإنسان؟!