من لا يري أن مصر تغيرت فهو غبي.. لا مؤاخذة(!) وعليه أن يري الحقيقة.. لأول مرة يشهد المصريون معركة انتخابية حقيقية بين مرشحين حقيقيين لمنصب رئيس الدولة.
لكل منهم برنامج حقيقي, ويقضي أيامه في زيارات ولقاءات مع كل الطوائف والفئات في أنحاء البلاد, ويلتقي وجها لوجه مع سكان القبور والعشوائيات, ويواجه الهجوم عليه في ماضيه وولائه وحياته الشخصية والعائلية, ويستخدم كل الأسلحة السرية والعلنية المشروعة وغير المشروعة للوصول إلي هذا المنصب.
كل ذلك دليل علي أن مصر تغيرت بعد الثورة, وهذا التغير أدي في وقت قصير إلي نوع من الحراك الاجتماعي توارت فيه طبقة المغامرين والسماسرة والفاسدين وعصابات السلب والنهب ولو إلي حين, وظهرت شريحة جديدة شابة لديها الطموح والقدرة والصلابة وترفض الاستسلام أمام محاولات كسر الإرادة وإعادة الاستسلام والاحباط إلي النفوس.
وبعد أن كان حديثنا في الماضي عن سلبية الشباب وتهميش الشباب ها نحن نري أن السلبية انتهت, والشباب صارت لديه القدرة علي أن ينتزع حقه, وبعد أن كنا نتحدث عن سلبية الأقباط وابتعادهم عن العمل السياسي رأينا الأقباط مع طليعة الثورة والاحزاب, ويقاومون محاولات التهميش مرة أخري, ورأينا جميع المرشحين يعلنون إيمانهم بالمواطنة والمساواة بين جميع المصريين في الحقوق والواجبات, وكنا نتحدث عن تهميش دور المرأة المصرية وقصر وجودها علي الظهور الإعلامي لسيدات طبقة معينة لا تمثل جموع المرأة المصرية, أصبحنا اليوم نشاهد المرأة المصرية من كل الفئات والطبقات في المليونيات والمطالب والمؤتمرات وحاضرة في الحياة السياسية وإن كانت التيارات الساعية إلي إجهاض هذه الصحوة تحاول بقوة إعادة تهميش دورها لكنها لن تنجح في ذلك, لأن العجلة دارت وزمن الجمود انتهي.
لن يهدأ الشعب المصري إلا بعد أن تصبح مصر دولة القانون والحريات واحترام كرامة الإنسان دولة الفقراء والاغنياء لن يستطيع أحد بعد اليوم أن يغتصب حقوقهم, وهذا يجعل الرئيس في المرحلة المقبلة في وضع جديد, لن يكون فيه هو وحده الذي يدير كل شئون البلاد, ويمسك بكل السلطات, لكنه سيجد مؤسسات قوية وشعبا اكتسب الإرادة والشجاعة. بحيث يجد نفسه مضطرا ـ ان لم يكن مختارا ـ للاستماع إلي الناس وإلي المؤسسات, وإذا حاول أن يبتعد ويستعيد فكرة الزعيم الملهم ورجل الاقدار أو المعبر عن إرادة الله, فسوف يجرفه الطوفان من جديد...
الرئيس سيكون خاضعا للرقابة الشعبية ولن يقدر علي نهب أموال الشعب أو التصرف وكأنه يملك البلاد والعباد.
وهناك من يري أن البلاد ستبقي في حالة اضطراب وقلق لسنوات قد يشعلها خطاب غير محسوب يتبني الشعارات التي لم تعد تصلح في هذا الزمان, وإذا كانت حالة الاحتقان والتوتر الحالية من نتاج النظام السابق وكانت الدافع الرئيسي للثورة وإن كانت قد حدثت أخطاء وتجاوزات بقصد أو بدون قصد في الأشهر الماضية وأدت إلي الشعور العام بوجود قوي تدفع البلاد إلي العودة إلي ما كانت عليه, فإن ذلك صحيح لكن لا شيء يبقي علي حاله, ومع تكامل المؤسسات وبعد وجود الدستور, سوف تندفع حركة التغيير بقوة أكبر وفي الاتجاه الصحيح.. والأمر يتوقف علي الدستور الجديد لمصلحة من والحكومة الجديدة ستعبر عن مصالح من وكيف سيكون البرلمان وهو بما هو عليه من العصبية والاستعجال في إعداد قوانين هي فعلا نوع من القصف التشريعي علي حد تعبير استاذنا هيكل.. والتحدي الأكبر أمام الرئيس المقبل هو العمل في وجود حالة لم يسبق لها مثيل من الانقسام والتشرذم وتمسك كل فصيل, بل كل شخص, برأيه وبمواقفه, والبعض وصل إلي درجة التوحد بينه وبين إرادة الله, فأصبح يتكلم علي أنه الرباني الملهم المستجاب الدعوة(!) وهذه الحالة من توابع الثورة وآثارها الجانبية تحتاج من الرئيس, ومن النخبة الواعية الحريصة علي مصلحة البلد أن تعمل علي إعادة العقل والتوازن إلي الحياة السياسية. وقضية العدالة الاجتماعية التي كانت علي لسان المرشحين للرئاسة ليل نهار هي الاختبار الحقيقي للقدرة علي التنفيذ بعد القدرة المشهود لها علي الخطابة و40% من سكان مصر تحت خط الفقر يعدون الساعات انتظارا لهذه العدالة الاجتماعية مع ملاحظة أن هذه هي القضية التي سيتوقف عليها مصير الرئيس الجديد ومصير البلاد.
ومن يظن أن مصر يمكن أن تعود كما كانت فهو الغبي الأكبر(!).