للأزهر مكانة تصل إلي حد التقديس في قلوب المسلمين في أنحاء العالم باعتباره قلعة الدفاع عن الإسلام بمفهومه الصحيح المعتدل البعيد عن التعصب والتشدد, وأعلي مؤسسة علمية إسلامية, والممثل الشرعي الوحيد للفكر وللفقه, والمدافع عن الشريعة في مواجهة الأدعياء والمغرضين.
يكفي أن نعرف أن هناك أكثر من140 ألف عالم من علماء الأزهر يؤدون رسالة الأزهر في نشر المفاهيم الصحيحة للإسلام, وفي أنحاء العالم أكثر من150 من أساتذة الأزهر يدرسون علوم الإسلام, وفي معاهد وكليات الأزهر أكثر من30 ألفا من أبناء الدول الإسلامية وغير الإسلامية, وفي كل زياراتي للصين كان مطلب الجمعيات الإسلامية هناك زيادة المنح المخصصة لأبناء الصين للدراسة في الأزهر. والأزهر بتاريخه الممتد عبر الزمان بأكثر من ألف سنة هو الذي كان حامي العقيدة من الفكر المنحرف, وهو الذي يتولي قيادة العمل العلمي في مجال الاجتهاد الفقهي وتجديد الفكر الإسلامي, وهو الذي يمثل قيادة الحركة العقلية الرشيدة التي تؤسس لنهضة الأمة وتتفاعل مع التقدم العلمي والحضاري في العالم.
ولكن الأزهر يواجه محاولات مغرضة للانتقاص من مكانته من أكثر من جهة, من الجهلاء والأدعياء وأنصاف العلماء, ومن الذين يحاولون اختزال الإسلام في طقوس شكلية تبعده عن المشاركة في تقدم مجتمعات المسلمين, وهؤلاء أسري لما في الكتب القديمة من اجتهادات علماء العصور الماضية دون إضافة أو تجديد أو إعادة النظر, ولا يدركون الفرق بين ما هو ثابت في الدين وما هو متغير, أو الفرق بين الشريعة والفقه, ويتشبثون بإضفاء القدسية علي آراء بشرية وعدم الاستفادة من فكر المجددين.
الأزهر رمز الإسلام, وهو أيضا رمز الوطنية, وقد أخذ زمام المبادرة بإعلان وثيقتين حدد فيهما الموقف الصحيح للإسلام من علاقة الدولة بالدين وجوهر الإسلام المتمثل في حرية العقيدة وحرية الفكر واحترام العقل وحقوق الإنسان والالتزام بالعدل بمفهومه الشامل في كل مجالات الحياة وأولها العدالة الاجتماعية. وهذا ما جعل شيخ الأزهر يوجه رسالة إلي الرئيس الجديد بعد انتخابه بأن يلتزم بعهده بأن يكون رئيسا لكل المصريين علي اختلاف آرائهم وعقائدهم الدينية وانتماءاتهم الحزبية وأن ينسي أي وصف آخر, وأن يعمل علي إقامة الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة علي دعائم القيم العليا للإسلام التي يجتمع عليها الجميع, وأن يتحمل مسئوليته عن تحقيق المساواة بين المصريين مسيحيين ومسلمين علي السواء.. وهو في ذلك يؤدي واجبه الذي عاهد الله عليه.
واجبنا الآن أن نحمي الأزهر من الذين يريدون أن ينالوا منه ومن علمائه حتي لا يتمكنوا من تحويل مرجعية المسلمين إلي وجهات أخري, ولكن سوف يستمر الأزهر في مكانته العالية وفي القيام بمسئوليته الكبري عن حماية الإسلام وسوف يحميه الله لكي يستمر في مواجهة أعداء الحضارة الداعين إلي انغلاق العقول وقمع حرية التفكير ورفض التجديد في الفكر الديني, وهم الذين تسببوا في تخلف الدول الإسلامية عن مسايرة الحضارة العالمية.
والأزهر يرفض فرض رأي واحد أو فكر أو مذهب واحد يدعي أنه المعبر عن الإسلام, ولذلك يحرص الأزهر علي تدريس جميع المذاهب علي اختلافها, ويجمع بين فقه الأحكام وفقه الواقع, أي أنه يجمع بين الأصول الثابتة والواقع المتغير مما لا يدرك قيمته الذين لا يدركون قيمة الاختلاف وتعدد الاجتهادات.
الأزهر هو المرجعية الوحيدة, وهو المدافع عن الوحدة الوطنية, والقائم بالحوار بين الديانات والثقافات والحضارات للتوصل إلي نقاط اتفاق وتعاون علي البر والتقوي, وهو الذي يعمل علي تجديد الخطاب الديني.. لذلك من الضروري أن يتضمن الدستور الجديد مواد خاصة عن الأزهر ومكانته ورسالته تنص علي استقلال الأزهر ومسئوليته عن شئون الدعوة الإسلامية والتعليم الديني الإسلامي, وتنص أيضا علي إنشاء هيئة كبار العلماء ويرأسها شيخ الأزهر تختص بوظيفة الاجتهاد الفقهي, وعدم قابلية شيخ الأزهر للعزل.. ليس المقصود أن يكون الأزهر سلطة دينية, لكن المقصود حماية الأزهر من أهواء الحكام والحكومات والقضاء علي فوضي الدعوة والدعاة والفتاوي من كل من يتجرأ علي الإفتاء, والحفاظ علي مكانة الأزهر من أصحاب الأهواء.