إذا جاء الرئيس القادم ممن يؤمنون ـ في قرارة نفوسهم ـ بأن ما حدث في مصر لم تكن ثورة, أو ممن يضمرون النية في إجهاض الثورة, فسوف تكون العواقب وخيمة, وسوف يكون الضحايا والخسائر أكبر بكثير من كل ما سبق.
فلا يزال هناك من يري أن ما حدث لم يكن أكثر من مظاهرات غضب, أو انتفاضة رافضة لعدد من الفاسدين وقد أبعدوا من مواقعهم وانتهي الأمر, وزالت أسباب الشكوي!! وهؤلاء يعتقدون أن دورهم هو تمرير الأمر الواقع, من خلال أزمات متتالية تلهي الناس عن الثورة وتنسيهم أهدافها الحقيقية, والأفضل أن تجعلهم يكرهون الثورة وشبابها, وبذلك يعود الحال علي ما كان عليه, ويكفي ما حدث من تغيير فهو أكثر من اللازم, وليس هناك بعد ذلك ما يحتاج الي تغيير, وتبقي الثورة ذكري واجازة يوم في السنة وأعلاما وصورا للشهداء وتعويضات.. وماذا يريد الناس أكثر من ذلك؟!
لذلك أقول ـ وأكرر ـ إن اختيار الرئيس القادم لن يكون أمرا سهلا, لان جميع المرشحين ـ الظاهرين والمنتظرين للظهور في آخر لحظة ـ لن يختلفوا في الكلام عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والقضاء علي البطالة وبعضهم سيقطع علي نفسه عهدا بإصلاح الاقتصاد والسياسة وبناء مساكن لائقة لسكني البشر بدلا من العشوائيات وسكني القبور.. والوعود سهلة وخذ منها ما يرضيك, وعش علي الأحلام كما عشت سنوات أطول من عمر سيدنا نوح.
مصر تحتاج الي رئيس غير عادي لأن الأحوال فيها غير عادية.. الفقر أكثر مما يحتمل, والبطالة فاقت الحدود, والفساد يفوق الوصف, وكل ذلك كان خافيا عن العيون بستار كثيف من الأكاذيب ممن كان يفترض فيهم ـ مع الأسف ـ أنهم أهل للثقة وفوق الشبهات.. ولا أعرف ما هو جزاء المغفلين والغافلين الذي ينتظرنا في الآخرة!
تحتاج مصر الي رئيس يقدر ما جري منذ25 يناير والتضحيات التي قدمها أبناء مصر من أجل حياة جديدة لبلدهم فيه الحرية الحقيقية, والكرامة الحقيقية, والعدالة الاجتماعية الحقيقية, واستقلال الإرادة الوطنية الحقيقية, والاحترام الحقيقي.. الشعب يريد أن يعيش في الحقيقة وليس في الخداع والغش والمناورات.. الشعب أعلن بالدم رفضه للممارسات والسياسات والقيادات التي قادت البلاد إلي ما وصلت إليه من تدهور في كل المجالات, الشعب أراد بثورته التغيير الشامل لأسلوب إدارة الدولة ومؤسساتها, وأعلن رفضه للتفريط في أصول الوطن وكرامته واستقلاله, ورفضه للقوانين التي كانت تحمي الفساد والفاسدين..!
ومن الطبيعي أن يقدم كل مرشح نفسه علي أنه المنقذ والبطل المنتظر والبلد لا تحتاج في هذه المرحلة الي زعيم ملهم أو قائد ساقه القدر يمتلك ـ وحده ـ مفاتيح الحل لكل المشكلات وينفرد ـ وحده ـ بالحكمة وفصل الخطاب, وينفرد وحده في منتجع بعيد ليستلهم الوحي القرار الصحيح.. كان ذلك ممكنا في مرحلة سابقة لأسباب لا داعي لذكرها, وشاركنا في ذلك بالغفلة أو بالتواطؤ أو بالمشاركة!!, والآن مصر اختلفت, وشعبها اختلف, ونحن اختلفنا وعلمنا ما لم نكن نعلم, والشعب المصري بعد ثورة يناير يسير أمام القيادة وليس خلف القيادة.. الشعب أصبح هو الملهم وهو صاحب القرار دون حاجة الي خلوة في منتجع, لذلك لابد أن يكون الرئيس القادم ممن يدركون قوة الرأي العام بعد الثورة, ولا يفكر في إمكان العودة الي ما كانت تسير عليه البلاد, ولابد أن يتخلي عن النظرة التي كانت سبب البلاء وهي أن مصر ـ بطبيعتها ـ تحتاج الي رئيس قوي يمسك بكل الخيوط, ويقود كل القطاعات, ويكون المستبد العادل الذي تحدث عنه الأقدمون في زمن كان الاستبداد هو الشائع وكانت الشعوب غافلة.. لقد انتهي ذلك العصر, وذلك الفكر, وصارت في البلد مؤسسات حقيقية لن تعلن الموافقة علي كل شيء وأي شيء, وصار في البلد شعب لن يقبل تسيير مظاهرات مدفوعة الأجر لتهتف للرئيس بأنها تفديه بالروح والدم.. الشعب سوف يكون مع الرئيس اذا أصاب سيكون معارضا للرئيس اذا أخطأ وسيسقط الرئيس اذا انحرف..
البلد فيه اليوم روح جديدة, والشعب عاد إليه الوعي والثقة في قدرته علي التغيير والتصدي لكل من يعرقل مسيرة التقدم.. الشعب اليوم هو الرقيب وهو الحسيب ولن يسمح لأحد بالاعتداء علي القانون, وسيكون جميع المصريين سواسية وكلهم خاضعون للمحاسبة من أكبر رأس الي أصغر رأس, ولم يعد مقبولا أن يكون فيها معصوم من الخطأ ومن الحساب.