إساءة استعمال الدين‏

مع الأسف‏,‏ لدينا قوانين تجرم إساءة استعمال السلطة‏,‏ واساءة استعمال حق التقاضي‏,‏ وإساءة استعمال المرافق العامة‏,‏ وليس لدينا قانون يجرم إساءة استعمال الدين لأغراض سياسية او تجارية او شخصية‏,‏ وهذا ما جعل الاساءة.

الي الدين حقا من الحقوق المباحة لكل من ينصب نفسه داعية.

وماذا نسمي من أعلن في مؤتمر عام وشاهده الناس علي الفضائيات وهو يقول إن من لا ينتخب مرشح الرئاسة من الاسلاميين فانه كافر ويتحدي الله ورسوله, هكذا تلقي الاتهامات عشوائيا بالكفر وتشوه مذاهب ومباديء بغير علم ولا بصيرة!

وماذا نقول عن حامل لقب الدكتور الذي أعلن فتواه باباحة القتل لكل من يشك في قيامه بتزوير الانتخابات, وحتي لم يحدد من الذي له حق الحكم علي هذا الشخص بالقتل دون تحقيق او محاكمة, وأعطي بذلك لكل من أراد أن يحكم علي غيره بالكفر وينفذ بنفسه الحكم عليه, فأي شريعة هذه؟ وكيف يستبيح هذا المفتي دم الناس بهذه السهولة؟ حتي أن أحد الاسلاميين قال في ندوة بجامعة القاهرة إن الغرض من انشاء هذه الجامعة هو هدم الشريعة الاسلامية, وقال آخر عن نجيب محفوظ في موقف يتم فيه تسجيل كل كلمة إن اديبنا العظيم تتصف كتاباته بالاباحية والدعوة الي الانحلال وآخر أعلن أن لعبة كرة القدم غير شرعية والألعاب الشرعية تقتصر علي الرماية والمبارزة والفروسية وأعلن آخر الجهاد ضد العلمانيين وقال كما ردعنا المغول والصليبيين سوف نردعهم,.. وفي هذا المناخ لم يكن غريبا ما حدث للحلاق في منطقة التفتيش الرابع التابعة لمركز العشرة آلاف بمركز أبو المطامير بحيرة حين القي البعض زجاجات المولوتوف لحرق محل الحلاقة وحرق صاحبه لأنه يستخدم الفتلة في الحلاقة بفتوي أن هذا حرام شرعا!

وأحد قادة الاسلاميين أفتي بأن الذين لايريدون وصول الاسلاميين الي الحكم ليسوا كفارا فحسب بل هم اتباع الشيطان وأئمة الكفر ويسعون الي ارتكاب الفحشاء! وكان الامام الراحل الشيخ محمد الغزالي يقول إن هذا هو التدين الفاسد الذي أصاب طائفة من الدعاة المحسوبين علي ميدان الدعوة الاسلامية وهم يسيئون الي الاسلام عندما يشتغلون بالتحريم المستمر فلا تسمع منه إلا أن الدين يرفض كذا وكذا دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن البديل ومنهم من يعيش في الماضي البعيد وكأن الاسلام دين تاريخي وليس حاضرا ومستقبلا, ومنهم من لا يفرقون بين الشكل والموضوع, أو بين الأصل والفرع, ويبددون قواهم في محاربة الشكليات, وكان حكم الشيخ الغزالي يرحمه الله ـ وهو من من هو علما وفضلا ـ أن هؤلاء عبء علي الدعوة الاسلامية يجب اصلاحهم, وأن كشف التدين الفاسد يحتاج الي التعامل مع الآفات النفسية والعقلية التي تسبب هذا البلاء, وكان يرحمه الله يقول: لست أخاف علي ديننا من أعداء الاسلام رغم قوتهم بقدر ما أخاف علي هذا الدين من سياسي يتخذ الهه هواه! وكأن فضيلته يكتب عن أمثلة مما يقوله هؤلاء ومنهم علماء: قال أحدهم إن الصحابة كانوا يسدون النوافذ وثقوب الجدران لئلا تطلع منها النساء علي الرجال او الرجال علي النساء, وقال أحدهم إن الرسول صلي الله عليه وسلم قال إن لزوم المرأة بيتها خير وأسلم, ويعلق شيخنا الجليل قائلا: هذا الكلام كله هراء ولاتصح نسبته الي الرسول او الي الصحابة وقد كانت النساء تخرج الي المسجد النبوي من الفجر الي العشاء يرين الرجال ويراهن الرجال, والاسلام لم يأمر بعدم النظر وانما أمر بغض البصر.. أما شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي فقال إن الذين يدعون الي القتل والقتال حتي للقضاء علي الكافرين فكرهم فكر قطاع طرق لا أصحاب دعوة شريفة حصيفة, وهؤلاء تحتاج أدمغتهم الي تشكيل جديد, ولابد من علاج لذوي العقد النفسية وابعادهم عن قيادة الفكر الديني لأنهم غشاوات علي البصائر وحجب علي الضمائر والفقه الاسلامي حضارة وحياة ولكنه عند هؤلاء يميت ولا يحيي.

لا أطالب بقانون لمحاكمة الذين يسيئون الي الدين ولكن أطالب العلماء المعتدلين بأن يتصدوا لهؤلاء ويقولوا كلمة الحق حتي لاينخدع بهم العامة وحسنو النية وكما يقال دائما فإن الطريق الي جهنم مفروش بالنوايا الحسنة!


 


 


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف