ظهر في الساحة دعاة أدعياء يسيئون إلي الإسلام ويدعون أنهم حماة الإسلام. ومن روايات السلف الصالح أن عامر الشعبي.. وهو من التابعين كان راحلا من العراق إلي الشام, وفي طريقه دخل مسجدا فوجد فيه رجلا مهيبا يشرح للناس ما جاء في القرآن عن يوم القيامة: يوم ينفخ في الصور فقال إن لله صورين وليس صورا واحدا كما يدعي البعض,
بحيث يفتح الصور الأول وينفخ الملائكة في الثاني فيقوم الموتي للحساب, فتقدم إليه التابعي عامر الشعبي وقال له: إن لله صورا واحدا كما هو واضح في نص الآية.
لكن الداعية بدلا من الرجوع إلي الحق صاح في عامر الشعبي: وهل تستكثر علي الله أن يكون له صوران وتدعي أن له صورا واحدا.
يقول عامر الشعبي: حينئذ قام الناس يضربونني فما نجاني منهم إلا أن قلت: والله إن لله سبعين صورا.
وحكاية أخري من حكايات فقهاء ودعاة السلف الصالح: دخل الإمام أحمد بن حنبل مسجدا ومعه يحيي بن معاذ( وكلاهما من أكبر علماء الحديث) فوجدا فيه داعية يروي للناس أحاديث موضوعة
ويقول: حدثني أحمد بن حنبل وحدثني يحيي بن معاذ عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا, فتقدم إليه أحمد بن حنبل وقال له: أنا هو وهذا يحيي بن معاذ وما حدثناك بشيء, فصاح الداعية: كنت أسمع أنك أحمق وقد ثبت لي ذلك اليوم.. أليس علي ظهر الأرض أحمد بن حنبل ويحيي بن معاذ غيركما؟
هكذا كان لايزال تضليل الناس باسم الدين سهل, ومحاولة كشف هذا التضليل ليست سهلة, والاتهامات جاهزة وما أسهل اثارة العامة وتهييج مشاعرهم ضد من ينطق بالحق وإلصاق التهم جزافا بأصحاب الفكر الإسلامي الصحيح وتشويه صورتهم في عيون الناس. والأدلة علي ذلك أمامنا ونحن نري كيف أن الزيف يمكن أن يغلب الحقيقة, والباطل يمكن أن يغلب الحق, والخرافة تجد من يدافع عنها بيده وبلسانه وسلاحه, ونري دعاة يجذبون العامة بالقصص والتفسيرات الغريبة التي تخالف المنطق ويستندون في بعضها إلي ما في الكتب القديمة التي ترجع إلي مرحلة الانحطاط الفكري دون تدقيق وهي كتب مليئة بروايات منسوبة إلي الرسول صلي الله عليه وسلم الصحابة والتابعين ولم تجد إلي اليوم من يواجهها ويكشف ما فيها من الزيف بل وما في بعضها من الضلال والبعد عن صحيح الإسلام وعن منطق العقل وبعض هؤلاء الدعاة لهم جاذبية شخصية وقدرة بلاغية تجعلهم المرجعية لفهم الإسلام بالنسبة لذوي الثقافة المحدودة وأذكر أني سألت الشهيد الشيخ محمد حسين الذهبي في حديث معه وهو وزير الأوقاف ـ نشر في الأهرام ـ كيف لم تستطيع وزارة الأوقاف بعلمائها وأئمتها أن تقضي علي المعتقدات والتيارات الغربية في الفكر الإسلامي؟
فأجابني: إذا كانت الدولة كلها لم تستطع أن تمنع الغش في السلع مع أنها تبذل في ذلك كل ما تستطيع فكيف يستطيع أئمة المساجد وحدهم أن يمنعوا الغش في الفكر والدعوة والإفتاء وعلماء الأزهر وأئمة المساجد لا يملكون إلا تكرار الدعوة إلي قيم العقل والاعتدال والسماحة ومقاومة دعوات التعصب الديني ومحاربة الفساد بكل صوره في الفرد وفي المجتمع, وتكرار شرح حقيقة الإسلام وأنه دين العقل والعلم وحرية الفكر.. ولكن ما العمل مع اصرار جماعات معينة علي تسويق دعاة يستخدمون أساليب مضللة ولكنها مؤثرة في العامة ويعلمون الناس التشدد والتعصب ورفض كل رأي مخالف, بل ويعلمون الناس الاستهانة بما يقوله علماء الأزهر ويشوهون صورتهم ويصفونهم بأنهم علماء السلطة وبذلك انتشرت مفاهيم الإسلام المغشوش كما انتشرت السلع المغشوشة.
يومها سألته: وما الحل؟ فكانت إجابته: لكي نستعيد مكانة علماء الدين المعبرين عن الإسلام بحق, لابد أن يتم ذلك بجهد كبير تقوم به الجهات: الأزهر.. والأوقاف.. ووزارة التعليم دورها مهم جدا.. وأجهزة الإعلام.. والمثقفون.. والقادة الاجتماعيون.. ولا تلقي المسئولية علي علماء الأزهر وأئمة الأوقاف وحدهم علي أن مساندة المجتمع لهم هي الأساس.
وأذكر أن الشيخ الذهبي يرحمه الله قال لي: إن ما يبنيه الأزهر وأئمة الأوقاف يهدمه هؤلاء الدعاة.