في مواجهة محاولات تفكيك الدولة

للمستشار طارق البشري مقال نشر في عام‏2005,‏ وكانت له دلالة مهمة في وقته‏,‏ وأعتقد أن أطرافا كثيرة تملأ الساحة صخبا الآن تحتاج إلي أن تستوعب ماجاء فيه من تنبيهات وتحذيرات‏

 كما يحتاج الشباب المخلص للبلد إلي أن يدرك بعض الحقائق الغائبة بفعل فاعل في هذه الأيام.

وكل من يريد الإصلاح مخلصا لله والوطن فان ما قاله المستشار طارق البشري منذ سنوات ـ يمثل الضوء الكاشف الذي يبدد الاوهام والأكاذيب.

والمستشار طارق البشري غني عن التعريف, فهو من فقهاء القانون, كان نائبا لرئيس مجلس الدولة, وفي الوقت نفسه هو مؤرخ يتميز بالدقة والحياد في سرد وتحليل الأحداث التاريخية, وتشعر وأنت تقرأ أحكامه التاريخية إنك أمامك أحكام قائمة علي أدلة وحقائق ويتوصل إلي الحكم بعد استعراض الوقائع بتسلسلها التاريخي ثم يصل إلي الرأي فتري أنه حكم منطقي صادر عن ضمير القاضي وعقل المفكر وهو يبدأ بحقيقة أنه مامن هيئة دولية إلا وهي ذات اتصال بالقوي الدولية ذات النفوذ والقادرة علي النفاذ في شئون الدول, وليس هناك من يجهل نفوذ الولايات المتحدة علي الهيئات الدولية والسياسية والاقتصادية والمالية ولايخفي علي أحد أن الولايات المتحدة ليست مؤسسة خيرية تساعد الدول حبا فيها, فهذه نظرية رومانسية بل هي نظرية خيالية, ووهم من الاوهام الضالة والمضللة, فالولايات المتحدة لاتفعل إلا مايحقق مصالحها, مصالحها كبيرة جدا في العالم كله باعتبارها أقوي دولة وهي التي تقود النظام العالمي اليوم وإلي أن يشاء الله, وتظهر قوي دولية تؤدي إلي التعددية بدلا من النظام الحالي القائم علي الاحادية, والمبدأ في السياسات الدولية أن من لايقدر علي تحمل مسئولية الاستقلال والحرية لايستحق الاستقلال والحرية. ومن احداث العقود الأخيرة التي اعقبت العهد الناصري نري أن سياسات القوي الكبري تعمل علي تفكيك كل مالدينا من عناصر التماسك والقوة وتفكيك القوي المنتجة, وتفكيك الاقتصاد, وتفكيك الإنتاج الزراعي, وتفكيك الوحدة الوطنية. وأخيرا هناك محاولات لتفكيك الدولة بوسائل واضحة مثل سياسات الأجور المبالغ فيها لأصحاب المناصب الكبيرة وهذا يحولها من الاخلاص للوطن إلي الاخلاص لمن يدفع أكثر ولمن يفتح طريق الاثراء السهل,والمعونات التي تصرف لأشخاص وجهات محددة تلعب دورا مهما لتحقيق الهدف, مع سياسة تعيين غير الاكفاء وابعاد الكفاءات, وجذب أصحاب المواهب للعمل في الخارج.

ويشير المستشار طارق البشري إلي أنه حتي في أيام الخديو إسماعيل كان الوطنيون امثال محمد شريف يحرصون علي ألا تمتد الرقابة الأجنبية إلي الإدارة المصرية, وفي الوقت الحاضر تزايد وجود الأجانب وتدخلهم في بعض شئوننا فلا يجب ان نساعد علي زيادة هذا التدخل والا نبتلع الطعم بمبرر بناء الديمقراطية, لأن التدخل الخارجي هو تدخل خارجي كل في الأحوال ومهما كانت المبررات.

كانت دعوة المستشار طارق البشري تتلخص في أننا يجب أن نحتشد ونقاوم عوامل التفكك, ونتخذ سياسات مضادة لكل مايؤدي إلي التفكك, وأن نكون في منتهي الحرص, ومنتهي اليقظة لنحفظ قوي التماسك, وهو يكرر كثيرا الدعوة إلي تحديد السلطات الدستورية لرئيس الجمهورية وإيجاد الوسائل التنظيمية الدستورية لاخضاع رئيس الجمهورية للمسألة السياسية بقدر ماتكون له من سلطات فلا يعقل أن يكون المسئول الأول في الدولة هو الوحيد في الدولة الذي لاتجوز مساءلته, والقاعدة ان تكون المسألة بقدر السلطة.

ويحذر المستشار البشري من الانصراف عن جوهر الحراك الشعبي الإصلاحي العام إلي صراعات الغرف المغلقة والمفاضلة بين شخص وشخص, ومن استمرار الاحزاب في العمل بسياستها القديمة وهي دخول الانتخابات ليس من اجل كسب المقاعد ولكن من أجل التمثيل المشرف أو الهزيمة بطعم الفوز أي من أجل الترويج السياسي بعقد المؤتمرات وإلقاء الخطب وتوزيع المنشورات, بينما دخول المعارك السياسية دون نية الكسب هو أول أسباب الهزيمة لأنه يفقد المرشح والحزب ثقة الذين منحوه أصواتهم.. وقيمة الحراك الساسي الحالي أنه قوة شعبية وليس شخصا وبذلك تؤكد قيمة جديدة مطلوبة في هذا الوقت وهي الظهور الجماعي وليس التعبيرالشخصي الفوري, واستمرار الظهور الجماعي الذي يضم تيارات وفصائل متنوعة تمثل التماسك الجماعي المعبر عن التيار السياسي الأساسي في مصر.

هذه الأفكار يجب ألا تمر مرور الكرام وأتمني أن تجد لدي الشباب والقوي المخلصة الاهتمام الذي تستحقه وتتخذ بناء عليها مواقف جديدة تتفق مع مرحلة مابعد الثورة.


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف