أبلغ ما قيل عن البابا شنودة أن مصر المنقسمة توحدت في وداعه, فقد كان رجل دين متعمقا في دراسة جميع الأديان وليس الدين المسيحي فقط, وكان أستاذا في علم الأديان المقارن, كما كان له نشاطه الكنسي المعروف في الداخل والخارج.
, وقاد ثورة تصحيح واصلاح في الكنيسة المصرية لم يسبق له مثيل يطول الحديث عنها, وبالاضافة إلي ذلك كان مفكرا, وسياسيا, وشاعرا وله مفهوم خاص لكل مجال من هذه المجالات.
عندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل أقام البابا شنودة حفلا كبيرا لتكريمه في المقر البابوي حشد فيه عددا كبيرا من المثقفين وأدار معهم حوارا شارك فيه نجيب محفوظ, وأبدي نجيب محفوظ دهشته وقال إنه اكتشف أن البابا أديب ومفكر لديه ثقافة عربية وعالمية واسعة ينافس بها كبار المثقفين. وبدأ البابا الحوار بأن قال إن في الكلمة قوة تجعلها حية ومؤثرة ويمكن أن تكون أمضي من سيف ذي حدين, ولذلك فإن أهل الكلمة من الأدباء والصحفيين والمتحدثين يجب أن تكون الكلمة منهم بميزان حساس لأن كلماتهم يمكن أن تقود إلي الجنة أو إلي النار, وإلي الاصلاح أو الافساد, وإلي الخير أو الشر, وإلي ما فيه مصلحة المجتمع أو ضد مصلحة المجتمع.. وسأله صديق: من أنت؟ فأجاب: أنا مواطن من مصر يخدم الله في الناس, ويصلي في الكنيسة للوطن, ويتطلع إلي السماء من أجل الأرض. وسأله صديق آخر عن دور رجل الدين في رأيه وماذا يقول له فأجاب: رجل الدين يجب أن يكون كالطبيب الذي يتعامل مع المرضي ويعالجهم دون أن تنتقل إليه أمراضهم, أقول لرجل الدين ولكل الناس: إذا وقفت أمام الله اعلم أنه يكشف كل ما بداخل نفسك كأنك أمام جهاز الأشعة الذي يظهر كل ما بداخل جسم الإنسان, وإن لم تستطع أن تخفف عن الناس متاعبهم فعلي الأقل لا تكن سببا في اتعابهم, وتذكر أنك غريب علي الأرض وأنك راجع يوما إلي وطنك في السماء وتحاسب علي كل ما قلت وكل ما فعلت. وتذكر أن القوة ليست في الانتصار علي الغير ولكن القوة الحقيقية هي كسب الغير وأن القضاء علي العدو يتحقق بأن تحوله إلي صديق, والمؤمن لايدع الظروف الخارجية والأحداث تتحكم في انفعالاته
وأقول أيضا: إن الحياة قائمة علي الأخذ والعطاء, والسعيد في الدنيا والآخرة هو من يعطي أكثر مما يأخذ ويشعر بذلك بأنه يأخذ أكثر مما يعطي, والتعيس هو الذي يطمع في الحصول علي أكثر مما أخذ وقدره الله له. فهو يقضي عمره في التذمر والشكوي.. وعندما تريد أن تأخذ فاطلب من الله وحده, وإياك أن تأخذ من الشيطان, فالشيطان ـ وأتباعه من البشر ـ يعطي ولكن يأخذ أكثر مما يعطي, يعطي الدنيا ويأخذ الآخرة, فيخسر الإنسان حياته الدائمة في الآخرة من أجل حياته الزائلة في الدنيا. وأقول أيضا: إن التواضع هو أصل الإيمان, وهو السور الذي يحمي الفضائل والمواهب, وكل فضيلة خالية من التواضع يختطفها شيطان المجد الزائف ويبددها الزهو والفخر والكبر والاعجاب بالنفس, وهناك فرق بين التواضع الزائف أي ادعاء التواضع بينما النفس يملؤها الغرور, والتواضع الحقيقي أي شعور الإنسان بأنه مهما يبلغ من القوة والغني والشهرة والسلطة فهو ضعيف ومحتاج للناس.. وتذكر أن الله في علاه تنازل وكلم البشر وهم الصغار وعبر عن فكرته بأبيات من شعره يقول فيها:
يا تراب الأرض يا جدي وجد الناس طرا
أنت أصلي, أنت يا أقدم من آدم عمرا
ومصيري أنت في القبر إذا وسدت قبرا
وقال: لا يتخلي الله عن الإنسان ولكن الإنسان هو الذي يبتعد عن الله.
وقال: المال الزائد عن حاجة الإنسان إذا اكتنزه دون أن ينتفع به وينفع الآخرين يحاسبه الله عليه لأنه ظالم وكان عليه أن يعيد هذا المال إلي أصحابه الحقيقيين المحتاجين إليه وقد أرسل الله هذا المال إليه من أجلهم. وسئل: لماذا تنصح بالتزام الصمت فقال: لا.. الصمت حالة سلبية والكلام حالة إيجابية, إنما أنصح بالصمت من أجل أن يتدبر الإنسان فيحسن الكلام, فقد يندم الإنسان علي أنه صمت حين كان يجب عليه أن يتكلم. واحيانا يندم لأنه تكلم حين كان يحسن الصمت والعاقل من يعرف متي يتكلم وماذا يقول ومتي يصمت.
وعن موقفه السياسي قال: نحن نحترم الحاكم ونخضع له. ولكن الولاء لا يعني التسليم له بدون قيد أو شرط. ودائما يوجه إلي سؤال: هل أنت رجل دين أم رجل سياسة فأقول يجب التمييز بين العمل السياسي والفهم السياسي, فنحن لا نعمل بالسياسة وعلي أولي الأمر أن يحترموا ذلك ولا يطلبوا منا أعمالا أو مواقف سياسية أيا كانت, ولكن نحن لا نكتم شهادة الحق في قضية فلسطين مثلا أو في قضية الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة. وفي غير ذلك من القضايا التي لا يتحقق فيها العدل.