ملاحظات علي الأداء البرلماني

كانت هناك ملاحظات علي أداء مجلس الشعب لم يأخذها الاعضاء مأخذ الجد‏,‏ ولم تفكر الاحزاب الممثلة في المجلس في الاستفادة منها لتحسين أداء المجلس لدوره كسلطة للتشريع والرقابة علي أعمال الحكومة‏,‏ واكتفوا بالهجوم علي من وجه إليهم النقد والتشكيك في دوافعه‏.‏

والآن, بعد حل المجلس فإن امام الأحزاب فرصة تراجع فيها أداء ممثليها من سلبيات وايجابيات, وتمارس النقد الذاتي كما تفعل الاحزاب في الدول الديمقراطية, خاصة ان معظم الملاحظات صدرت ممن لا يرقي إليهم الشك في موضوعيتهم ورغبتهم في الإصلاح, وعلي سبيل المثال كتب المستشار طارق البشري مقالا بعنوان ملاحظات علي الاداء البرلماني ذكر فيه أن اضراب المجلس ـ وهو السلطة التشريعية ـ عن أداء مسئوليته كان سابقة لا مثيل لها في العالم, وكذلك الإصرار علي إصدار قانون العزل السياسي لإزاحة أشخاص بعينهم منافسين لمرشح معين وليس للمصلحة العامة دون أن يحدد القانون الجرائم التي ارتكبها هؤلاء ويستحقون عليها عقوبة العزل والحرمان من الحقوق السياسية, وذلك علي الرغم من أن بعض الأعضاء نبهوا في أثناء مناقشة هذا القانون إلي عدم دستوريته, لكن رد عليهم آخرون بحماسة وبلاغة خطابية بأن القانون غير دستوري لكن مجلس الشعب المنتخب من الشعب من سلطته أن يفرضه, ووافق المجلس علي هذا المنطق, وكان في امكانه إحالة المشروع إلي لجنة لإعادة صياغته بعد الاستعانة بأساتذة متخصصين في القانون الدستوري, ومعلوم انه ليس كل من يحمل ليسانس الحقوق واشتغل بالمحاماة أو بالقضاء الجنائي أو المدني يمكن أن يكون خبيرا في الشئون الدستورية التي تحتاج إلي تخصص دقيق وفي الجامعات اساتذة قضوا أعمارهم في دراسة القوانين الدستورية وأصول إعداد الدساتير كان يجب الاستعانة بهم بدلا من التسرع والعناد.

ولم يكن لائقا أن ينشغل أعضاء المجلس في إحدي الجلسات بالهجوم علي أحد الاعضاء أشيع عنه أنه أكل استاكوزا ودفاع العضو لابراء نفسه من هذه التهمة, وكان غريبا أن يقدم إلي المجلس مشروع قانون بتعديل سن حضانة الأم للابناء علي خلاف ما استقر عليه العمل, وما يحقق مصلحة الصغير وحمايته, ومشروع قانون بتحديد سن زواج البنات بأربعة عشر عاما علي خلاف ما استقر عليه المتخصصون في الطب وعلماء النفس والاجتماع من أن ذلك يؤدي إلي اضرار بالغة بصحة الفتاة الجسمية والنفسية ويمكن أن يتسبب في مشكلات اسرية, ومثال ذلك اقتراح أعضاء بالغاء تدريس اللغات الأجنبية في المدارس لأنها لغات الدول الاستعمارية, ويكفي أن يتعلم المصريون اللغة العربية وحدها وهي لغة القرآن الكريم, وكذلك محاولة الانتقاص من حرية الإعلام بحجة تنظيم الإعلام.

وسيظل الناس يذكرون قيام أحد الأعضاء برفع الاذان في اثناء انشغال الاعضاء بمناقشات ساخنة وتحولت المناقشات إلي البحث عن شرعية الاذان في وقت العمل وجواز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر.وسجلت مضابط المجلس هجوم بعض الاعضاء علي القضاء بألفاظ تحمل معاني الاستهانة ومطالبتهم بما اسموه تطهير القضاء ومحاولة المساس بالمحكمة الدستورية أعلي محكمة في البلاد, والحصن الحصين للدستورية وتاريخها المشرف شاهد علي دقة احكامها, وهذه الاحكام تكون موضع دراسة في المحاكم المماثلة في الدول المتقدمة ومحاولة تغول سلطة علي سلطة أخري, هو انحراف في ممارسة السلطة يمكن أن يؤدي إلي حالة من الصراع بين السلطات وهذا هو المحظور علي كل من يهمه حماية البلد.

ومن الملاحظات التي وجهت إلي المجلس أنه بعد أن امتنع عليه أن ينفرد بوضع الدستور ـ برؤية تيار واحد ـ حاول إعداد قوانين هي في حقيقتها مبادئ دستورية وبهذا حاول بخطوة استباقية الالتفاف لكي يحدد معالم الدستور دون أن يضع في اعتباره أن من يملك سلطة الحكم والقرار والتشريع اليوم قد لا يملكها في الغد.

ولاحظ مراقبون أن بعض الأعضاء وقعوا في فتنة التليفزيون والاضواء دون سابق خبرة فكان بعضهم يطلب الكلمة بإصرار ليتحدث إلي أهله وابناء دائرته ويشهدهم علي أنه صاحب الصوت العالي, والدليل علي ذلك أن أحد الاعضاء وقف ليقول لرئيس المجلس: ماذا أقول لأهلي وهم يسألونني ماذا تفعل في المجلس, ولماذا لا نراك تتحدث مثل غيرك, وفتنة التليفزيون يمكن أن تحول السياسي دون أن يدري أحيانا ـ من سياسي إلي ممثل, فتظهر حاجته إلي عملية تجميل, واستخدام المكياج قبل التصوير في البرامج اقترح المستشار محمد عطية وزير مجلسي الشعب والشوري عمل دورات تدريبية لاعضاء مجلس الشعب المقبل قبل انعقاد المجلس وأضيف إلي هذا اقتراحا بايفاد الاعضاء الجدد لحضور جلسات المجالس النيابية في الدول المتحضرة ذات التقاليد البرلمانية والاستفادة بآراء المتخصصين وعرض مشروعات القوانين علي الرأي العام للاستفادة بالحوار المجتمعي وايضا لضمان قبول الناس لهذه القوانين بعد صدورها وهذا هو الضمان لتنفيذها


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف