السلفيون بين الدين والسياسة

قبل ثورة‏25‏ يناير لم يكن السلفيون قد ظهروا في العلن كحركة سياسية‏,‏ بل إنهم لم يشاركوا في بداية الثورة‏.‏ وكانوا يعترضون عليها وأعلنوا أن الخروج علي الحاكم حرام شرعا‏.

 وبعد نجاحها ومشاركة الإخوان فيها, غيروا موقفهم, ودخلوا الحياة السياسية التي يرفضونها ويعتبرون أنفسهم حركة دينية اصلاحية سلمية وسيلتها الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة للعودة الي ما كان عليه السلف الصالح, لكنهم غيروا هذا الموقف وانشأوا ثلاثة أحزاب بعد أن كانوا يرفضون الأحزاب من الأساس, ويرون أن الأمة يجب أن تتوحد علي عقيدة واحدة ولاتتفرق في أحزاب. وشاركوا في انتخابات مجلسي الشعب والشوري بالقوائم الحزبية وبالمرشحين الفرديين وكان فوزهم بعدد من المقاعد مفاجأة للمراقبين والسياسيين بل وكان مفاجأة لهم أيضا.. وأصبح من الواجب أن يتعرف المصريون علي هذا الفصيل الجديد الذي يريد أن يشارك في حكم مصر اليوم ويأمل ـ طبعا ـ في أن ينفرد بحكمها غدا ان أمكن!!

والسلفيون ينسبون عقائدهم الي السلف الصالح من أوائل المسلمين, أي التابعين وتابعي التابعين.. يقولون أنهم يتبعون ما كان عليه أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم لاينقصون مما كانوا يفعلونه ولايزيدون, ويتبعون أيضا الجيل الذي تلا التابعين من الملتزمين بالسنة النبوية.. والبداية يشرحها الامام أبوحنيفة في كتاب مشهور باسم الفقة الأكبر في علم التوحيد يشرح فيه العقائد الاسلامية في صورتها الأولي.. أي: الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث وبأن القدر خيره وشره من الله تعالي, وكذلك الايمان بالحساب والميزان في الآخرة, وبالجنة والنار, وبالصراط والحوض وغير ذلك من مواقف القيامة.. وأما مشكلة: هل الانسان مخير أو هو مسير بما قدره الله عليه؟ فيرون أن الله يعلم أفعال البشر, وقد خلق الإنسان خاليا من الكفر والإيمان, ثم أرسل اليهم من يهديهم ويأمرهم وينهاهم, فكفر من كفر بفعله وجحوده, وآمن من آمن بفعله وتصديقه.. الأول كفر بخذلان الله له, والثاني آمن بنصرة الله له.. لم يجبر الله الخلق علي فعل من الأفعال, ولكن خاطب الله العقل الانساني, وقد خاطب الله الانسان: ألست بربكم, قالوا بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.. وكان ذلك في العالم الذري بين الله وبين الأرواح.. وبعد ذلك نسي الإنسان هذا الميثاق, فالبعض صحت فطرته وتذكر ما عهد الله عليه والبعض الآخر فسدت فطرته وكفر.. الله لم يخلق الإنسان مؤمنا أو كافرا ولكن خلقه شخصا, وهداه النجدين.

هذه بداية الفلسفة السلفية, وبعد ذلك ظهرت الصورة الأخيرة لها علي يد ابن تيمية في دمشق في فترة ازدهار المذهب الحنبلي الذي ينادي بالعودة إلي عقيدة السلف ببراهين وحجج لم يسبقه أحد بقولها ولذلك حكم عليه بعض علماء مصر و الشام بأن ما يقوله بدعة, ووصل الخلاف الي حد المعارك بينه وبين هؤلاء العلماء.. وظل متمسكا بموقفه الذي يتلخص في أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين هم أعلم بالله وآياته لأنهم هم: أهل القرآن وورثة الأنبياء والذين جاءوا بعد ذلك من اتباع الفلسفة والهند واليونان وورثة المجوس والمشركين... الخ.

وإن الاسلام ليس في حاجة الي أبناء الفرس والروم, وفروخ الهند والفلاسفة يأتون فيبينون له العقيدة الصحيحة. ويعيب ابن تيمية علي أصحاب المذاهب أنهم يتحدثون علي أساس العقل, ومذهبه قائم علي الاتباع للسلف وليس اتباع العقل, وهكذا فهم صفات الله كما جاءت في القرآن ومنها العلم, ولكن علم الله ليس كعلم البشر, وهكذا صفات القدرة والمشيئة, وأيضا يكون فهم قول الله: يد الله فوق أيديهم أو ثم استوي علي العرش وان الله سميع بصير.. الله له هذه الصفات ولكنها ليست كمثيلاتها في البشر..

وفي مصر كان السلفيون موجودين دائما ومنذ زمن طويل باسم جماعة أنصار السنة وكانت لهم دائما علاقة بالسلفيين في السعودية, وكانت لهم مساجد ودعاة ويحاربون التصوف والفرق الصوفية ويحاربون وجود أضرحة لأولياء الله الصالحين ويقررون بأن الصلاة في مسجد فيه ضريح حرام, ومن أهم مبادئهم وجوب طاعة الحاكم حتي ولو كان ظالما ولايجوز الخروج عليه إلا في حالة واحدة هي حين يكون كافرا, وكانوا ضد دخول البرلمان ويعتبرونه خطأ وخرابا لأن مجلس الشعب يتولي التشريع والتشريع لا يكون إلا الله, ومن آرائهم أن الديمقراطية كفر لايكتفون باعتبارها حراما.. ولهم مواقف وآراء دينية واجتماعية متشددة ومتطرفة أحيانا, ومن ستر ربنا أنهم بدأوا في تغيير بعض مواقفهم وآرائهم, ولاشك أن دخولهم البرلمان, واشتراكهم في تحمل المسئولية, ووجود عناصر متعلمة تعليما عاليا بين صفوفهم واحتكاكهم بالمجتمع بعد العزلة ـ وبالتيارات والأفكار والأحزاب وبجماهير الشعب وبشبابه بصفة خاصة.. سيكون له أثره في تحولهم من التشدد الي الوسطية والاعتدال.. ودعونا نأمل ذلك ونواصل فهم أفكارهم وعقائدهم لأنهم أصبحوا من الأطراف الفاعلة في معادلة السياسة والحكم وتقرير المصير, وهم شركاء في الوطن ومصيره.



 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف