معركة الدستور

أيا كانت اللجنة التي ستضع الدستور فلن يكون عملها سهلا‏,‏ لأن مصر تمر في هذه الفترة في مرحلة تحديد الهوية وهناك تيار يسعي بقوة إلي تغيير هويتها‏,‏ بل وتغيير تاريخها وبناء مؤسساتها وفقا لتصورات تمثل انقلابا كاملا يحمل من المخاطر بأكثر مما يحمل من الآمال‏.

ومع الانقسام الذي تعيش فيه مصر الآن بين تيارين يدور صراع فكري واجتماعي لن ينهزم فيه طرف من الطرفين في المدي المنظور, وهذا الصراع الفكري والاجتماعي والوجودي سوف تكون لجنة الدستور هي ساحته التي يستخدم فيها كل تيار كل ما لديه من قوة للضغط, فإما أن ينتهي الأمر إلي كلمة سواء باتفاق أو توافق, وإما أن تستمر المعركة ويلجأ البعض إلي عادته بالانسحاب وتجد اللجنة نفسها أمام طريق مسدود..

هذه المرة لدينا تيار يري أنه هو وحده من يمتلك الحقيقة والحكمة والصواب ويريد أن يفرض فكره ليصبغ به المجتمع كله ويحدد من خلاله حدود الحريات وطبيعة المؤسسات وهوية الدولة وعلاقتها بالعالم, وهذا التيار بما أنه يري أنه الوحيد الذي يعرف الصواب ولديه القدرة علي عمل ما يريد فإن الحوار معه أو التوصل معه إلي رؤية عصرية للدستور قد لا يكون أمرا سهلا.

والمفروض أن الدستور وثيقة وطنية وليس وثيقة حزبية, وبعد الثورة لابد أن يكون الأساس الانتقال إلي الحكم الديمقراطي وإرساء مبدأ المساواة بين المواطنين ويفرض عقوبة علي كل من يخالف ذلك ويرتكب جريمة التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو الجنس أو الأصل أو الطبقة الاجتماعية, والمفروض أن يؤكد احترام الحريات.. الحرية الشخصية, وحرية الرأي, وحرية الصحافة, وحرية البحث العلمي, وحرية الفن والفكر والإبداع. والمفروض أن يؤكد الوحدة الوطنية وحق المسيحيين في تطبيق شريعتهم في الأحوال الشخصية وينص علي عقوبات يحددها القانون علي كل من يسيء إلي الوحدة الوطنية بالقول أو بالفعل.. وينص أيضا علي حرية إصدار الصحف وحرية إنشاء الأحزاب وحظر إنشاء الأحزاب علي أساس ديني أو عنصري.

وفي هذه المرحلة يحتاج إعداد الدستور إلي عدم التسرع في إعداده, لأن المجتمع يمر الآن بحالة من القلق وعدم الثقة وعدم الاستقرار والصراع بين النظام الجديد والنظام القديم ومن المتسللين إلي صفوف النظام الجديد الراغبين في الانحراف به عن الأهداف الحقيقية للثورة, وهي أنها ثورة سياسية اجتماعية وليست ثورة دينية, لأن العقائد الدينية في مصر مستقرة وراسخة وليس هناك دين جديد يمكن أن يفرض علي المصريين, ولابد أن ينص الدستور علي الفصل بين شخص الحاكم وبين سائر السلطات, فهو حكم بين السلطات وليس سلطة فوق السلطات, ووظيفة الحاكم مؤقتة يؤديها الحاكم بناء علي انتخابات حرة ولا تزيد مدة الرئاسة علي فترتين.. ونحتاج إلي النص علي الإشراف القضائي علي عملية الانتخاب بحيث يمتد هذا الإشراف القضائي علي جميع المراحل ابتداء من تنقية الجداول إلي عملية توزيع الدوائر الانتخابية, لقطع الطريق علي المحاولات المعروفة بالتزوير عن طريق تغيير مساحات وحدود الدوائر, وانتهاء بعملية الفرز وإعلان النتائج الانتخابية.. والأهم من ذلك تحديد سلطة رئيس الدولة والنص علي خضوعه للمحاسبة لرقابة القضاء والسلطة التشريعية.. وأيضا النص علي حرية الحصول علي المعلومات وتداولها وإلزام السلطات بنشر المعلومات وتسهيل الحصول عليها ما لم تكن متعلقة بالأمن القومي.

نحتاج إلي نص في الدستور لضمان عدم تزاوج السلطة والثروة, وعدم جواز الجمع بين الوظيفة العامة وبين عضوية البرلمان, وأيضا النص علي عدم الخلط بين الدين والسياسة, ولابد من النص علي استقلال القضاء وعدم تدخل السلطة التنفيذية في شئون القضاء والمحاكم وقصر دور وزارة العدل علي بناء المحاكم والإشراف عليها وعلي الإداريين فيها وتقديم جميع التسهيلات للقضاة لأداء عملهم.

وقد ظهرت الحاجة إلي إنشاء هيئة قضائية مستقلة تختص بإجراء الانتخابات التي تجري في مصر سواء انتخابات النقابات أو الجمعيات أو اتحادات الطلاب أو المجالس المحلية وانتهاء بالانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية, وهي التي تنتدب القضاة والإداريين في لجان الانتخابات.

ويجب النص في الدستور علي التزام الدولة بكل مؤسساتها وهيئاتها بسيادة القانون وأحكام القضاء وبالمواثيق الدولية وأولها ميثاق حقوق الإنسان, ووثيقة حقوق المرأة وحقوق الطفل, وقبل ذلك وثيقة الأزهر التي حظيت بالقبول من كل الأطراف.


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف